حماية النظام.. لا حماية الوطن

“السيسى” امتداد لنفس المصالح السلطوية، كما أنه أدرك مخاطر الخروج الحزبى الهيكلى عن الإطار المسموح له مثلما حدث 2011، وهو بدعوته لبرنامج موحد للأحزاب تدعمه السلطة إنما يريد درء الخطر عن النظام.

محمد منير*

 
استيقظت مصر على خبر موحد فى وسائل الإعلام الموحدة:”فى بيان رسمى حول لقاء الرئيس برؤساء الأحزاب.. السيسى يبدى استعداده دعم قائمة موحدة للأحزاب السياسية”.

يبدو أن حديث الوحدة والتوحد هو حديث سلطوى مغرٍ للجماهير وجاذب لها، ومن قبل فعلها عبد الناصر فى فلسفة تحالف قوى الشعب العاملة التى كانت لبنة التنظيم الموحد سواء كان الاتحاد القومى أو الاتحاد الاشتراكى، وهو التنظيم الواحد الذى حكم مصر عشرات السنوات باسم تحالف قوى الشعب، وهو نفس التنظيم الذى خرج من صلبه تجربة الأحزاب المصرية لتحمل فى تكوينها جينات وطبائع التنظيم الواحد أكثر من طبائع الديموقراطية والتعددية.

أراد “السيسى” فى دعوته للأحزاب السياسية أن يوحد الأحزاب المختلفة على رأى واحد، وقائمة انتخابية واحدة تجنبًا للصراع والخلاف، ووعد بدعمها كسلطة وذلك بهدف حماية الوطن من الأخطار المحدقة به.

التعددية فى مفهومها السياسى الدارج لاتنفى وجود حكومة مسئولة عن اتخاذ القرار، ولكنها فى نفس الوقت تضمن وجود مؤسسات غير حكومية لها رؤى مختلفة تؤثر وتضبط وتوازن هذه القرارات لصالح الغالبية من الشعب الذين تنتمى مصالحهم وتتباين وتعبر عنها هذه المؤسسات، ولهذا فالحكم الديموقراطى السليم هو الذى يشهد توازنا بين السلطة والمؤثرات الجماعية فى اتخاذ القرار.

لهذا فإن الخطر الحقيقى على الأوطان يكمن فى انفراد السلطة أو الحكومات المتعاقبة باتخاذ القرارات دون تأثير المؤسسات غير الحكومية المعبرة عن مصالح الفئات المختلفة.

التنظيم الواحد
والسؤال هنا: ماهى الأخطار التى دفعت “السيسى” ومن قبله “عبد الناصر” إلى اللجوء لتحالف قوى الشعب وتوحيد الخطاب التعددى إلى خطاب موحد؟.. الإجابة: نعم هناك أخطار ولكنها ليست أخطارا على الوطن وإنما أخطار على النظام الحاكم الذى يرى فى التعددية واختلاف الآراء خطراً يهدد مصالحه ورغبته الغاشمة فى الهيمنة على اتخاذ القرار والحكم بأسلوب الوكالة عن الشعب لا التعبير عنه، وهى الرغبة الكامنة لدى كل الحكام غير الديموقراطيين فى تحويل الشعوب إلى الوقوف موقف المتفرج والمشاهد لا المشارك.

فى 23 مارس 1964 صدر دستور 1964، المؤقت، ونص فى مادته الثالثة على أن “الوحدة الوطنية التى يصنعها تحالف قوى الشعب الممثلة للشعب العامل، وهى الفلاحون والعمال والجنود والمثقفون والرأسمالية الوطنية؛ هى التى تقيم الاتحاد الاشتراكى العربى ليكون السلطة الممثلة للشعب والدافعة لإمكانيات الثورة والحارسة على قيم الديمقراطية السليمة”.

ومن قبل ذلك بأكثر من عشر سنوات روج الانقلاب الثورى العسكرى سنة 1952 لفساد التجربة الحزبية فى مصر وفساد الأحزاب، ومنها انطلق لفكرة معاداة الحزبية، وفى أحد أهداف الثورة الستة أكد إقامة حياة ديمقراطية سليمة، وبالطبع كان لايمكن إقامة الديموقراطية بنفس الإطار الحزبى الذى دمغته الثورة بخاتم الفساد المبين، وكانت الديموقراطية الجديدة التى اعتمدت على الوحدة الوطنية التى يصنعها تحالف القوى الممثلة للشعب العامل فى تنظيم واحد يخضع للسلطة، وأصبحت عضوية الاتحاد الاشتراكى لازمة فيمن يرشح لمجلس الأمة ولعضوية النقابات المهنية ولمجالس إدارة التشكيلات النقابية والجمعيات التعاونية والعمد والمشايخ ومجالس الإدارة المحلية ،ومن ثم أصبح لا وجود للتوازن الذى كانت تحدثة المؤسسات غير الحكومية (الحزبية) مع السلطة.

وظل التنظيم الواحد يحكم مصر عشرات السنوات، وإن كان حدث تغير تجميلى عام 1974 فى شكله بحكم المتغيرات العالمية التى كانت تنحاز للديموقراطية وأشكالها الحزبية، عندما أعلن الرئيس أنور السادات خطة جديدة أساسها أن تصبح عضوية الاتحاد اختيارية، وأن يسمح فى الانضمام إليه بالعضوية الجماعية للنقابات، وأن يسمح بنشوء منابر سياسية متميزة بداخله تحولت فيما بعد إلى ثلاثة أحزاب أساسية: اليمين، الوسط، اليسار.

المنابر
ثم تحولت المنابر الثلاثة التى أنشأها السادات تدريجيا نحو التعددية الحزبية، وتألفت منها ثلاثة أحزاب: حزب مصر العربى الاشتراكى، الذى أسسه الرئيس السادات وترأسه رئيس وزرائه آنذاك ممدوح سالم، ليكون أول حزب ينشأ فى السلطة فى عهد الرئيس أنور السادات، وحزب الأحرار الاشتراكيين برئاسة مصطفى كامل مراد، أحد الضباط الأحرار، وحزب التجمع الوطنى التقدمى الوحدوى، برئاسة خالد محيى الدين، عضو مجلس قيادة الثورة.. وكان حزب مصر العربى الاشتراكى يمثل الحزب الحاكم بقيادة الرئيس السادات، وفى عام 1976، أعلن السادات إنشاء الحزب الوطنى الديموقراطى، الذى انضم إليه أعضاء حزب مصر العربى الاشتراكى، وأصبح هو الحزب الحاكم، وترأسه الرئيس السادات ثم الرئيس محمد حسنى مبارك.

وظلت هذه الأحزاب خارجة من رحم الاتحاد الاشتراكى حتى اضمحل فى أواخر الثمانينيات، ويبدو أن السادات لم يرد إلغاء الاتحاد الاشتراكى حتى يضمن نقل فكرة هيمنة الحزب الواحد إلى حزب السلطة وتحويل الأحزاب المحيطة إلى أحزاب هيكلية أو لجان مماثلة للجان النوعية داخل الاتحاد الاشتراكى، وبذلك يضمن النظام الحاكم وجود هيمنة الحزب الواحد فى نكهة الديموقراطية وثوب التعددية، وهذه كانت عبقرية السادات كحاكم ديكتاتور يجيد ممارسة السلطة الغاشمة بلغة العصر.

“السيسى” امتداد لنفس المصالح السلطوية، كما أنه أدرك مخاطر الخروج الحزبى الهيكلى عن الإطار المسموح له مثلما حدث 2011، وهو بدعوته لبرنامج موحد للأحزاب تدعمه السلطة إنما يريد درء الخطر عن النظام لا حماية الوطن

________________

*كاتب وصحفي مصري

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه