حيث يسكن الشيطان في سورية

ابتسام تريسي*

 

من المعروف أنّ كلّ ظاهرة إعلامية تصنع حولها ضجيجاً، وتشغل الناس، تنطوي على هدفين، أحدهما ظاهر للعيان، والثاني مخفي، وهو السبب الحقيقي لتلك “البدعة” أو “الجرسة”، التي ينشغل بها الشعب العربي بكلّ أطيافه.

من الملاحظ أنّه منذ بداية “الربيع العربي” وظهور “الثورات” التي حُرفت تدريجياً عن هدفها المبدئي، وطريقها السلمي، ودخلت نفقاً مظلماً لا نهاية له.

بدأت تلك القضايا الفرعية بالظهور بكثافة، وشغلت أذهان الناس، وغطّت على القضية الرئيسة: “الثورات العربية”.. الغريب في الأمر أنّ كلّ تلك “القضايا” تخصّ المرأة، فهي المحور الأساسي لها. وهي الشماعة الذي يعلّق عليه الحسّ الذكوري العربي نقائصه كلها. فالمرأة “شرف العربي” الذي يجب أن يزود عنه، لا بالدفاع عن حقوقه، وحريته، بل بخنقه وتقييده بقضايا ثانوية قد تكون تافهة أحياناً.

في السنوات الأربع الأخيرة “وهي عمر الربيع العربي” وعمر الثورة السورية.. ظهرت على الساحة قضايا لم تكن مطروحة من قبل، أكثرها إثارة للجدل: “إرضاع الكبير” و”جهاد النكاح” وأخيراً “الحجاب”.

كلّ هذه القضايا تتعلّق بجسد المرأة بشكلٍ مباشر، وتعتبره شيئاً مهيناً، ومثيراً للرغبات، ومادّة لإذلال صاحبته، وإذلال عائلتها. إذن، كيفية النظرة إلى المرأة، عبر التاريخ الطويل من القمع والتسلط الواقع على البشر، هو السبب الرئيس في ظهور تلك القضايا “الفقاعات” على السطح، وانتشارها بهذا الشكل، واستئثارها بكلّ هذا الضجيج، الذي غطّى على القضايا الإنسانية، وحتّى على أخبار الموت والدّمار، فخاض السياسيون فيه، كما خاض العامة من الناس!

وقد ساهم “المشايخ” بفتاوى مثيرة للجدل، والسخرية أحياناً وبعيدة عن الواقع، وغير مستندة إلى فكر أو تشريع واضح، في إثارة المزيد من تلك الفوضى، التي عمّت مواقع التواصل الاجتماعي تحديداً، وآخر تلك الفتاوى ما نسب ( أو فُبْرِك ) لمفتي السعودية من إباحة أكل لحم الزوجة في حال الجوع! لمَ لمْ يتُبح تلك الفتوى أكل لحم الزوج في حال الجوع؟ أليس فناء المرأة أيضاً سيقضي على “الجنس” البشري؟ أم أنّ الرجل لديه اكتفاء ذاتي، يستطيع من خلاله أن يقوم بدور المرأة والرجل!

آخر القضايا المثارة، قضية الحجاب، والدعوة إلى مليونية في مصر لنزعه في أول الشهر القادم .. الدعوة للتظاهرة أثارت جدلاً كبيراً، صاحب الدعوة، أعلن أنّ من أهدافها “مواجهة الفكر المتطرف”.

وقد تناحر المؤيدون والمعارضون للفكرة كالعادة، وخاض الجميع في القضية، وكأنّ العالم في سلام كامل! المؤيدون لفكرة نزع الحجاب اعتبروه دليلاً على التخلف، وذهب البعض إلى اعتباره القيد الذي يمنع المرأة من الانتاج والإبداع، وقد كتب صحفي بارز وأديب على صفحته يقول: “المحجبة لا يمكن أن تكون كاتبة، أو شاعرة، أو فنانة مبدعة” لأنّ الحجاب يحجب الفكر، ويخنق الموهبة!

وعلى تويتر كتب أحدهم ” أنا مؤيد للحملة، حتى لا يكون الحجاب موضة وأن تكون ملابس المحجبة تتماشى مع الحجاب وألا ترقص محجبة أمام اللجان!” وقالت إحداهن ساخرة، إنّ الأمر ليس جديداً، فهذا يحدث في كل صيف عندما تركب الطائرة في رحلة إلى الخارج!”

وعلى الجانب الآخر، اعتبر المعارضون اللباس حريّة شخصية، ونشط المدافعون عن الحجاب، ونشروا هم أيضاً، مقاطع فيديو، يروجون فيها للحجاب، منها تجربة الحجاب على فئة من السيدات الأجنبيات غير المسلمات، تقوم فتاة بوضع الحجاب لهنّ، ثمّ يقلن رأيهن به، بعد مشاهدة أنفسهن في المرآة، كما يقلن رأيهن بالمسلمات، والدين الاسلامي. الفيديو تجربة بسيطة، قُدّمت بأسلوب محبب، ولو أنّ الحجاب هنا كان ذا شكل جمالي مبالغ فيه، من حيث الشكل، والألوان، وطريقة ارتدائه.

البعض تداول قولاً لدكتورة مصرية ذات منصب مهم في أمريكا، تقول فيه إنّ الحجاب نوع من التطور الطبيعي، فقد كان الإنسان عارياً في البداية، ثمّ اكتشف الملابس، وطورها إلى الشكل الحالي. وعندما سألوها عن العري، قالت، إنّه عودة إلى البدائية.. وأضافت إذا كان العري تطوراً، فالحيوانات عارية أيضاً!

ونشر ناشطون فيديو لامرأة هندية تقف في مكان عال، تدعو لخلع الحجاب، وتبدأ بنفسها تخلعه، وتحرقه، فتطالها النار وتحترق! هذا الفيديو نُشر من باب الترهيب، وناشره يبين مصير من يتعدى على حد من حدود الله.
المثير في الأمر أنّ المعتدلين كانوا ضدّ الدعوة إلى نزع الحجاب، ومن هؤلاء السينارست محمد العدل، قال: “إنّ الدعوة إلى مليونية لخلع الحجاب هي بالنسبة لي، مطابقة تماماً لدعوات ارتداء الحجاب، ولأفعال إجبار الفتيات على ارتداء الحجاب في المدارس، الفارق الوحيد والمحبط، أنّ الأولى جاءت من شخص كنّا نظنه مثقفاً”.
وقد علّق الإعلامي محمود سعد، قائلاً:” ده اسمه جنان.. قوم لا يعقلون”.

وأضاف في برنامجه “آخر النهار “ارحموا الناس وارحمونا من هذا العك اللي بيحصل.. كلنا بنشارك في دغدغة المجتمع، عارفين داعش لما كسروا التماثيل الأثرية؟ ده كلنا بنعمله”.

وقد طالب خالد الشريف القيادي بالمجلس الثوري المصري بمحاكمة الكاتب الصحفي شريف الشوباشي الذي دعا إلى مليونية خلع الحجاب بميدان التحرير عبر مواقع التواصل الاجتماعي، قائلاً: “دعوة الشوباشي لمليونية خلع الحجاب .. هي دعوة للفجور.. وإشاعة للفاحشة.. وهي نتاج طبيعي للحرب التي يشنها النظام القائم في مصر على الإسلام  والمسلمين” .

أمّا أصداء الدعوة عربياً، فقد قال الطريفي: “شَرَع الله الحجاب في كل شرائع الأنبياء، وإن اختلفت أوصافه، ولا يُنكره ويُحاربه إلا من خصومته مع المشرِّع لا مع الشريعة”.

وانتقد الدكتور حاكم المطيري السياسي الكويتي، والمفكر الإسلامي الدعوة بقوله: “مليونية خلع الحجاب تمثل خلع الانقلاب لمصرَ من عروبتها وإسلامها وهويتها”.

ومن سوريا الدكتور فيصل القاسم، نشر على صفحته: ( لو سألت علمانياً عربياً مسعوراً،
ما رأيك باللواتي يظهرن شبه عاريات، لقال، “حرية شخصية”. ولو سألته عن لابسات الحجاب، لقال، “متخلفات”. أيّها المتخلف، لماذا لا تعتبر ارتداء الحجاب حرية شخصية أيضا؟). 

البعض اعتبر الدعوة شأناً مصرياً خالصاً، واستنكر تدخل باقي الدول ومناقشة الموضوع من قبل نساء عربيات وخصوصاً في سوريا! هذا الرأي استبعد أن تكون مسألة نزع الحجاب شأناً دينياً، وحصرها في زي اجتماعي، فُرض لأسباب سياسية، تتعلّق بالوقوف بجانب الفلسطينيين بعد حادثة محمد الدرة! وهذا أغرب رأي قرأته! وشدّدت الكاتبة على أنّ الدعوة محصورة فقط بالنساء المصريات اللواتي ارتدين الحجاب تحت الضغط، والترهيب.

ما استغربته قول الكاتبة إنّ الحجاب فرض بالترهيب، بإدخال سخافات في عقول النساء، مثل “أن الله سيعلِّق غير المحجبات من شعورهن يوم القيامة!” وهذا يتعارض مع قولها إنّ الأمر “شأنٌ سياسي!”.

لماذا ابتعدنا عن القضايا الهامة والأساسية لنغرق بهذه التفاصيل؟ وهل حلّت مشاكل “زواج القاصرات” والعنف ضدّ المرأة” وقوانين الحضانة، وقانون عدم استطاعة الأم منح الجنسية لأولادها، وقبل كل ذلك.. هل توقفت الحرب، والمؤامرات الكبرى ضدّ السوريين ليغرقوا في مناقشة “مليونية خلع الحجاب”؟
بالتأكيد لست مع نظرية المؤامرة في كلّ ما نعيشه، لكنّ الأمر غريب حقّاً، ويدعو للتأمل قليلاً.. لماذا، وفي هذا التوقيت، تطغى مثل هذه القضايا الفرعية، وتغرق الناس في التناحر حولها!؟
 إنها لعبة التفاصيل – حيث يسكن الشيطان – هذه اللعبة التي تحرف قوى المجتمع عن معركتها الأساسية لا أكثر.
_____________ 
*روائية سورية

 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه