حسابات مصر الخاطئة للمعونة الأمريكية

عبد الفتاح السيسي التقى دونالد ترمب على هامش قمة الرياض

الإنسان أساس التنمية، يقوم بها وهو هدفها، عملية تغذية مستمرة، كلما ارتقت التنمية إنسانيًا، كلما ارتفعت معدلات التنمية، والعكس صحيح، فالتنمية دون احترام الإنسان وبنائه بشكل صحيح، لا تحقق الثمار المرجوة التي تبنى عليها المجتمعات.

 والحالة المصرية تسجل سابقة مشينة تاريخيًا، فمنع الحكومة الأمريكية لجزء من المعونة لمصر، وتأجيل صرف جزء أخر، بسبب عدم تقدم مصر في ملف حقوق الإنسان، كان يستدعي أن تخجل الحكومة من نفسها، وأن تجتهد في أن تبيض صفحاتها في مجال حقوق الإنسان، لا أن تعترض وزارة الخارجية المصرية على القرار الأمريكي، وتصرح بأن المعونة تحقق المصالح المشتركة بين البلدين، وكأن الإنسان المصري المهضومة حقوقه لا يمثل شيئا من المصلحة بالنسبة لحكومة الانقلاب العسكري.

ولا ندري ما هي مصلحة مصر في أن تنشيء أكثر من 17 سجنًا خلال أربع سنوات مضت، هي عمر الانقلاب العسكري، تضم هذه السجون بين جنابتها خيرة شباب مصر، ممن قاوموا الانقلاب العسكري، واشتاقوا للحرية، وأن تبقى ثورتهم التي خرجوا فيها في 25 يناير 2011، من أجل العيش والحرية والعدالة الإجتماعية والكرامة الإنسانية. 

ما هي مصلحة مصر، في أن ترسخ صورتها الذهنية السلبية لدى الأجانب، في ملف حقوق الإنسان تجاه مواطنيها. “عذبوه كما لو كان مصريًا” تعبير لأم إيطالية فقدت ابنها، الذي عذبته السلطات الأمنية في مصر، ولا يزال ملفه يمثل أحد مشكلات العلاقات المصرية الإيطالية.  

  • رهان خاطئ

منذ منتصف سبعينيات القرن العشرين والحكومات المصرية المتعاقبة تحصل على المعونة الأمريكية، والتي يقدرها البعض منذ ذلك التاريخ وحتى الآن بنحو 60 مليار دولار، ومع ذلك لم تغير المعونة الأمريكية من واقع مصر الاقتصادي والاجتماعي، حيث ظلت مصر دولة نامية، يزيد اعتمادها على الخارج عامًا بعد عام، يتراجع إنتاجها السلعي على الصعيدين الزراعي والصناعي.

لقد راهنت حكومات مصر المتعاقبة منذ منتصف السبعينيات على المعونة الأمريكية، وقدمت نظير ذلك العديد من التنازلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فتحت مظلة المعونة أصبحت كافة مكونات المجتمع المصري متوفرة لدى أجهزة المخابرات الأمريكية، بدءًا من أعداد تلاميد المدارس والروضات إلى تسليح الجيش وعدد أفراده.

لم تراهن حكومات مصر على الإنسان المصري ليكون عدتها في بناء نهضتها، وتحقيق حلمها في التنمية، لازال المجتمع المصري يعاني من ارتفاع نسبة الأمية بين أفراده بحوالي 30%، ويستورد 60% من احتياجاته من الغذاء، ولا ينتج سلاحه، ولا دواءه، وتراجعت مصر كثيرًا في مجالات التعليم والصحة.

سجل تعذيب الإنسان في مصر ممتدة صفحاته عبر عقود، وعملت الأجهزة المصرية في إطار ما عرف في التعذيب بالوكالة، حيث تم تعذيب أفراد مصريين وعرب لمصلحة أجهزة الأمن الأمريكية والغربية، خلال تسعينيات القرن الماضي، كما أن سجل مصر الآن في مجال حقوق الإنسان فاق التصور في التجاوزات، من التصفيات الجسدية دون محاكمات، وفي الاختفاء القسري، وفي ارتفاع أعداد المعتقلين وسوء معاملتهم، وفي المحاكمات الصورية التي يغلب عليها الطابع السياسي أكثر منه اعتبارات العدالة.

  • الأمن صنو التنمية

عرفت الأدبيات العربية والإسلامية المبدأ القرآني الذي قرن بين الأمن والتنمية مصداقًا لقوله تعالي “الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف) فالإنسان الخائف لا ينتج، ولا يبدع، كما أن الإنسان الجائع لا يقوى على القيام بمتطلبات النشاط الاقتصادي، وإذا كانت مصر لديها سجل غير مشرف في حقوق الإنسان على الصعيد السياسي والأمني، فإن لديها كذلك سجلًا لا يقل سوءًا في الفقر، الذي يشمل 50% من السكان وفق مؤشر الفقر بمعدل إنفاق 2.5 دولار في اليوم، ويقبع نحو 8% من سكان مصر تحت مؤشر الفقر متعدد الأبعاد، أي الأفراد الذي يعانون من فقر الدخل والحرمان من أبسط مستويات التعليم والخدمات الصحية.

ففي ظل الأمن يستطيع الإنسان ان يحاسب حكومته، وأن يقوم بواجباته، وفي ظل الأمن يتحدث الناس عن عدالة الثروة، وحق الجميع في ثروات المجتمع، ويناهض الأفراد الطبقية والطائفية والفساد، وفي ظل الدكتاتورية عرفت مصر وصول المديونية العامة لنحو 130% من الناتج المحلي الإجمالي.

لعل إضراب عمال المحلة الذي تم فضه تحت بطش عصا الأمن، خير دليل على غياب حقوق الإنسان، فالحق في الإضراب عن العمل لأسباب مشروعه أقرته الاتفاقيات الدولية، ويقره دستور الانقلاب العسكري، ولكن بعد أسبوعين من صمود العمال تمت محاصرة مجمع المصانع بالمحلة بقوات الأمن، وتحولت المدينة لثكنة عسكرية.

لم تكن مطالب العمال سوى رفع بدل الوجبة من 220 جنيه إلى 400 جنيه في الشهر، والحصول على حقهم في الحوافز نظير ما يقومون به من أعمال، وأن تكون علاوتهم السنوية 10% من رواتبهم، على الرغم من أن الحكومة تعلن أن معدل التضخم 34.2%.

إن الحكومة التي تحرص على معونة قدرها  مليار و250 مليون دولار، منها مليار دولار معونة عسكرية، لا يمكن أن تحقق تنمية، وهي تهمل مطالب العمال في حقهم في الحصول على ثمن وجبة اثناء يوم العمل.

لقد لوحت الحكومة الأمريكية غير مرة بورقة إلغاء المعونة الأمريكية، ولكن حكومات العسكر، كانت دومًا تحرص على ألا تحرم من أن تكون يدها السفلى. لم تخطط حكومات مصر على مدار عقود للتخلص من الاعتماد على المعونات أيًا كانت، وستظل مصر كذلك طالما غابت عنها ثقافة وسلوك احترام حقوق الإنسان.   

 

 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه