دور محتمل لاستطلاعات الرأي بتشكيل الحكومة التركية

لا يمضي أسبوع في تركيا إلا ويُنفذ استطلاع رأي عام واحد على الأقل حول الحزب الذي سيصوت له المُستطلع في انتخابات الإعادة المحتملة. يتبع

عبد القادر عبد اللي*

المعروف أنه بعد إعلان نتائج الانتخابات العامة في أي بلد –وتركيا ليست استثناء- لا يبقى هناك ضرورة لإجراء استطلاعات رأي عام لقياس نبض الشارع في موضوع “لأي حزب ستصوت؟” لأن الناخب قد أدلى بصوته، وانتهى. ولكن النتيجة التي أفرزتها الانتخابات التركية، وما رافقها من مواقف لأحزاب المعارضة جعل احتمال إجراء انتخابات الإعادة وارداً بقوة. وعندما نقول انتخابات فمن الطبيعي أن يكون هناك استطلاع رأي عام، وهكذا لا يمضي أسبوع في تركيا إلا ويُنفذ استطلاع رأي عام واحد على الأقل حول الحزب الذي سيصوت له المُستطلع في انتخابات الإعادة المحتملة.

وبما أن القاعدة خُرقت، وبدأ سباق محموم لإجراء استطلاعات للرأي العام تنشر نتائجها في وسائل الإعلام، لابد أن الأحزاب تكلّف شركات استطلاع رأي ترصد لها وضعها الحقيقي، وعادة تكون هذه الاستطلاعات ليست للنشر، بل للحزب من أجل أن يحدد سياساته، ويتخذ مواقفه.

 

بالمقابل تم تكليف رئيس الحكومة التركية أحمد داوود أوغلو بتشكيل الحكومة بشكل رسمي، وأنهى جولته على قيادات الأحزاب بالتسلسل، وجاءت الإشارات الإيجابية من لقاء داوود أوغلو برئيس ثاني أكبر كتلة برلمانية وهو كمال قلتشدار أوغلو رئيس حزب الشعب الجمهوري، وكان تصريح خلوق قوتش نائب رئيس حزب الشعب بعد اللقاء إيجابياً، إذ قال: “نحن منفتحون ولا نريد أن نكون معطلين لتشكيل الحكومة”. ما الذي جرى، بعد أن كان هذا الحزب من أكثر الأحزاب تشدداً بتشكيل حكومة خارج حزب العدالة والتنمية؟ وكان يتخذ الموقف المناقض لأي موقف يتخذه حزب العدالة والتنمية. فعلى سبيل المثال أيد انقلاب السيسي في مصر، وكان مع السعودية، وعندما غيرت السعودية موقفها من العدالة والتنمية، بدأ يهاجم السعودية، واعتبر أن بشار الأسد يحارب الإرهاب في سورية.

 

قدم حزب الحركة القومية إشارات مهمة مثل عدم التصويت بأصوات صالحة في مجلس الأمة التركي الكبير (البرلمان) عند انتخاب رئيسه مما أفسح المجال لحصول مرشح حزب العدالة والتنمية على مقعد رئاسة البرلمان، هذه المؤسسة التي تعتبر من مؤسسات الدولة المهمة، ولكنه رفض المشاركة بحكومة ائتلافية بشكل قطعي.

 

بقي حزب الشعوب الديمقراطي ثابتاً عند رفض التحالف مع العدالة والتنمية. وقد كان هذا الحزب مصراً على تشكيل حكومة خارج حزب العدالة والتنمية، وقدم تنازلات كبرى في هذا السبيل، ومن أهم هذه التنازلات هي تقديمه الدعم والتصويت لحكومة تؤسس من حزبي الشعب الجمهوري والحركة القومية دون أن يحصل على أي مقابل أو أي حصة في هذه الحكومة، ولكن موقف حزب الحركة القومية من هذا الحزب حال دون تشكيل هكذا حكومة سعت إليها بقوة كل من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل وإيران…

 

ترى هل هناك رابط بين استطلاعات الرأي العام وهذه المواقف التي أقل ما يمكن القول فيها إن حرارتها لم تنخفض فحسب، بل باتت أبرد من الاعتدال؟

 

تشير استطلاعات الرأي العام التركي الحديثة كلها تقريباً إلى تراجع بأصوات حزب الشعب الجمهوري، وقد كان هذا الحزب قد خسر بعض النقط في الانتخابات العامة التي أجريت مؤخراً، وخسارته مزيداً من النقط يمكن أن يُضعف فاعلية هذا الحزب في الساحة السياسية أكثر، وهكذا فإن تشكيل أي حكومة، وخاصة إذا شارك فيها مع أشد خصومه السياسيين وهو حزب العدالة والتنمية سيكون أفضل له من إجراء انتخابات الإعادة التي تضعف موقفه. فهل هناك علاقة بين اعتداله في الموقف، والخوف من انتخابات الإعادة؟ والأهم من هذا أنه لم يأتِ على ذكر الموقف من بشار الأسد كشرط لدخوله الائتلاف.

 

من ناحية أخرى فإن استطلاعات الرأي العام تشير إلى ثبات حزب الشعوب الديمقراطية عند أصواته، أو خسارته في بعضها نقطة أو نقطتين لا تؤثران كثيراً على وضع هذا الحزب العام في الخريطة السياسية التركية.

 

تشير استطلاعات الرأي العام المعلنة إلى أن حزب الحركة القومية يحافظ على وضعه، وهذا يعني أنه سيحتفظ ببعض النقط التي كسبها في الانتخابات الأخيرة، ولذلك نجد أن سياسة هذا الحزب بقدر ما هي إيجابية، بقدر ما هي متشددة من ناحية المشاركة بالحكومة الائتلافية، فهو مرتاح من ناحية لانتخابات الإعادة. ولكن رفضه المشاركة في الحكومة الائتلافية مع حزب العدالة والتنمية (حتى الآن) لا يعني أنه سيعوّق تشكيل الحكومة. فهو على ما يبدو مستعد للعب دور الحزب المعارض الرئيس، في حال تشكيل الحكومة من حزبي العدالة والتنمية والشعب الجمهوري برئاسة أحمد داوود أوغلو، وبالطبع هناك احتمال تشكيل حكومة أقلية يدعمها هذا الحزب، مثلما لعب دوراً بحصول العدالة والتنمية على رئاسة البرلمان، بأن يصوت لصالح حكومة الأقلية، يمكن يلعب دوراً بتشكيلها والتأثير عليها من الخارج. وهذا يرتبط بأن ثمانين بالمائة من المستطلعة آراؤهم يؤيدون تشكيل حكومة بين هذا الحزب والعدالة والتنمية.

 

من ناحية أخرى تشير استطلاعات الرأي إلى تقدم طفيف لحزب العدالة والتنمية، يمكن أن يصل إلى نقطتين أو ثلاث، ولكن فيما لو تحقق هذا الأمر، سيحظى هذا الحزب بفرصة أخرى لتشكيل حكومة وحده، ولكنه على الرغم من هذا فهو لا يُظهر تشدداً في تشكيل الحكومة، ولعله تلقى رسالة الناخب التركي، وهذا ما جعله يخفف من حدة خطابه السياسي، ويعمل على مشاركة الآخرين، وهناك عامل تخفيف الضغط الشديد عليه بتشكيل حكومة ائتلافية، وتخلصه من اتهامه بالسعي للتفرد بالسلطة. ولكن هل تغريه السلطة بالإعادة، أو من الممكن أن يكون صوت الاعتدال الذي يقدمه هو تكتيك جديد لتحسين وضعه أكثر في انتخابات قادمة “إعادة” أو “مبكرة”.

 

 

 

كاتب عربي

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه