س: الرابط العجيب بين حكمي الأسد والسيسي

ابتسام تريسي*

 
العوام في سوريا يستخدمون “س” للدلالة على شيء سري يحدث بين اثنين لا يريدان أن يعرفه أحد. و”سي” أيضاً تستخدم مشفوعة بكلمة فيتامين للدلالة على “الواسطة” وهي شخصية يدها ممدودة في حلق الدولة، وتستطيع تسيير الأمور المستعصية، وتفتح الأبواب المغلقة. وأعلى نسبة من فيتامين سي موجود في الجوافة المشهورة في مصر، والحمضيات المشهورة في سوريا. وهذا الفيتامين ضروري لجسم الإنسان، ونقصه يؤدي إلى أمراض أكثرها شيوعاً نزف اللثة والأنيميا.
ومن فوائده العظيمة أنّه ينتج الكولاجين! أي أنّه يجدد شباب البشرة كما تفعل “الواسطة” حين تحي الآمال الميتة، وتجدّد الشباب المفقود.
س التأسيس لحكم العسكر
الرابط بين الإقليم الشمالي “سوريا” والإقليم الجنوبي “مصر” كما أطلقت عليهما حكومة الوحدة في       أواخر خمسينات القرن الماضي، يجمع بين الحكمين بحبل متين من تسلّط العسكر، الذي أغرق البلدين في مستنقع الخوف والرعب من أجهزة المخابرات ذات السلطة المطلقة، وجعل رقاب الناس تداس بالحذاء، ضمن سياسة  مقاومة الوجود الإسرائيلي، السياسة التي جعلت “عبد الحميد السرّاج” نائب عبد الناصر في سوريا، يقتل الشاعر “فرّج الله الحلو” بتذويب جسده بالأسيد.. لكنّ لم يستطع إخراس كلماته التي غنتها فيروز “نحنا ودياب الغابات ربينا”.
السياسة التي تشبث بها الأسد كطوق نجاة، أنقذه طيلة فترة حكمه، من ثورة الشعب، الذي حكمه بقوة السلاح. آخذاً الأبجديات من حكم عبد الناصر، الذي سبقه في التأسيس لحكم العسكر، مع الفارق أنّ عبد الناصر وصل إلى قلوب الناس، لكنَّه لم يستطع أن يقود المرحلة بحنكة قائد مدني.. بقي عقل العسكري مسيطرًا على تصرفاته، فكانت سياسته كلّها قائمة على إدارة معركة وأطراف صراع! بينما امتلك الأسد الذي تتلّمذ على فكر مافيات وحكماء صهيون عقلية تاجر يهودي، يشبه شخصية “شايلوك” في مسرحية شكسبير الشهير “تاجر البندقية”.. فبدأ حكمه ببيع الجولان لإسرائيل، وتصفية خصومه بالسجن والقتل، وتفرّغ كلية لنهب ثروات البلاد، ووضع خطة لإفقارها، وتغيير ديمغرافيتها بدءاً من اجتياح جنة الله على الأرض “غوطة دمشق” إلى تلويث نهر العاصي، إلى تجفيف سهل الروج، إلى قطع الغابات في تل أبيض، إلى سرقة النفط.
س سلطة الفساد
 ورث كلٌ من مبارك، وبشار الحكم خالصاً لوجه النهب، ولم يكونا بحاجة في بداية حكمهما للدعس بالزي العسكري على رقاب الناس، فقد استلما السلطة “ناضجة، وجاهزة للأكل”! غطّى كلٌ من بشار ومبارك سياسة النهب والسرقة بمشاريع وهمية، أولها مسيرة التطوير والتحديث “اتصالات وانترنت” وتخصصت السيدة الأولى في مصر بالمشاريع الثقافية فغطت على كلّ أخطائها _على حدّ تعبير وزير الثقافة جابر عصفور_ بمشروعها الضخم “القراءة للجميع”.
واختصت السيدة الأولى في سوريا بالعناية بالآثار، والتي مُنحت عام 2004 شهادة الدكتوراه الفخرية في علم الآثار من جامعة روما لاسابينزا تقديرا لدعمها القوي لتطوير الأبحاث الأثرية والتاريخية وحماية التراث التاريخي في سوريا. الملفت للنظر أنّ الجامعة منحت السيدة أسماء الدكتوراه في موقع إيبلا الأثري قرب تل مرديخ في محافظة إدلب أثناء افتتاح مشروع حديقة إيبلا الأثرية، والمرحلة الثانية من أعمال التنقيب والترميم في الموقع بحضور عالم الآثار باولو ماتييه! كلّ السوريين تقريباً يعرفون المرحلة الأولى من أعمال التنقيب واكتشاف مملكة إيبلا.. لكنّ التعتيم الحاصل ما بعد المرحلة الثانية بعد منح السيدة الأولى شهادة الدكتوراه يثير التساؤلات حول إمكانية وجود صفقة خفية نالت عليها السيدة الأولى أرفع الدرجات العلمية!
س القمع بالسلاح
لكنّ دوام الحال من المحال، فقد انفجر بركان الشعب، ولم يكن أمام بشار سوى اللجوء لاستخدام القوة، لأنّه لم يكن رئيساً مؤهلاً أصلاً ليحكم شعباً مثل الشعب السوري، ولا حتّى كان مؤهلاً لقيادة قطيع من البقر! لم يصمد حكم مبارك أمام الثورة، لكنّ العسكر عادوا إلى الواجهة بانقلاب على سلطة مرسي الشرعية، أول رئيس عربي منتخب يطيح به العسكر لأنّه غرد خارج السرب!
أهم منجزات السيسي بالنسبة للشعب السوري، أنّه ساند نظام بشار الأسد بقوة، لأنّه يرى فيه الحل الأمثل للسيطرة على البلاد، وصرّح مؤخراً أنّه لا يوجد حلٌ في سوريا بمعزل عن الأسد!
الأسد والسيسي والابتسامة التي حيّرت العالم
شخصيتان كرتونيتان أتوقع أن يصبحا نجمين في المستقبل يستخدمهما مبدعو أفلام الكرتون للدلالة على التخاذل والخسة والغباء! سلطتان اتحدتا لمحاربة الإرهاب! والرابط بينهما هذه المرّة ليس “السلطة العسكرية، ولا الفساد” بل رابطة أقوى.. ابتسامة بلهاء توحي أنّهما منفصلان تماماً عن العالم.. ولا يريان سوى نفسيهما في المرآة لأجل ذلك.. يضحكان!
الابتسامة الغبية سرّ بقاء الأسد في الحكم، وسر تربع السيسي على عرش مصر! فالقوى العظمى التي تلعب بالمنطقة لن تجد أفضل من هذين الشخصين لحكم شعب وعى فجأة على قيوده وأراد تحطيمها، فكلاهما يعاني من جنون العظمة. وكلاهما يكره صناديق الانتخاب وكلاهما طوع أمر الأسياد في الخارج، الأسياد الذين يرون في إسرائيل الواحة الوحيدة للديمقراطية في صحراء الجهل والتخلف، صحراء العبودية وتقديس الحذاء العسكري.

____________________

*أديبة سورية
 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه