حرب الأفيون في تونس

لقد عالجت الحكومة كل مشاكل البلد لكنها قبل أن ترتاح قررت أن تخوض معركة أخيرة. أن تضع الأفيون في متناول الشباب. فليس من المنطقي أن لا يتمتع الشعب المرفه ببعض “النغنشة

يوجد لدى الحكومة عدد كبير من الطبالين والراقصات ويلزمها بعض الجمهور السعيد لتكتمل الحفلة فتنسى أن مليون عاطل يقفون عند الباب و/أو يتقافزون إلى قوارب الموت في البحر هربا من الموت على اليابسة. الحكومة سعيدة بالشعب العظيم. إنه ينصرف عنها إلى الحشيشة. “ماريجوانا” السعادة للشعب السعيد في ظل الحكومة العطوفة. حكومة تحب شعبها كما أحب الانجليز الصينيين ذات يوم فنشروا بينهم الأفيون فناموا .عن حكومة تونس ورئيسها اتحدث.

الوقت كاف لنتدبر بديلا للرئيس نصف الحي. لنشغل الناس أولا بالحشيشة فنسقط العقاب عن المستهلكين ثم نخلق معارك بين المزوّدين ثم آه فرصة جيدة أيضا للشرطة الحاذقة أن تبيع بولها للممسوكين في تلبس كي يكون تحليل الإثبات سلبيا. إنه تقليد عبقري تفتقت عنه عبقرية الرئيس الشرطي السابق. الحكومة بخير والشرطة تبيع بولها والقاضي يكتفي بالتقرير المكتوب ونحن نختار الرئيس القادم بهدوء.

يقول رجال الظل خلف الحكومة شعب غبي يمكن استثارته بكذبة لكن من الأفضل أن يكون مسطولا. هذا أضمن لسير المشاريع التنموية ببيع الحشيشة وتخفيض أرقام البطالة في الإحصاء الرسمي.

الحفرة أمام المشفى

في ما كنا نروي من نكت عن زعيم غبي بجوارنا أن مخبريه أعلموه بوجود حفرة عميقة في طريق تسبب حوادث سير قاتلة فأمر بوضع سيارة إسعاف قرب الحفرة لتخفيف الأضرار لكن الحوادث زادت فأعلِم فأمَر ببناء مشفى قرب الحفرة لكن عبقريته لم تصل أبدا إلى الأمر بردم الحفرة أولا. تتحجج الحكومة السعيدة بأن سبب مقترح إسقاط العقوبة عن المستهلكين ناتج عن فساد الحياة السجنية في تونس فالطفل الغر ابن الأكابر يدخل بجنحة ويخرج مجرما. لكن عوض وضع أسس تربية سجنية مختلفة واصلاحية قررنا نحن الحكومة الذكية اسقاط العقوبة عن الاستهلاك فلا يجرم. الحل الأفسد لفساد يستشري.

فئة المستهلكين متنوعة يمكن تقسيمها إلى فئتين:

الفئة الأولى فئة المرفهين يستهلكون من ملل وقرف من حياة بلا شغف أو من أجل اتباع موضة سائدة في مقاهي العاصمة تملك من الوقت والمال وقوة الاحتجاج ما يسمح لها  بمتعة حلال تريح الأسر من كلفة المحامين ومن أجلها يعدل القانون.

الفئة الثانية هي فئة المقهورين الذين يستهلكون لينسوا قهرهم. هذه الفئة لم تطلب أكثر من عمل يدمجها في الجماعة الاجتماعية فتخرج من القهر إلى المشاركة لكن عوض التفكير في تشغيلها تسقط عنها الحكومة جريمة الاستهلاك وتتركها فريسة للمروجين في بلد لا ينتج مخدراته بل يهربها إليه المهربون. المسك والترويج مجرم بعد لكن الاستهلاك حلال.

ذات يوم كانت ثورة المقهورين تثلم جدار القهر لتبني دولة جديدة بمواطن سليم العقل والبدن. قررت الحكومة أن لا فالقهر ليس حادا بما يكفي لكي نعالجه. إذن لنصرف النظر إلى التسالي. سيدخنون الكيف حتى ينسوا. مشفى قرب الحفرة عوض ردم الحفرة وتعبيد الطريق.

أفيون مفيد للسياسة.

“الخوانجية” هنا ويصمدون. وحزبهم قوي بما يكفي ليربح في أول موعد انتخابي لم تفلح الماكنية القديمة في إثبات جرم السرقة عليهم يوم حكموا. “الرغي” الإعلامي حول إسلاميين فسدة لم يصل إلى المحكمة. لا ملفات عليهم. لذلك يتقدمون واثقين نحو الانتخابات والناس أو بعضهم يراهم قوما صالحين بعد. لنجرّهم إذن إلى حيث يفقدون صلاحهم ويسقطون في تشريع الرذيلة. لقد قبلوا بوجود المواخير القانونية وسكتوا عن صناعة الخمور وترويجها لقد كيفوا الأمر على أنه من الحريات وربحوا وساما ديمقراطيا في الخارج ولدى فئة الهامشيين الذين يبسلمون قبل شرب الكأس الأولى. بقى لدينا إباحة المخدرات لنضع كتلتهم النيابية أمام حرج أشد. أن يقبلوا بعدم تجريم استهلاك المخدرات. النص الآن بين أيديهم إن وافقوا شنّعنا عليهم وعلى نفاقهم وتدينهم المزيف. وإن رفضوا حرّضنا عليهم فئة الشباب المتلهف على إباحة المخدرات وكشفنا للخارج المتواطئ معهم أنهم إرهابيون غير ديمقراطيين.

أفيون مفيد في السياسة ينتجه عقل كيدي جبار وفي كل فائدة. لنستنزف التوافق القائم حتى العظم ومادام الشعب وخاصة شعب الفيسبوك العظيم قابلا للانشغال بهذه المعارك فنزد فيها حتى يستنفد التبريريون تبريراتهم. لقد ورطناهم في فصل الدعوي عن السياسي فتمتعوا وانتشوا بوصف المسلم الديمقراطي. آه هذا المسلم الجديد لا يرفض إباحة المخدرات. “خوانجية” بلا دين شعار جيد للانتخابات القادمة.

هناك مشكل في التاريخ يجب أن نصرف عنه الأنظار. الزعيم المؤسس صاحب التمثال الذي أعدنا نصبه في ساحة الثورة تحديا قال ذات يوم لا يمكن بناء دولة بشعب مخدر. وقال أن الاستعمار أخضع الناس بالمخدرات أكثر مما فعل بالعصا. نحن أبناء الزعيم التاريخي المؤسس حبيب الأمة لكن ذلك كان في زمن البناء وكان الزعيم تحت تأثير دعاية صينية ضد حرب الأفيون. ونحن الآن في زمن الزينة. والشعب يحب اللعب فلنعطه ما يريد. المهم أن نغلق هذا القوس المشؤوم الذي اسمه الثورة. لا شيء من أفضل من شعب مسطول يحلم بالتغيير جالسا في مقاهي النخبة.

هي إذن معركة مفتوحة لإغلاق قوس الثورة. الثورة جريمة وعلاجها بالمخدرات ليكن اليوم ماريجوانا وغدا أمر. هذه حفرة جديدة لا فائدة في تعبيد طريق التوافق على المشترك الوطني الأدنى ودفع مشروع الثورة إلى المستقبل لننهي الكابوس ونسترجع سلطتنا القديمة فنحن ملاك البلد الحقيقيين وأولادنا لا يقعون في المحذور. إنهم طلاب في جامعات راقية خلف البحار.

خاتمة حزينة لثورة لم ترفع السلاح.

قالت القبرة للصياد لا تظنن مالا يكون أنه يكون. التغيير السلمي أنشودة مدرسية لا تغير الواقع. الجميع الآن عاجز عن العودة إلى الشارع. لقد وهن العزم منهم ويمكن وضع بردعة الحمار على ظهر أجمل خيولهم. لقد أفسدنا حفلتهم بالعبث بشهدائهم. فميزنا منهم من نريد فقبلوا ثم فرضنا أولوياتنا بإنقاذ أموالنا في السياحة والمقاولات وعجزنا ويا لعجزنا الجميل أمام بارونات الفساد (نعني بهم أصدقاءنا من أصحاب التدبير والاجتهاد في الاجراءات بما يلائم المصلحة). لنواصل تخويفهم بالحالة السورية والليبية.(انظروا فعل همج السلاح بأوطانهم) شبابنا الطيب يخاف من صوت الرصاص. إنهم سلميون ويكرهون الإرهاب. واصلوا حتى نشرع لكم المخدرات ثم زواج المثليين ثم لن يعجزنا العثور على رذيلة أخرى تفكك أوصالكم. هكذا تسير الدولة عائدة إلى أصحابها نحن الملاك الشرعيون. وشرطتنا ستشارك في الانتخابات فيكون لها صوت مرجح.

منظومة ذكية تعرف من أين تؤكل الكتف أمام ثوار أطفال يؤمنون بقصائد درويش الثورية تحمل باقات الياسمين إلى قبور الشهداء. وأمام أحزاب شكلنا أغلبها من بوليسنا السري القديم الذي تعلم الجمل الثورية بسرعة. يقول رجال الظل خلف الحكومة الذكية يمكننا مد أرجلنا في المجلس هؤلاء الثوار لا يخيفون أحدا. لنفكر الآن بروية في الرئيس القادم وليكن مشروعه تنظيم زراعة الحشيش قطعا لدابر تهريب الحشيشة حماية للمنتجين الوطنيين وسيكون النقاش السياسي القادم حول معضلة تصنيف المنتجين ضمن الصناعيين أم ضمن الفلاحين. وهو نقاش عميق يليق بشباب خاض حرب الأفيون وانتصر بإباحته.

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه