دروس هندية

الهند بلد استثنائي بكل ما تعنيه الكلمة. وأهم جوانب خصوصية الهند هى تفردها الثقافي. فالهند تعطي الإنسانية كلها درساً شديد الوضوح في تجسيد واقعها لقيم التعددية وقبول الآخر والتعايش المشترك.

وكما يتسم واقع الهند المعاش بهذه الخصوصيات فإن تاريخه أيضاً فريد. فتاريخ المجتمعات الحديثة لم يشهد نضالاً من أجل التحرر من الاحتلال خالياً من العنف كما فعل الهنود بقيادة المهاتما غاندي. ولأكثر من ثلاثين سنة سعت الهند من أجل الحرية والاستقلال سعياً كان سلمياً من بدايته لنهايته خالياً من أي شكل من أشكال العنف. ومنذ استقلال الهند منذ سبعين سنة (في ١٩٤٧) والهند تقدم للإنسانية دروساً لا نظير لها. فرغم تعدد اللغات والمعتقدات (الأديان) فإن الهند شهدت على الدوام تعايشاً مشتركاً فريداً. ومن المفارقات التي تستحق الدراسة ما حدث في سنة ١٩٤٧ عندما استقل نصف مسلمي الهند بوطن لهم، هو اليوم “باكستان” و”بنجلاديش”. وبينما شهدت الهند استقرارا وازدهاراً وديموقراطية رائعة وتطوراً علمياً فذاً ، شهدت باكستان عدة انقلابات عسكرية.

 في الهند وصل لأسمى وأرفع منصب رجال ونساء من كل الخلفيات: هندوس ومسلمون وسيخ. وبينما أصبحت الهند صاحبة أكبر صناعة سينما في العالم، فإن حظ باكستان في هذا المجال كان ولايزال قريباً من الصفر. وبينما أصبحت الهند واحدة من أكبر خمس اقتصادات في العالم ، فإن باكستان لم تقترب من دائرة أكبر عشرين اقتصاد في العالم. وبينما يراقب العالم بإعجاب وافتتان ديموقراطية الهند التي هى اليوم أكبر ديموقراطية على سطح الكرة الأرضية، فإن تاريخ باكستان منذ سبعين سنة يشهد انقلابات وديكتاتوريات عسكرية.      

صورة ليست وردية                                               

وإنجازات الهند في عالم السياسة والديموقراطية وفى مجالات عديدة من مجالات العلوم والفضاء وتكنولوجيا المعلومات والطب والصناعة لا تعني أن “الصورة الهندية” كلها إيجابيات ، فبجانب ومحاذاة سجل حافل من الإنجازات هناك تركة كبيرة من الموروثات الثقافية التي تنتمى لعالم الخرافات والأساطير المتناقضة بل والمتصادمة مع اعتبارات العقل والعلم ومعطيات العصر. فالموروثات الدينية حافلة بأمورٍ تنتمى لأزمنة سحيقة ومراحل بدائية من مراحل الإنسانية. ولكن الهند تبدو للمراقب لمجتمعها من الخارج وكأنها اتخذت قراراً بعدم تصادم الحاضر مع الماضي، وأنها أيضاً قد اختارت أن يتعامل عقلها العلمي الحديث معاملة سلمية مع العديد من سلبيات موروثها التاريخي. وأغلب الظن أن الهند ستربح معركتها مع سلبيات ماضيها بشكل سلمي ولكنه يحتاج لعدة عقود لاسيما وأن تعداد الهند يقترب من المليار ونصف المليار نسمة، وهو ما يجعل التقدم الثقافي ببطء أمراً حتمياً يستلزمه الحفاظ على سلمية عملية التطور لمجتمع يزيد عدد أبنائه عن خمس (٢٠٪) عدد البشر الأحياء اليوم على سطح الكرة الأرضية

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه