د. طارق الزمر يكتب: يناير أمل يتجدد

قالها لي أحد أصدقائي، وهو أحد خبراء السياسة، غاضبا من أداء الثوار والحراك الشعبي: إن كل ما تفعلونه لن يسقط هذا النظام وذلك لأنه سيفوت عليكم هذه الفرصة وينتحر من تلقاء نفسه

د.طارق الزمر

مع تصاعد حملات القمع والترويع الأمني وارتفاع أصوات التضليل والتطبيل وتمكن القبضة العسكرية من مفاصل الدولة، وسيطرة الشرعية المسلحة على أدوات الحكم، أصيب البعض بالإحباط وركن البعض للدعة ودعي البعض للقبول بالأمر الواقع.. لكن كل هذا لم يستطع أن يخفى الحقيقة الناصعة بل أم الحقائق وهى أن مصر ما بعد يناير تختلف تماما وكليا عن مصر ما قبله، وأن تصور أن تستقر الأمور على ما هي عليه الآن أو أن تعود عقارب الساعة لما قبل يناير، صار من المستحيلات وذلك لأسباب كثيرة

أولا: لأن مصر الآن صارت تمتلك جيلا من الشباب لم يعد يستسيغ الاستبداد أو يقبل بالقمع أو يستسلم لنهب مستقبله وسرقة مصيره.. هذا الجيل الذى هو الذى فجر ثورة يناير ولحق به قطاع واسع من الشباب تفجر وعيه على أحلام يناير التي بثها ميدان التحرير ولم تخطئ هدفها، بل أصبحت جزءا أصيلا من تكوين هذا الجيل, ولحق بهما جيل كان طفلا وهو يتابع ثورة الشباب,  ورأى فيها كرامته وحريته، هذا الجيل الآن بلغ 15 عاما وهو على استعداد أن يفرط في كل شيء إلا أن يفرط في حلم يناير أو أن يتنازل عن كرامته التي تحاول السلطة أن تدهسها بآلاتها وآلياتها القمعية في كل لحظة، فهو لازال  يري هذا الحلم في زميله المعتقل ويحسه في صديقه الشهيد ويتألم له مع وقع السياط على ظهره أو حفر الخرطوش على جبينه وربما جراحات الرصاص في أجزاء أخرى من جسده.. فهل ترى أن هذا جيل مؤهل للاستسلام؟

ثانيا.. كما أن هناك وعيا أخر تشكل لدى قطاعات واسعة من الشعب ارتبط بالثقافة السياسية التي شهدتها مصر على مدى عامين ونصف حيث الانتخابات والاستفتاءات والحراك السياسي والجماهيري كما أرتبط بذلك أيضا الوعى بالشرعية الدستورية لدى قطاعات كبيرة يصعب إقناعها بأن “تهاني” يمكنها أن تلغى نتائج انتخابات برلمانية شارك فيها 32 مليون ناخب وهو رقم قياسي في تاريخ مصر السياسي بطبيعة الحال.. كما يصعب اخضاعها لمنطق الدبابة الذى ألغى أول انتخابات رئاسية حقيقية تشهدها مصر بقرار من المشير أو الفريق و حتى لو وقعّ على ذلك كل جنرالات الأرض، وحتى لو كان الرئيس المنتخب غير مرضي عنه لدى قطاعات واسعة من الشعب وذلك لأن من جاء بالصندوق ينبغي ألا يذهب بغيره وتلك قيمة قانونية وسياسية وأخلاقية ينبغي عدم تجاهلها.

ثالثا.. كان يمكن أن تمر الدبابة على كل ما سبق دون ضجيج أو صيحات استنكار لكن ذلك كان يستلزم قدرا كبيرا من الحنكة والذكاء لم يتوفر لأى قدر منهما لقادة الانقلاب ولعل ذلك من حسن حظ يناير وأنصارها وحراسها ومن حسن حظ الشعب الذى عانى فترات تاريخية طويلة من القمع والاستبداد وحان موعد حريته.. لهذا جاءت الطغمة الجديدة على طراز النماذج التاريخية الفجة والبشعة في الاستبداد والطغيان ومن ثمّ فقد كانت رداءة الأداء السياسي فضلا عن العمى والغرور والغطرسة سببا رئيسيا في الأخطاء والكوارث التي ارتكبتها وترتكبها هذه الطغمة في كل المجالات، وإذا كان أبرزها هو ما ارتكبته على الساحة السياسية والاستراتيجية والأمنية فإن أخطرها وأهمها هو ما ارتكبته على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والذى يجعل حياتها قصيرة ومدتها محكومة بمدى قدرتنا – فقط – على استثمار هذه الخطايا والكوارث.

وأختم بمقولة مهمة قالها أحد أصدقائي وهو أحد خبراء السياسة والاستراتيجية حيث قال لي غاضبا من أداء الثوار والحراك الشعبي: إن كل ما تفعلونه لن يسقط هذا النظام وذلك لأنه سيفوت عليكم هذه الفرصة وينتحر من تلقاء نفسه فهو الذى سينهى حكمه بغبائه !!

__________________________

 *باحث مصري في العلوم السياسية

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه