دولة الفرعون.. الرعب والحب والمقاومة

ما حدث مع خيري رمضان رسالة لفئة من المصريين الذين رقصوا وغنوا للجنرال السيسي، كما غنوا لغيره من الجنرالات السابقين.

 

خرج الإعلامي خيري رمضان من محبسه الاحتياطي بعد أن دفع كفالة مالية قدرها 10 آلاف جنيه مصري، ما يعني أن قضيته لا تزال مفتوحة، ويمكن استدعائه مجددا في أي لحظة، رغم أن رئيس المجلس الأعلى للإعلام وعد بحل نهائي للأزمة.

ما حدث مع خيري رمضان رسالة لفئة من المصريين الذين رقصوا وغنوا للجنرال السيسي، كما غنوا لغيره من الجنرالات السابقين، مفادها أن علاقتهم بالجنرال يجب أن تقوم على الخوف وليس الحب والغزل، فالحب يمكن أن ينقلب غضبا إذا حدث ما يستوجب ذلك، لكن الخوف يظل قائما بل يترسخ مع الوقت في نفوس الخائفين، ويحولهم إلى مجرد عبيد لا يشعرون بالظلم، بل يستعذبونه، ولا يفكرون في مقاومته.

المشير السيسي يبني الآن مملكته الفردية (دولة الفرعون)، متجاوزا مفهوم دولة العسكر التي يشاركه فيها جنرالات آخرين، ورغم وجود جنرالات كثر في سدة الحكم إلا أنهم ليسوا شركاء للسيسي بل هم تابعون له، وقد تخلص الرجل تباعا ممن كانوا يشعرون بشعور الشراكة بمن فيهم أقرب الشخصيات له وهو صهره الفريق محمود حجازي رئيس الأركان السابق، ورئيس مخابراته العامة اللواء خالد فوزي وآخرين، ولا تزال العقبة الوحيدة أمامه في قضية الشراكة هي وزير الدفاع المحصن بنص دستوري، ومن الواضح أن كل محاولات السيسي خلال الفترة الماضية والتي ستتكرر مستقبلا لتعديل الدستور تستهدف ضمن ما تستهدفه تعديل هذا النص الدستوري ليتخلص من وزير الدفاع بطريقة قانونية إن لم يتمكن من الخلاص منه بطرق دموية أخرى على شاكلة ما حدث في مطار العريش.

التأسيس الثالث

يمكن وصف ما يفعله السيسي بالتأسيس الثالث للدولة العسكرية، إذ كان صاحب التأسيس الأول هو محمد علي باشا، وصاحب التأسيس الثاني هو جمال عبد الناصر، وفي هذا التأسيس الثالث يسعى السيسي لاستعادة قوة الحكم العسكري مع تركيز كل السلطات في قبضته هو شخصيا دون اعتداد ولو شكلي بأي مؤسسات دستورية أخرى، متجاوزا أي نصوص دستورية أو أعراف سياسية أو تقاليد برلمانية أو أحكام قضائية، والتي كان أحدث شواهدها التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير، ثم منح السعودية مجددا ألف كيلو متر من أراضي مصر دون اعتبار لأي مؤسسات، بما فيها المؤسسة العسكرية ذاتها التي غير عقيدتها لتصبح محاربة الإرهاب بدلا من حماية الأرض ومواجهة العدو الصهيوني، وتلاعب حتى بنشيدها ليحل محله نشيد قوات الصاعقة التابعة له “قالوا إيه علينا” ويفرضه على تلاميذ المدارس بديلا للنشيد الوطني.

يستغل السيسي أوضاعا محلية وإقليمية ودولية تبدو في صالحه الآن، فالمعارضة المصرية في أسوأ حالاتها، ورغم أن هذه المعارضة تئن من وطأة ضربات السيسي لها جميعا دون تفرقة إلا أنها لم تتمكن من توحيد صفوفها حتى الآن، بل لا تزال تعيش أجواء الاستقطاب السياسي التي أعقبت ثورة يناير، ولا تزال الكثير من القوى العلمانية رافضة لأي تنسيق مع القوى الإسلامية حتى لو كان البديل هو استمرار حكم السيسي، ودعوات الاصطفاف الثوري التي انطلقت على مدار الأعوام الماضية بمشاركة  بعض العقلاء لم تحقق مبتغاها، رغم مزاعم الجميع بضرورة هذا الاصطفاف.

على المستوى الإقليمي ظل الدعم الصهيوني السعودي الإماراتي للسيسي متصلا، وكان أحدث تجلياته زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لمصر، وقبل الدعم السعودي فإن الدعم الصهيوني للسيسي لم يتوقف، وعلى المستوى الدولي فإن الغرب رغم صدور بعض الانتقادات الشكلية منه لسياسات السيسي خاصة في ملف حقوق الإنسان إلا أنه يعتبر السيسي بقرة حلوبًا تدر لبنًا غزيرا للغرب عبر صفقات تسليح وصفقات تجارية أخرى بمليارات الدولارات تسهم في إنعاش اقتصاداتهم.

قدرا مقدورا

هل استحكمت حلقات الدائرة، وأصبح حكم السيسي قدرا مقدورا لا فكاك منه، يتوقف الأمر على القوى المدنية (بكل توجهاتها) في الداخل المصري، ومدى قدرتها على الخروج من خلافاتها “ونفسنتها” من بعضها، والتوحد في كيان جامع لمواجهة هذا النظام الذي لا يزال في بدايات تشكله ولم يستقر بشكل نهائي بعد، وليس المطلوب من هذه القوى المدنية (بإسلامييها وعلمانييها) الاتفاق على برنامج سياسي موحد فذلك ضد طبائع الأمور، لكن المطلوب هو الاتفاق على الحد الأدنى من المبادئ، والأهداف المشتركة والتي سيكون على رأسها الخلاص من حكم السيسي والاتفاق على مرحلة انتقالية تشاركية بعد ذلك تمهد البلاد لحكم ديمقراطي مستقر قائم على قواعد للمنافسة النزيهة، مع ضمان احترام نتائج تلك المنافسة.

وإذا كان نظام السيسي يعتمد بشكل كبير – إضافة إلى القوة العسكرية والأمنية الداخلية- على الدعم الإقليمي والدولي، فإن هذا الدعم ليس مستداما، فقد كان نظام مبارك يحظى بهكذا دعم حتى يوم 9فبراير /شباط2011، لكن صمود الثوار في ميدان التحرير وغيره من الميادين أجبر الإدارة الأمريكية على تغيير موقفها، وتبعتها بقية دول العالم، ولم تغن إسرائيل عن مبارك من الشعب شيئا وهي التي كانت تعتبره كنزا استراتيجيا، والشاهد أن الموقف الدولي ليس موقفا صلبا، بل هو موقف مرن يتحرك نزولا وصعودا حسب تحركات الشعب المصري وقواه السياسية، والناظر لخريطة التفاعلات الإقليمية والدولية في الوقت الراهن يراها متقلبة، وهناك العديد من التطورات الإقليمية والدولية التي لا تسير في صالح السيسي ومنها مثلا التحقيقات مع صديقه رئيس الوزراء الإسرائيلي والتي قد تطيح به في نهاية المطاف، وكذا الممانعة الفلسطينية القوية ضد صفقة القرن حتى الآن، والأصوات الأوربية المتصاعدة ضد سياسات السيسي، وكذا التحقيقات الجارية مع كفيله في الولايات المتحدة الأمريكية جاريد كوشنر زوج ابنه ترمب، وهي التحقيقات التي طالت الإمارات الكفيل الخليجي الأساسي للسيسي، وهذه التحقيقات قد تظهر جوانب من المؤامرة على الشعب المصري وثورته، وقد تتسبب أيضا في حرق المزيد من داعمي السيسي في البيت الأبيض بل قد تطيح بترمب نفسه في نهاية المطاف، وعاصفة الحزم تترنح، وتشهد توترات بين الشريكين السعودي والإماراتي، حتى أن الأمير محمد بن سلمان مهد بتصريحاته في القاهرة يوم أمس إلى توقف قريب للحرب، كما أن الأزمة القطرية مع دول الحصار مرشحة للاستمرار، مع تحسن الوضع القطري في مواجهة تلك الدول، وانتقال الدوحة إلى مرحلة هجوم بدلا من الدفاع، ورغم أن هناك محاولات أمريكية لجمع قادة دول الخليج في قمة في كامب ديفيد في مايو/أيار المقبل إلا أن التوقعات تشير إلى صعوبة التسوية في تلك القمة التي قد تقتصر على تسكين شكلي للأزمة دون حلول نهائية.

لا ينبغي لدعاة التغيير التعويل كثيرا على المجتمع الدولي، ولا ينبغي في الوقت نفسه إهمال التواصل معه لوقف دعمه للسيسي، لكن الأهم هو الاعتماد -بعد الله تعالى- على تنظيم المعارضة المصرية لصفوفها، وتحديد خطة عمل سريعة للخلاص فما حك جلدك مثل ظفرك.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه