سليم عزوز يقرأ: محنة سعيد طرابيك!

وقد واصلت “سارة” الحضور الإعلامي بالقول أنه كتب لها كل تركته، لتعمق لدى الآخرين، أو بالأحرى الأخريات، الشعور بالحنق، ومواصلة القول بأنه زواج مصلحة

سليم عزوز*

قالت الأرملة الشابة للفنان “سعيد طرابيك”، وهي تودعه لمثواه الأخير صارخة: “مات سعيد لكي يستريح الإعلام”. حتى بدا من كلامها كما لو كان الرجل قد مات كمداً من تدخل الإعلام في حياته الخاصة، وتبادل معها الإعلام الأصفر اتهاماً باتهام، فقال إنه مات بسبب زواجه منها , ممن تصغره بثلاثين عاماً، وفي سخرية لم (تراعي) حرمة الموت وجلاله.
الإعلام جاني، أم ضحية؟، في موضوع زواج الفنان الراحل (74) عاماً، من “سارة طارق”، التي لم تذكر إلى الآن سنها الحقيقي، واكتفت وسائل الإعلام بذكر أنه في ضعف عمرها، ربما من باب الإثارة. كما لم يذكر إن كانت لها سابقة زواج، أم أنها “بنت بنوت”، وأنه “أول بختها”، وإن حظيت هذه الزيجة باهتمام إعلامي غير مسبوق، وعوض بفضلها الفنان “سعيد طرابيك” ما فاته من الشهرة، فرغم كثرة الأعمال الفنية التي شارك فيها، إلا أنها لم تنجح في أن تجعله فناناً مشهوراً، من نجوم الشباك، كما فعل خبر زواجه من “سارة” والتي أصبحت هي نجمة بدورها، دون أن تعمل بالفن، وربما وجدت نفسها أمام فرصة للظهور الإعلامي، فاستغلتها، وحرصت أن تكون جزءاً من كل “الجمل المفيدة” في خبر وفاته.
“سعيد طرابيك”، ليس أول أو آخر إنسان، يتزوج ممن في سن بناته، كما أنه ليس أول فنان يقدم على هذه الخطوة، فقد فعلها “حسين فهمي”، بزواجه من الممثلة الناشئة “لقاء سويدان”، قبل أن يطلقها ويتزوج من سعودية تبدو أنها الأصغر سناً، كما سبق للفنان عادل أدهم ان تزوج من فتاة تصغره، وبعد وفاته وجدتها فرصة لاستغلال نجوميته في أن تعمل بالتمثيل، أو أن تكون جزءاً من جملة مفيدة، لكن امكاناتها لم تمكنها من ذلك، ولم تعد بعد خبر الوفاة تعني شيئاً بالنسبة لوسائل الإعلام.
ومع ذلك، فلم تحظ هذه الزيجات، باهتمام وسائل الإعلام، بالشكل الذي حظي به زواج الفنان “طرابيك”، رغم تواضع نجوميته بالمقارنة بعادل أدهم وحسين فهمي، ورغم أن “سارة” ليست في شهرة الناشئة “لقاء سويدان”، التي لا تمل من الإعلان عن أنها من سكان “الزمالك” ولا تنس ذلك ولو في أحلك الظروف، فقد كانت يوم مقتل شقيقها في أحداث مسجد الفتح عقب فض “رابعة” و”النهضة”، تقول أن شقيقها قتل أمام منزلهما في “الزمالك” بأيدي الإخوان، وبعد ذلك أصر الطب الشرعي على التدوين في “شهادة الوفاة” بأنه مات منتحراً، لأن الشرطة من قتلته خطأ. وهذا ليس موضوعنا، فلقاء أصلاً من حي “بولاق أبو العلا” الشعبي الذي يفخر سكانه بالانتماء إليه بما يعنيه ذلك من تجسيد الشهامة المصرية، لكنها حريصة أن تنسب نفسها لمنطقة “الزمالك” الراقية، ولم تنس هذا ولو في لحظة المحنة.
في المجتمعات البدائية، التي يطلق عليها بعض علماء الأنثروبولوجيا “المجتمعات التقليدية”، ترفقاً، يضع الناس أنوفهم في خصوصيات الآخرين، ويقحمون أنفسهم في حياتهم الخاصة، وكلما كان الإنسان مشهوراً كلما كانت معرفة محيطه الخاص مغرية للآخرين، وأي إثارة أكثر من زواج رجل فوق السبعين، “رجله والقبر”، من امرأة صغيرة، حرصت على أن تظهر في صورة صاروخ “أرض جو”، قبل أن يكتشف المهتم أنها “المدمرة إيلات”؟
وقد وجد الإعلام ضالته، لينافس في الحديث عن هذه الزيجة، ليجذب اهتمام القارئ، والمشاهد، الذي مل من السياسة، ومن إعلام الرأي الواحد، والخبر الواحد، والصورة الواحدة. لذا فلم تكن مفاجأة أن إعلاماً لم يكن محسوباً على الصحافة الصفراء وإعلام الإثارة، قد اهتم بخبر زواج “سعيد” و”سارة”، لإشباع الرغبة في الاهتمام بالحياة الخاصة للفنانين، وقامت وسائل الإعلام بدور “العزول” في الثقافة الشعبية، الذي تختلف مهمته عن وظيفة “مرسال الغرام”، فالأخير يجمع والأول يجد لذة في أن يبدد ويفرق.
البعض ومن باب الحقد، عمل على التشهير بالرجل الذي تزوج ممن هي في سن بناته، وهناك من لم يصدق كلام الحب والهيام الذي قالته الزوجة العاشقة الولهى، واعتبروه تمثيلاً، حقداً من عند أنفسهم، ومن عجب أن يكون معظم الحاقدين عليها من بنات جنسها، اللاتي رأين بحسب التعليقات في مواقع التواصل الاجتماعي، أنه زواج “المصلحة”، واكتمل المشهد بوفاته، وقد ورثت كل ممتلكاته، وقالت “سارة” للإعلام وعلى قواعد “كيد النساء” أنه كتب لها كل ثروته، في وقت كانت بعض الصحف تنشر أنه لم يترك ثروة!.
ويبدو أن “الأرملة الشابة” شعرت أن زواجها ونهايته بهذا الشكل السريع قد أغاظ كثيرات، ممن تعرف ولا تعرف، فصرحت للإعلام بأنه ورَثها كل شيء، في لحظة صرخت فيها “مات سعيد لكي يستريح الإعلام”.
لأن “سعيد” ليس أول أو آخر فنان يتزوج امرأة تصغره، فإن هذا الاهتمام الإعلامي المكثف بدا لي غير طبيعي، فأثار هذا الاهتمام حقداً على طرفي العلاقة، إن شئت الدقة فقل إن الرجال حقدوا على الزوج، في حين كان الحقد على الثانية “الزوجة” من نصيب النساء، على النحو الذي أسلفنا.
وقد توقعت في البداية، ما تأكدت منه قبل ذلك، أن الاهتمام لم يكن ليكون بهذا الشكل، لولا حرص الطرفين، أو أحدهما على هذا الإعلان. وكان رأيي أنه يتم على قواعد المكايدة، وهو ما عرفت تفاصيله، وكل منهما كان له في مدح النبي غرام. كما يقول المثل الشعبي!
فالإعلام تم استدعاؤه، ولم يسترق السمع، أو يتجسس علي الفنان وزوجته الشابة، ولم يخترق غرفة نومهما، وهذا ما يضعنا أمام تحد مهم، فالدساتير المتعاقبة في مصر تصون الحياة الخاصة للناس، والمادة (21) من قانون تنظيم الصحافة 96 لسنة 1996، تمنع على الصحفي أو غيره أن يتعرض للحياة الخاصة للمواطنين، وإذا كان هنا استثناء ، فهو للمشتغل بالعمل العام ، أو الشخص ذي الصفة العامة أو المكلف بخدمة عامة. وهو استثناء مقيد بأن يكون التناول وثيق الصلة بأعمالهم “ومستهدفاً المصلحة العامة”.
وأقرت المادة (22) من ذات القانون عقوبة الحبس والغرامة، أو إحدى هاتين العقوبتين على من يخالف النص السابق. كما أن المادة (308) من قانون العقوبات، حظرت خوض الصحفيين وغيرهم في الأعراض والحياة الخاصة للناس، ولم تلغ بعد عقوبة الحبس فيها  كعقوبة جوازية متروكة للقاضي.
التحدي يتمثل في ذهاب البعض لوسائل الإعلام مطالباً إياهاً باقتحام حياته الخاصة والنشر عن أدق الأمور خصوصية في حياته.
بعض الصحفيين، يعتقدون أن الحياة الخاصة للشخصية العامة مستباحة، وهذا غير صحيح، فالقانون لا يعرف مسمي “الشخصية العامة”، إلا في النص الملغى في قانون الأحزاب السياسية، عندما كان يعطي لوزير العدل سلطة اختيار عدد من “الشخصيات العامة” ضمن تشكيل “دائرة الأحزاب السياسية” بالمحكمة الإدارية العليا، وإن لم يحدد القانون من هو الشخص الذي يدخل ضمن إطار “الشخصيات العامة”!.
فالإنسان يظل من آحاد الناس، وإن كان فناناً، أو كاتباً، أو مذيعاً. والمشكلة في من يذهب للإعلام برجليه، ليجعل من حياته الخاصة مادة للمكيدة العاطفية، فإذا كانت الصحافة قد اهتمت بخبر زواج “سعيد طرابيك” و”سارة طارق”، وهما لذلك كارهان، مما جعل الأرملة الشابة تهتف” سعيد مات علشان الإعلام يرتاح”، فلم يكن هناك ما يبرر أن ينتقلا من أستوديو إلى استوديو، ومن برنامج إلى برنامج، للحديث في أدق علاقاتهما الزوجية، وفي مشاعر الحب والهيام التي سرت بينهما من أول نظرة. ولا أذكر أن برنامجاً أو صحيفة قد حاور الرجل من قبل في أعماله الفنية وأدواره. فكان من الطبيعي أن يحقق نجومية بهذا الزواج اللافت لانتباه الناس، أكثر مما حققه بعد سنوات طويلة في التمثيل.
وقد واصلت “سارة” الحضور الإعلامي بالقول إنه كتب لها كل تركته، لتعمق لدى الآخرين، أو بالأحرى الأخريات، الشعور بالحنق، ومواصلة القول بأنه زواج مصلحة، ولأنه مات سريعاً، فهي الفائزة.
لست بطبيعة الحال مع الأخريات، فقد يدفع التشاؤم من هذه النهاية السريعة للزوج، في عدم اقدام آخر على الزواج منها، لتظل حياتها كلها تدفع ثمن هذه النهاية التي هي كالبرق الخاطف، كما أنني ضد رؤية الآخرين الذين يعتقدون أن الثمن باهظ، وعلى أساس أنه دفع كثيراً من أجل متعة لم تستمر أكثر من (90) يوماً، ظني أنه دفع الثمن  وهو في كامل قواه العقلية، وأنه لو عاد به الزمن من جديد، لما امتنع عن منحها الثمن وتجريد الآخرين من أن يرثوه، وهذا هو السبب في إعلان زواجه كما لو كان خبر الموسم.
قد يكون الإعلام معتدياً على خصوصيات الناس في كثير من الحالات الأخرى لكنه في حالة الفنان “سعيد طرابيك”، فهو استدعي للقيام بدور، ولم تزعجه الزيجة لكي تطلب منه الزوجة الثكلى أن يستريح. فقد يستريح من الاهتمام بها هى، ومن قبل حاولت أرملة عادل أدهم أن تكون ممثلة وفشلت.
لنستدعي أغنية خالد الذكر “محمد عبد المطلب”: ” يا حاسدين الناس، مالكم ومال الناس”.
 

___________________________

* صحفي مصري 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه