دلالات مشاركة أردوغان في جنازة الملك

عبد القادر عبد اللي*

قَطَع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان جولته الأفريقية من أجل المشاركة في جنازة العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله. يمكن أن يُفسّر الأمر نوعاً من البروتوكول بين دولتين بينهما علاقات متوترة، ولكن إدخال الرئيس التركي إلى المكان المخصص للأسرة المالكة أثناء أداء صلاة الجنازة، وإعلان تركيا يوم حداد وطني بمناسبة الوفاة في وقت متأخر بعد صلاة الجنازة والتشييع لابد وأن يعطي الموضوع بعداً آخر.
عند تشييع جنازة حافظ الأسد في 12 حزيران/ يونيو 2000 فاجأ الرئيس التركي حينذاك أحمد سِزار المراقبين بحضوره مراسم التشييع والعزاء في دمشق، ولقائه وريث الحكم لتفتح تلك الجنازة باباً واسعاً للعلاقات السورية التركية التي تطورت باضطراد اعتباراً من عام 2002 بعد وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم حتى عام 2011 مع اندلاع احتجاجات الشارع السوري لتنتقل من الأخوّة إلى العداوة، ودخل البلدان في حالة تشبه الحرب إذ تُعتبر تركيا من أكثر الدول تشدداً بموقفها من الأسد، ودفعت ثمناً باهظاً نتيجة هذا الموقف الذي ثبتت عليه وحدها مع دولتين عربيتين في المنطقة هما قطر والسعودية.
على الرغم من انسجام الموقفين السعودي والتركي في القضية السورية إلا أن العلاقات متوترة بين البلدين قبل سجن الرئيس المصري محمد مرسي بسبب موقف حكومة العدالة والتنمية من الربيع العربي، وبرز التوتر أكثر بعد سجنه. 
كانت العلاقات بين حكومة مرسي وحكومة أردوغان حسنة، ولكن لا يمكن القول إنها كانت على ما يرام، فتقديم أردوغان النصح العلني لمرسي بأن “يعتمد دستوراً علمانياً حماية للثورة وله” عرّضه لهجوم عنيف شنّه الإعلام المصري القريب من الأخوان عليه، وصرخت جوقة المداهنين الصرخة العربية التقليدية: “مصر غير تركيا”… ووصلت العلاقات المصرية التركية إلى عتبة القطيعة في عهد المشير عبد الفتاح السيسي، وبالطبع رافقها توتر موازٍ في العلاقات التركية السعودية… فهل يمكن أن تلعب مشاركة أردوغان في جنازة العاهل السعودي دوراً في تحسين العلاقات بينهما مثلما لعبته مشاركة الرئيس التركي الأسبق أحمد نجدت سزار في جنازة حافظ الأسد؟
هناك مصالح مشتركة كبرى بين البلدين، فالمنطقة تدفع ثمناً باهظاً نتيجة مضي إيران بتنفيذ مشروعها الإمبراطوري القروسطي، ولعل السعودية وتركيا الدولتان الأكثر تضرراً من هذا المشروع، ولكن جهودهما تتبدد نتيجة عدم التنسيق والتوتر. ففي اجتماع جدة لتشكيل التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) لاقى الصوت التركي المُطالب بمنطقة آمنة في الشمال السوري كشرط لمشاركتها بهذا التحالف دعماً من حلفائها الأوربيين في حين لم يجد هذا الدعم من العرب المشاركين في التحالف وعلى رأسها السعودية إضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
الخلاف السعودي التركي كما يظهر إلى العلن سببه الخلاف في الموقف من نظام عبد الفتاح السيسي، فهل هذا الخلاف أهم من محاصرة إيران للسعودية؟ صحيح أن مصر هي أهم الدول العربية، ولكن الخطر يهدد السعودية نفسها، فلو نجح الحوثيون في اليمن وقضت إيران على المعارضة السورية لن يكون هناك سعودية. وعلى الرغم من وجود علاقات متوازنة بين تركيا وإيران، ولكن تركيا تدرك خطورة احتلال إيران للعراق وسورية ولبنان، وأن هذا الاحتلال يمكن أن يؤثر على وجودها أيضاً على المدى البعيد.
يقول المثل العربي التركي المشترك: “رب ضارة نافعة”، فهل سيطرة الحوثيين على اليمن والتصريحات الإيرانية التي تباهي بأن أربع عواصم عربية باتت تحت نفوذ الولي الفقيه أيقظ الجميع، وأشعرهم بالخطر الوجودي الذي يتهددهم؟
لم تكن مشاركة أردوغان في الجنازة دون مقدمات، فقد زار وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو الكويت، وأجرى مباحثات مع المسؤولين الكويتيين ومنهم أمير الدولة، والموضوع هو الوضع الإقليمي. وهل سيكون لقاء مفاجئ بين وزير خارجية وأمير غير الوضع الإقليمي؟ وبالمناسبة، فإن الكويت لم تتخذ موقفاً حاداً من تركيا على غرار السعودية والإمارات العربية المتحدة، وحافظت على توازن نسبي في العلاقات بحيث لا تستفز أحداً، لذلك رُبطت زيارة وزير الخارجية التركي باحتمال وساطة كويتية لمصالحة بين السعودية وتركيا، وهناك من قال إنها مصالحة بين تركيا ومصر، خاصة وأن الكويت لعبت دوراً رئيساً بتخفيف التوتر بين قطر ومصر. ومع صمت الصحف الموالية للحكومة التركية، قرعت الصحف المعارضة طبول الفرح بأن مسؤولي حزب العدالة والتنمية سيذهبون إلى مصر صاغرين، وسيعتذرون من دمشق لاحقاً، وبالطبع سيقيم الشيوعيون صلاة النصر وراء الولي الفقيه في جامع السلطان أحمد كما وعد رئيس حزب العمال في تركيا ضوغو بيرنتشك.
مثلما كانت مشاركة رجب طيب أردوغان في جنازة الملك عبد الله مفاجئة، كانت عدم مشاركة عبد الفتاح السيسي بسبب “سوء الأحوال الجوية” أيضاً مفاجئة. كان المراقبون ينتظرون أن تتم المصالحة بتراجع الحكومة التركية عن موقفها من السيسي، ولكن الحفاوة السعودية بأردوغان وغياب السيسي تؤشران إلى أن العلاقات ستكون مبنية على قاعدة مختلفة، وعلى الأقل سيترك الموضوع المصري جانباً.
الحكومة التركية بحاجة ماسة للسعودية على أكثر من صعيد، فداخلياً هناك ضغط كبير عليها، والهجوم السعودي الإيراني المزدوج يقوي خصوم حزب العدالة والتنمية، وهي بحاجتها خارجياً فالتنسيق بين السعودية وتركيا في القضية السورية يمكن أن يحدث فرقاً على صعيد التحالف الدولي لأن الموقف السعودي سيتبعه موقف الخليج العربي كاملاً إضافة إلى مصر، خاصة وأن هناك اجتماعين قريبين لدول التحالف.
والسعودية أيضاً بحاجة تركيا لتكون داعمة لها ضد التمدد الإيراني الذي بات يهددها، وهو لاشك يهدد تركيا على المدى الطويل.
نعم، مثلما لعبت مشاركة الرئيس التركي الأسبق دوراً بفتح صفحة جديدة في العلاقات السورية التركية، يمكن أن تلعب مشاركة الرئيس التركي الحالي دوراً بفتح صفحة جديدة في العلاقات السعودية التركية، والمؤشرات تقول إن هذا الانفتاح وهذه الصفحة لن تكون على حساب عبد الفتاح السيسي على الأغلب، فهذه القضية ستوضع في البراد إلى حين، ولن يُعطى لأحد الطرفين فرصة إعلان نصر على الآخر، لأن الظروف المستجدة أخطر من إعلان نصر من هذا النوع.

__________________________

*كاتب سوري متخصص في الشؤون التركية

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه