دربالة وأسئلة ما بعد الرحيل

سمير العركى*

 

عقب الإعلان عن وفاته وقبل أن يوارى جثمانه الثرى تشكلت في دوائر المهتمين والباحثين بل وعموم المتابعين مجموعة من الأسئلة تتعلق بالرحيل المفاجئ للدكتور عصام دربالة رئيس مجلس شورى الجماعة الإسلامية، وأحد أهم مؤسسيها والشخصية البارزة في عمليات المراجعات التي أجرتها الجماعة الإسلامية لمجمل أفكارها وأطروحاتها إضافة مع أعضاء مجلس الشورى الآخرين د. ناجح إبراهيم والمهندس  أسامة حافظ وغيرهما .

كما تتعلق أهمية الأسئلة بالدور الهام الذى لعبه دربالة عقب ثورة يناير 2011 إذ سارع إلى لملمة شمل  الجماعة من جديد والعمل على إجراء أول انتخابات في تاريخ الجماعة لاختيار مجلس شورى جديد عبر هيئة منتخبة من قواعد الجماعة اصطلح على تسميتها بـ ” الجمعية العمومية ” والتي أفرزت مجلساً جديداً وضعت دربالة على رأسه كأول رئيس منتخب للجماعة الإسلامية .

ثم كانت الجهود الكبيرة التي بذلها دربالة من أجل إتمام البناء الإداري والتنظيمي الذى تأثر كثيرا بعد  سنوات طويلة قضاها رهن الاعتقال ، كما عمل على إنتاج خطاب إعلامي متوازن يعبر عن مجمل التوجهات الجديدة للجماعة بعيداً عن الصورة النمطية التي سادت حقبتي الثمانينات والتسعينات. كما شرع دربالة فى تأسيس حزب جديد يعبر عن مجمل الرؤية السياسية الجديدة للجماعة الإسلامية .

ولطبيعة هذا الدور المحورى برزت أسئلة ما بعد رحيل دربالة ما هو مصير المراجعات الفكرية للجماعة الإسلامية ؟ هل تتخلى الجماعة عنها وتعود لدائرة العنف من جديد أم تظل متمسكة بها ؟وما هو مصير البناء التنظيمي للجماعة هل  يبقى متماسكاً ؟ أم يتعرض لتصدعات وانشطارات بعد رحيل دربالة  بكاريزميته المعروفة ؟

أما سؤال المراجعات وديمومتها من عدمه فهو سؤال الأسئلة ومحور الاستفسارات والإجابة عليه تتطلب منا تتبع السلوك الفعلي  للجماعة منذ اكتمال خروج أبنائها تقريباً أواخر عام 2006 عدا القياديين البارزين عبود وطارق الزمر إضافة إلى المحكوم عليهم بأحكام قضائية لم تكن قد انقضت بعد .. مروراً بالثورة المصرية وأحداثها وصولاً إلى فترة ما بعد انقلاب الثالث من يوليو 2013 ،

 والملاحظة الأبرز هنا هو التزام الجماعة الفعلي بالسلمية فى جميع هذه المحطات فاشتراكها في فعاليات ثورة يناير 2011 كان اشتراكاً سلمياً محضاً بل لم تسع الجماعة عقب الإطاحة بمبارك وحل جهاز مباحث أمن الدولة إلى الانتقام من الضباط المتورطين في تعذيب أفرادها رغم معرفة شخوصهم وأسمائهم .

والمتتبع للخطاب السياسي للجماعة وحزبها عقب الثالث من يوليو 2013 يجد أنها تبنت خطاباً سياسياً متوازناً رغم اصطفافها مع التحالف الوطني لدعم الشرعية المعبر عن القوى الرافضة للانقلاب العسكري. ففي بيان أصدرته في 12 مايو/آيار2015 بمناسبة نشر بعض المنتسبين لها تصريحات إعلامية لا تعبر عن موقفها الرسمي حددت الجماعة ستة ضوابط حاكمة لاختياراتها ومواقفها أهمها  : ” المشروعية التي يتأسس عليها القرار. وتحقيق المصالح العليا للدين والوطن وعامة الشعب وتقديمها على المصالح الخاصة. والسلمية ورفض كافة أشكال العنف كطريق للمعارضة وتحقيق أهداف الثورة “.

هذه الضوابط هي التي حكمت مجمل توجهات وتصرفات الجماعة سابقاً ولاحقاً فأعلنت استنكارها في 10 يونيو / حزيران 2015 حادث تفجير معبد الكرنك بالأقصر وأعلنت بوضح تام أن مثل هذه الأحداث تنطوي على أخطاء ومخالفات شرعية فادحة خاصة أنها تؤدى إلى إزهاق أرواح وسفك دماء معصومة  

وإذا ما تركنا بيانات الجماعة الرسمية إلى تصريحات قادتها ومسؤوليها خاصة المتواجدين خارج مصر والذين طالما اتهموا بتحريضهم على العنف وخروجهم على مراجعات الجماعة  سواء من الإعلام المصري الرسمي أو من الأفراد المنتمين لما يسمى بـ ” تمرد ” الجماعة الإسلامية سنجد – على سبيل المثال – تصريحات قيادي كبير كطارق الزمر رئيس حزب البناء والتنمية دائمة التركيز على سلمية الثورة المصرية محذرة من انجرارها إلى هاوية الصدام والعنف. ففي 20 يوليو/ تموز 2015 غرًّد على حسابه على موقع التواصل الاجتماعي ” تويتر ” قائلاً (تمسكنا بالسلمية هو حفاظ على المجتمع واحترام لثورة يناير وليس احتراما للنظام الفاسد ) كما غرًّد فى 29 يونيو / حزيران قائلاً : ( لاتزال السلمية هى طريقنا لاستكمال ثورة يناير )

وفى 28 يونيو / حزيران غرًّد عقب القبض على د./ عصام دربالة قائلاً ( عدم التعامل الجدى مع مبادرة الجماعة الإسلامية فى التسعينات واعتقال رئيس مجلس شورى الجماعة مؤخرا.. يوكدان حرص تلك النظم على استمرار العنف !!)

بل لعب دربالة نفسه قبل اعتقاله دوراً هاماً في الحفاظ على سلمية المشهد المصري فقام بجهد كبير في التحذير من عسكرة الثورة المصرية واستنساخ النموذج ” الداعشي ” في مصر وألف رسالة بعنوان ” لا للتكفير .. لا للتفجير .. لا لقتل المتظاهرين ” كما حرص على عقد الندوات واللقاءات في المدن المصرية المختلفة للتحذير من هذا الخطر. والمفارقة المثيرة للدهشة أن يتم القبض عليه عقب إحدى هذه الندوات وتتحول الرسالة التي ألفها للتحذير من ” داعش ” أحد أدلة الاتهام التي تقدمها الجهات الأمنية للنيابة العامة المصرية في موقف لا يخلو من دلالات صادمة !

ومن هنا فإن أي حديث عن تراجع الجماعة الإسلامية عن سلميتها يصبح حديثاً غير ذي معنى لا يتسق مع الواقع أو مجمل الخطاب الصادر عن الجماعة وقادتها .

أما سؤال التشظي والانشطارات التي يراهن البعض عليها عقب رحيل دربالة  فالإجابة عليها لايمكن فصلها عن مجمل الأوضاع الإدارية والتنظيمية التي مرت بها الجماعة خاصة بعد يناير 2011 وتشكيل ” أول ” جمعية عمومية منتخبة من القاعدة العريضة للجماعة تولت انتخاب مجلس شورى الجماعة وأنيط بها مهمة البحث والنظر في القرارات المهمة التي تتخذها الجماعة هذه الخطوة التي لعب دربالة دورا كبيراً فيها حافظت على البناء ” التراتبي ” للجماعة ووحدتها ومكنها من تجاوز عقبات هامة خلال السنوات الماضية كانت كفيلة بالقضاء على وحدتها وتماسكها .

حتى إن ما يسمى بـ ” تمرد ” أو ” إصلاح ” أو ” أحرار ” الجماعة الإسلامية فشلت فشلاً ذريعاً في إحداث انشقاق حقيقي وفعال داخل بنية الجماعة واقتصرتأثير دور قادتها على الإعلام الذى أفسح لهم مساحات واسعة ” متعمدة ” لا تتناسب مع حجمهم ووزنهم داخل الجماعة إذ لم يكونوا ” يوماً ” من قادتها المؤثرين أو التاريخيين كما لم يتمكنوا من إقناع بقية الأعضاء بالدور الذى يقومون به , حتى المراهنة التي راهن عليها كثيرون بإمكانية الدفع بالرمزين التاريخيين كرم زهدي وناجح إبراهيم للعودة لقيادة الجماعة من جديد في ظل حالة السيولة الهائلة التي مرت بعموم الحالة المصرية عقب الانقلاب العسكري، فقد فشلت فشلاً كبيراً لرفض الاثنين رفضاً قطعياً أداء مثل هذا الدور واستحالته من ناحية أخرى تنظيمياً وإدارياً .

كما أن الدارس والمتتبع لتعاطى الجماعات العقدية مع أزمات التشظي والانشطار يدرك تماماً أن تشظى مثل هذا النمط من ” التنظيمات ” أوقات المحن والأزمات من الصعوبة بمكان إذ تلجأ ” تلقائياً ” إلى النمط ” السلحفائي ” في مواجهة الأخطار الذى يحتمى بـ ” الدرقة ” السميكة التي تغطى الجسد بعد أن يسحب الرأس والجسد إلى داخلها .

والدرقة المعنية هنا هي الروابط التنظيمية والاجتماعية والأبعاد الأخلاقية التي تربط أعضاء التنظيم بعضهم البعض، وقد اتضح ذلك أيضاَ في فشل محاولات إحداث انقسامات وتصدعات  ” حقيقية ” داخل جماعة الإخوان المسلمين في مصر .

والحاصل أن رحيل دربالة بشخصيته القيادية والمؤثرة ومكانته الأدبية بين أفراد الجماعة الإسلامية سيترك فراغاً كبيراً لا يمكن إنكاره ولكنه لن يصل إلى الانشطارات والانقسامات خاصة وأن الجماعة قد استدركت أمرها عقب القبض عليه قبل حوالى شهرين وأسندت مهام رئاسة مجلس الشورى لنائبه المهندس  أسامة حافظ وهو الوضع الذى سيستمر في ظل صعوبة انعقاد الجمعية العمومية حالياً ما يعنى انتقالاً سلساً وسهلاً داخل الجماعة يحفظ عليها وحدتها وتماسكها .

القبض على دربالة ورحيله بهذه الصورة الدرامية داخل محبسه في سجن ” العقرب ” بطره أحدث تفاعلات وآثاراً داخل الجماعة الإسلامية ربما لم تكن تريدها السلطات الحاكمة في مصر ________________________

* كاتب وباحث مصري

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه