سمير العركي يكتب: الإسلاميون والخروج من أسر ” التنظيم “

سمير العركي*

 
رغم أن كلاً من الجمعية الشرعية وجماعة أنصار السنة كانتا أسبق في الظهور من جماعة الإخوان المسلمين ، إلا أن عبقرية المؤسس الأول للإخوان مكنته من الانتشار في معظم مدن وقرى مصر في فترة وجيزة من الزمن .
واستطاع الأستاذ البنا – رحمه الله – أن يحول الجماعة الوليدة إلى تيار شعبي جارف يعبر عن اختيارات وتوجهات قطاع عريض من المصريين آنذاك في وقت كانوا يتلمسون فيه خطواتهم بعد صدمتهم الكبرى بسقوط الخلافة ” رسمياً ” عام 1924 .
لكن التيار العام الذي اجتهد البنا – رحمه الله – في تأسيسه ووضع لبناته الأولى ما لبث أن تحول إلى تنظيم حديدي مغلق بعد أن جرت في النهر مياه كثيرة وتعرضت الجماعة لنكبتها الكبرى في الحقبة الناصرية ، والتي تركت أثراً واضحاً في التأسيس الثاني في الحقبة الساداتية وما تلاها .

 

التحول الكبير من تيار شعبي إلى تنظيم ” مغلق ” لم يقتصر على الإخوان المسلمين وحسب بل تعداه إلى التيار السلفي الذي تشكل بصورة واضحة في سبعينيات القرن الماضي ، وإن كانت الفروق واضحة بين  طبيعة كلا التنظيمين فبينما اعتمد التنظيم الإخواني على ” التراتيبية ” والتتنظيمية المحكمة ومبدأ السمع والطاعة كعنصر أساسي في تربية الفرد ، ميز ” التنظيم ” السلفي ذاته باختيارات فقهية  ومظهرية في الشكل والملبس ، وتقديم لكتب الشيخين ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب على ما سواهما , ما أدى إلى انحسار “التيار” لصالح ” التنظيم ” والذى أفضى إلى عزلة الإسلاميين عن بقية المجتمع ، وكان على الفرد أن يختار بين أن يبقى وسط مجتمعه أو ينعزل بعيداً عنه داخل ” أسوار ” التنظيم ” غير المرئية ، لذا لم يكن من الصعب أن تستخدم الثورة المضادة فزاعة السلفيين وعموم الإسلاميين بصورة مكثفة عقب عزل مبارك لتفتيت قوى الثورة.

 

كما أن انعدام رؤية حقيقية للتغيير من حيث الأهداف والوسائل ساهم في هذه العزلة بشكل واضح ، إذ لم تتمكن هذه ” التنظيمات ” من خلق ” تيار ” عام وجارف داخل المجتمع ، ولم يكن المجتمع على استعداد أن يخوض معارك ضارية مع النظم الاستبدادية من أجل التمكين للتنظيم أو الانتصار لرؤى فقهية جزئية ، أو أن يفرغ طاقته من أجل إعادة تدوير مسائل خلق القرآن ، أو الرد على المعتزلة ومصارعة الأشعرية !!! وهي أمور كان البعض يصر إصراراً على إعادة بعثها وشغل الأمة بها من جديد ، دون محاولة جمعها على مشروع جامع مفارق للخطاب السلطوي الذي نجح في تحويل هذه التنظيمات إلى جماعات وظيفية عملت – بقصد أو بدون قصد – على الحفاظ على طول مكث أنظمة الاستبداد ولم تستح في لحظة ما من إعلان ولائها الكامل لها وبيعتها لها وإسباغ هالة من القداسة عليهم باعتبارهم ولاة الأمر الذين لا يجوز معارضتهم فضلاً عن الدعوة إلى إسقاطهم .

 

ومن هنا يمكننا فهم ظاهرة حازم أبو إسماعيل وكيف تمكن رغم كونه فرداً بدون تنظيم يقف خلفه ويسانده أن يتحول إلى ظاهرة جماهيرية سحبت البساط من تحت أقدام التنظيمات التقليدية إذ وجد المصريون في خطابه لغة جديدة تعبر عن تطلعاتهم في فترة ما بعد عزل مبارك ، فقد نجح في  الجمع بين الانتماء الإسلامي والخطاب الجديد المفارق لجميع المقولات التي كانت سائدة من قبل ، وخاصة في تركيزه على مفاهيم الحرية والكرامة والعدالة الإنسانية ، ووقوفه على الضفة المقابلة للمجلس العسكري .

 

كل هذه أمور ساعدت في تحويل أبو إسماعيل إلى ظاهرة شعبية في فترة وجيزة فى وقت أصرت فيه التنظيمات التقليدية على الاختباء أكثر وأكثر خلف أسوار التنظيم الحديدية ، مما سهل على الثورة المضادة التنكيل بها .
لقد حال هاجس الحفاظ على ” التنظيم ” خلال العقود الماضية بين كثير من الإسلاميين وبين الالتحام بالشعب في معاركه المختلفة مع سلطة الاستبداد وخاصة فيما يخص قضايا الحريات وحقوق الإنسان ، وظلت السياسة الحاكمة هي كيف يمكن التعايش على يمين هذا النظام واتقاء غضبه والرضى بالقليل من الفتات الذي يتم الحصول عليه بين الحين والآخر بكثير من الجهد والعنت .

ورغم أنه لا يمكن لعاقل أن يجادل في أهمية العمل الجماعي لتوحيد الجهود وتعظيم النتائج إلا أن المطلوب اليوم هو بإلحاح تخفيف غلواء ” التنظيماتية ” بكل أشكالها وألوانها وصورها الإدارية أو الفقهية أو الفكرية … إلخ وإعادة بناء التيار الأساسي – على حد تعبير المستشار البشري – الذي يعمل على مقاومة الاستبداد والفساد وبناء دولة الحريات وحماية الأمة من التشرذم ومخططات التقسيم التي تراد لها .
والنجاح الحقيقي أن يتحول هذا التيار إلى تيار جامع للأمة بكل أشكالها وأطيافها الفكرية .
ولن يحدث شيء من هذا إلا بالخروج من أسوار التنظيم والتعامل مع التحديات الكبرى كما يجب أن تكون .

_________________________

*كاتب مصري 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه