سامية على تكتب: أزمة الثقة

قلت لصاحبة المنزل الذي أقيم فيه في الهند، حيث كانت الكهرباء تنقطع كثيرا:افعلوا شيئاً عبروا به عن غضبكم. فقالت: نحن نثق في أن حكوماتنا تفعل لنا الأفضل.. يتبع.

سامية علي*

تقول الأسطورة:
 بعد أربع سنوات من الجفاف في قرية صغيرة اجتمع الكاهن مع الرعية وطلب منهم أن يحتشدوا عند أحد الجبال من أجل صلاة الجماعة لطلب المطر.
وفي منتصف المجموعة لاحظ الكاهن وجود صبي ملفوف بملابس شتوية ثقيلة ومعطف واق من المطر .
فذهب إليه الكاهن وسألة هل أنت مجنون؟ لم تمطر في هذة المنطقة منذ خمس سنوات وسوف تموت من الحرارة أثناء تسلق الجبال!
فأجاب الصبي بثقة :”عندما سنصلي لله سوف نحصل علي البرد ثم المطر. هل تستطيع أن تتخيل الجو أثناء النزول إلي أسفل؟  هطول الأمطار سيكون ثقيلا جدا ومن الأفضل أن نكون مستعدين” .
في هذه اللحظات بالذات سمع صوت هدير عال في السماء وبدأت القطرات الأولي للمطر في النزول،
كان إيمان وثقة الصبي كافيين لحدوث معجزة، مع أن آلاف الرجال كانوا يصلون ولا ثقة لهم في الأمر، وهذه الثقة هي المفتقدة هذه الايام.
من أسباب الراحة والاستقرار النفسى للإنسان في وطنه شعوره بالثقة، الثقة تجاه من يحكمة وكل من يدير الشؤون في الدولة حتي نكون مجتمعا قويا ومتماسكا،  ولأن الثقة إذا ذهبت لا ربما تعود.
أغلب الشعوب الآن لا تثق في حكامها، بعد أن وصلوا إلي السلطة بالكذب والخداع،  فهل سألت نفسك يوما لماذا يستخدم  البعض الأكاذيب في إقناع الناس بحملتهم الإنتخابية؟ ولماذا نتساءل فيما بيننا عما إذا كان هذا الشخص كفئا للقيام بهذة المهمة  أم لا؟ وهل لديه نضج سياسي؟ وماذا إذا لم يقم بالمهمة علي أكمل وجه؟ ماذا وماذا وماذا؟
هذة التساؤلات تنبع من إفتقارنا للثقة.
 بماذا تفيدنا الثقة؟ الثقة تعزز لدينا احترام الذات واحترام الأخرين، وغياب الثقة في مؤسسات الدولة يجعلنا نفقد الأمان فأبسط مثال أننا نخرج من بيوتنا ونغلق الباب بمفتاح فقط  ونحن نثق أنها ستكون بأمان .
الثقة هي التي تمكنك من استخدام بطاقة الائتمان الخاصة بك لإجراء عملية شراء عبر شبكة الإنترنت. الثقة هي الاعتقاد أن لدينا بعض السيطرة علي حياتنا وأن في وسعنا التأثير علي العالم حولنا.
إن الثقة تكاد أن تكون معدومة في بلادنا لأن التاريخ  دائما يحدثنا عن مكر وكذب وخداع السياسين وأن الغدر كان سيد المواقف دائما.  بينما الثقة بين الحاكم والشعب ينبغي أن تكون قائمة، وإلا كيف نعيش تحت حكم  لا نثق فيه؟
 أتذكر حواراً دار بيني وبين صاحبة المنزل الذي كنت أقيم فيه في الهند حيث كانت  الكهرباء تقطع  أكثر من خمس ساعات يوميا، وكنت أتذمر دائما بسبب الحر الشديد حتى أني لم أعد أطيق الاحتمال فخرجت لصاحبة البيت وقلت لها كيف ترضون بهذا الحال؟ فقالت لي وماذا علينا أن نفعل ؟ قلت لها افعلوا شيئاً عبروا به عن غضبكم، اخرجوا علي الحكومة، أظهروا اعتراضكم. 
فقالت السيدة بهدوء: نحن نثق في أن حكوماتنا تفعل لنا الأفضل. 
مازلت أتذكر الحوار الذي دار بيننا وجملتها ” نحن نثق في حكوماتنا ….. ” فهل نحن نثق في حكوماتنا وأنها تفعل لنا الأقل وليس الأفضل؟ أنا لا أعرف إذا كانت الحكومة في الهند تفعل الأفضل لشعبها، فربما تكون هذه الحكومة علي ثقة من أن الهندي مسالم بطبعة ولا يميل إلي العنف ولذلك لن يطالب بحقوقه.    
وعلى المستوى الاجتماعي، لن ترى عيناك أسعد من طفل يلقيه والده في الهواء وهو يثق أن ثمة يداً تنتظره.
رجل أعمال كان متأخرا علي رحلته وصل إلي بوابة صعود الطائرة قبل الإغلاق كان يجري ويتنفس بصعوبة، عندما وصل إلي مقعده كانت تجلس امراة في منتصف العمر عند النافذة وطفلة صغيرة علي مقعد عند الطرف وأخذ هو مكانه في المنتصف. 
بعد إقلاع الطائرة بدأ الحديث مع الفتاة الصغيرة، كانت تبدو في مثل عمر ابنته وكانت الفتاة مشغولة بكتاب التلوين، سألها بعض الأسئلة، عن سنها فأجابت: (ثمانية ) وعن هوايتها فأجابت: (مشاهدة أفلام الكرتون والرسم ). وكذلك سألها عن حيوانها المفضل فأجابت: (الخيول جميلة لكني أحب القطط) ووجد أنه من الغريب أن تسافر هذه الطفلة بمفردها لكنه احتفظ بأفكاره لنفسة وقرر إبقاء عينيه عليها للتأكد من أنها بخير.
وبعد حوالي  ساعة من بداية الرحلة بدأت الطائرة فجأة تعاني اضطرابا شديدا وطلب الطيار من الجميع ربط أحزمة المقاعد والتزام الهدوء لسوء الأحوال الجوية.
عدة مرات علي مدى نصف ساعة قامت الطائرة بالانخفاضات والمنعطفات الحادة، البعض بدأ في البكاء والبعض، مثل المرأة التي تجلس بجوار النافذة، قام بالصلاة، وكان الرجل يتعرق وهو يمسك بإحكام في مقبض مقعده ويصرخ: يا إلهي يا إلهي! مع كل هزة عنيفة.
في الوقت نفسه كانت تجلس الطفلة في هدوء بجانبه بعد أن وضعت كتاب التلوين الخاص بها في جيب المقعد أمام عينيها ويديها فوق ساقيها بشكل لا يصدق وكانت لا تبدو قلقة مثل الجميع.
انتهت الإضطرابات الجوية وإعتذر الطيار وأعلن أن الطائرة سوف تهبط قريبا. وعندما بدأت الطائره في الهبوط تحدث الرجل للفتاة الصغيرة قائلا: ” أنت مجرد فتاة صغيرة، ولكن لم يسبق لي أن قابلت شخصا شجاعا مثلك في حياتي! قولي لي يا عزيزتي كيف بقيت هادئة جدا في حين أن كل كبار السن كانوا خائفين جدا؟”  نظرت إلية الفتاة وقالت: والدي هو الطيار وهو سيأخذني إلي المنزل.
كانت ثقة الطفلة في والدها قادرة علي إزالة كل أثار الخوف من عقلها.
ابذل قصارى جهدك لتصبح الشخص الذي يستحق الثقة بنفسه.

______________________________

* كاتبة مصرية
 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه