حماس.. حين تصطدم المبادئ بالمصالح

بشكل بدا مفاجئا وحتى صادما قررت حماس التعاون مع نظام السيسي الذي وصفها ووصفته بالإرهاب والانقلاب، وبالأحضان استقبل قائد حماس إسماعيل هنية وزير المخابرات المصرية خالد فوزي وصحبه في غزة، وأجلسه إلى جواره أمام الكاميرات مقدما من خلاله التحية لمصر (قيادة وشعبا)، وبصور السيسي وشعارات تحيا مصر ازدانت بعض الشوارع والميادين الغزاوية، وحتى إن كان رافعوها من أنصار السيسي في غزة فإن بقاءها ولو لبعض الوقت ماكان له أن يتم بدون رضا وقبول حماس.

هل خانت حماس مبادئها؟ وهل خانت جماهيرها وداعميها داخل القطاع وخارجه؟ أم هي الضرورات التي تبيح المحظورات؟، والجوع الذي يبيح أكل الميتة؟ أم هو الدهاء السياسي الذي يتقن المناورة للنجاة من خطر أكبر؟

تجرع السم

كنت وما زلت مثل كثيرين غيري نثق في حماس، وإخلاصها وتفانيها من أجل قضيتها، ولكن لا أنكر أن المشاهد الاحتفالية المبهجة بزيارة الوفد المصري، والحفاوة البالغة به – وكأن حماس حققت نصرا تاريخيا بذلك- تركت ندوبا مؤلمة، أتفهم الظروف التي دفعت حماس لتجرع السم، ولكن من يتجرع السم لا يظهر فرحا بل ألما، وأدرك أن حماس تمتلك مهارات التفاوض الجيدة ولكنها الآن بين براثن شياطين الإنس وأجهزتهم المخابراتية الإقليمية والدولية الذين يتداعون عليها كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها.

لا يمكن اتهام حماس – التي قدمت تضحيات ثمان- بخيانة قضيتها أو خيانة جماهيرها وأنصارها، وستظل هذه الجماهير الداعمة وفية لحماس طالما حافظت على مبادئها، وسيظل الجميع مراقبين لتداعيات الأوضاع لمعرفة مسارات الحركة المستقبلية، واضعين أيديهم على قلوبهم، رافعين أكفهم بالدعاء بالتوفيق للحركة ومفاوضيها.

حمرة الخجل

حماس “المضطرة” لتجرع السم لم تكن وحدها في هذه الحالة، فكل الأطراف التي شاركتها في هذا المشهد مضطرة أيضا لتجرع نصيبها من السم، ورغم أننا نلوم على حماس قبولها الحوار والانقياد لنظام السيسي فإن هذا النظام نفسه تجرع جرعة أكبر ربما من السم ليضع يده في يد حماس التي وصفها بالإرهابية، والتي يحاكم أول رئيس مدني منتخب ومعه عدد من القادة السياسيين والدعويين بتهمة التخابر معها، وياللمفارقة فقد كانت جلسة محاكمة الرئيس مرسي في هذه القضية في اليوم نفسه الذي جلس فيه رئيس المخابرات المصري خالد فوزي مع رئيس حماس إسماعيل هنية أمام الكاميرات في غزة التي كانت توصف أيضا بأنها بيت الداء ومصدر الوباء، ومأوى الإرهابيين، وكان الإعلامي إياه الذي جلس محاورا للقائد هنية في غزة هو نفسه الذي طالب السيسي من قبل بهدمها على رأس حماس وكل من فيها، لكنه نسي ما قال من قبل، فأين أنت يا حمرة الخجل؟!

سنحاول أن نلتمس العذر لحماس حتى حين، فالحصار الخانق على القطاع، وإغلاق المعابر وخاصة معبر رفح، وقطع السلطة الفلسطينية الميزانية المخصصة لغزة وقيمتها مليار ونصف المليار دولار حسبما صرح أبومازن، وانقطاع الكهرباء، وتفشي الأمراض دون وجود الحد الأدنى للعلاج، كل ذلك دفع حماس للبحث عن مخرج لإنقاذ نحو مليوني فلسطيني في القطاع، ومصر رغم بؤسها الاقتصادي إلا أنها تمسك بخناق القطاع، وبيدها فتح المعبر والسماح بحركة التجارة والبشر، وبإمكانها أيضا جلب الأموال اللازمة من السعودية والإمارات والكويت، وبإمكانها إقناع الصهاينة بوقف أي غارات على القطاع .. الخ، لكن لماذا تفعل ذلك وهي التي تعتبر حماس إرهابية بنت إرهابية؟!

لم تتدخل مصر لإتمام المصالحة حبا في حماس، ولا عطفا على أهل غزة الذين يتساقطون بسبب الحصار أكثر من تساقطهم بقذائف الصهاينة، لكنها فعلت ذلك لمصالح خاصة بنظام السيسي وكفلائه الإقليميين والدوليين، فالسيسي الذي لم يسجل أي نجاح خلال 4 سنوات  بينما يستعد لانتخابات 2018 دون رصيد يحتاج لتسجيل نجاح يقدمه لجمهوره داخل مصر ولكفلائه خارجها، وقد وجد فرصته في الملف الفلسطيني الذي خرج من يد مصر عقب الانقلاب، وقد استخدم السيسي كل أدوات الإغراء والتهديد لاستعادة هذا الملف، وتحقيق انتصار معنوي من خلال تحقيق مصالحة حمساوية فتحاوية وفقا للرؤية المصرية الإسرائيلية الأمريكية، وبذلك يحقق نصرا إضافيا بسحب الملف الفلسطيني من غريميه الشيخ تميم والرئيس أردوغان، والسيسي الذي فشل في تحقيق نصر وعد به كثيرا ضد الجماعات المسلحة في سيناء مقتنع أن حماس قد تساعده في تحقيق هذا النصر أيضا قبل انتخابات 2018، كما أن أجهزته المخابراتية تعتقد أن وجودها في غزة بشكل رسمي وواسع سيتيح لها منع تهريب السلاح والمسلحين من المنبع حسب اعتقادها، والأهم من كل ذلك أن عودة مصر لإدارة الملف الفلسطيني سيمكنها من إنجاز صفقة القرن والمقصود بها تسوية نهائية للقضية الفلسطينية تعتمد على تبادل أراضي كبيرة بين إسرائيل ومصر والسلطة الفلسطينية والأردن وفقا لما قاله الرئيس الأمريكي ترامب ووفقا للتصور الصهيوني.

اغتيال النائب العام

ما فعله النظام المصري مثل صدمة بالتأكيد للكثير من داعميه في الداخل الذين رضعوا من إعلامه كراهية حماس وقطاع غزة بل والقضية الفلسطينية برمتها، والذين نسبوا لحركة حماس كل الجرائم الإرهابية التي شهدتها مصر سواء في سيناء أو الوادي، حتى إن وزير الداخلية مجدي عبد الغفار اتهم حماس باغتيال النائب العام وتدريب كل المسلحين الذين نفذوا عمليات ضد نظامه، وليس معروفا كيف سيتصرف هؤلاء الأتباع الآن بعد أن شاهدوا السيسي يوجه كلمة دافئة لحركة حماس ولقطاع غزة، وبعد أن شاهدوا رئيس المخابرات خالد فوزي محتضنا لقائد حماس إسماعيل هنية، وبعد أن وجدوا عمرو أديب وزوجته لميس الحديدي في حوارات ودية مع هنية، ويالها من مفارقة أن يظهر لقاء هنية وفوزي على شاشة قناة لميس وفي أسفلها خبر عن تأجيل قضية التخابر مع حماس المتهم فيها الرئيس مرسي وآخرين!!!

مشوار المصالحة الفلسطينية في مستهل طريق جديد، قد ينتهي إلى تسوية دائمة ومقبولة من الجميع، وقد يتعثر كما حدث مرارا من قبل، لكن المؤكد أن السيسي سيسعى لمنع الفشل قبل يونيو/حزيران 2018 ليدخل الانتخابات بثمة نجاح “يزغلل” أعين أنصاره، ومع كل الثقة في القيادة السياسية لحماس فإن هناك قيادة عسكرية تتمثل في كتائب القسام تتابع من خلف السواتر والأكمنة ما يجري، ولديها سقف محدد للتنازلات لن تسمح بتجاوزه، وفي كل الأحوال فإن مشهد المصالحة سواء بين حماس وفتح، أو من قبلها بين حماس ونظام السيسي حافل بدروس السياسة التي لا تعرف عدوا دائما.

 

 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه