حديث المهزلة في الصحافة الألمانية!

ثمة فضيحة في دهاليز السياسية الألمانية تتعلق بأمر الاعتقال، فمنذ أن تم إيقاف المذيع المخضرم (أحمد منصور) السبت الماضي، تساءل الجميع عن أسباب ذلك، خاصة وأنه سبق له زيارة ألمانيا من قبل.

صلاح سليمان*

شكل احتجاز الصحفي أحمد منصور مقدم البرامج في شبكة الجزيرة في ألمانيا،  فضيحة مدوية،  لفتت الانتباه إلى أن هناك محاولات مضنية، ما زالت تحاك ضد الصحفيين المعارضين لأنظمة الحكم المستبد ومطاردتهم عبر الحدود للإيقاع بهم وإسكات أصواتهم للأبد،  لكن الأحرار،  والمهتمين بقضايا الدفاع عن الحريات، وأصحاب الرأي الحر،  فطنوا إلى الفخ الذي نصب لأحمد منصور في مطار “تيجل” في برلين،  فجاءت ردة فعلهم قوية،  منددة بقرار الاعتقال،  ووقفت الصحافة الألمانية والأحزاب السياسية موقفا ثابتا مندداً بقرار الاحتجاز، ومتسائلاً عن دوافعه، وملابساته، وهل هناك علاقة أو اتفاق أمني سري بين الجانب المصري والألماني تم بموجبه توقيف منصور؟!

ثمة أزمة في دهاليز السياسية الألمانية تتعلق بأمر الاعتقال،  فمنذ أن تم إيقاف المذيع المخضرم في يوم السبت الماضي، تساءل الجميع عن أسباب ذلك، خاصة وأنه سبق له زيارة ألمانيا من قبل،  وكان في ميونيخ قبل أن يتجه إلى برلين، فلماذا لم يتم إيقافه ؟، وما هو الجديد هذه المرة؟.

من جهتها كشفت مجلة “دير شبيغل” علي موقعها الإلكتروني مساء واقعة الاحتجاز، أن هناك مذكرة مصرية رفعها الجانب المصري إلى وزارة الخارجية الألمانية تعرض التهم الموجهة إلى منصور والحكم الصادر بحقه غيابياً في سنة 2014 بالسجن لمدة 15 عاما في تهمة المشاركة في تعذيب محامي في القاهرة عام 2011 وتطالب السلطات الألمانية بتوقيفه وترحيله إلى مصر.

 لم يكن هناك أدني شك في أن أمر التوقيف مشكوك في صحته، فألمانيا لن ترحل مطلوباً سياسياً إلى أي دولة تطبق عقوبة الإعدام،  كما أن القضاء الألماني ليس مسيساً، ويستطيع الفصل بين ماهو جنائي وماهو سياسي،  لكن سوء الحظ صادف أن أمر التوقيف توافق مع أيام عطلة نهاية الأسبوع، حيث تعطل فيها جميع المصالح في ألمانيا، لهذا تم نقل أحمد منصور إلى سجن “موبيت” في برلين حتي يتم عرضه علي النائب العام صباح الاثنين، لأنه السلطة الوحيدة التي بيدها قرار مد احتجازه  أو إطلاق سراحه.

وجاء قرار النائب العام كما توقع الجميع هنا في ألمانيا بإطلاق سراح منصور دون توجيه أي اتهام له، ومن ثم إهمال مذكرة وزارة العدل المصرية التي طالبت بترحيله إلى مصر،  لكن الصحافة الألمانية لم تهمل الأمر، وعاودت الكره مرة أخرى في الهجوم مجدداً علي الحكومة الألمانية في أمر يختص بالشأن المصري في فترة أقل من أسبوعين.

وأبرز ما أجمعت عليه الصحافة الألمانية كان سؤلاً محدداً لماذا صدر قرار الإيقاف رغم سقوط طلب الإنتربول بحق الملاحقة؟. وهل وراء ذلك  مصالح ألمانية أو صعوبة في التوفيق بين سياسة المصالح وسياسة القيم الأخلاقية الألمانية وفق ماجاء في تقرير عن القضية لصحيفة “فرانكفورتر روندشاو”.

هجوم الصحافة الحاد
أمام هجوم الصحافة الحاد أصدرت المباحث الفيدرالية الألمانية بياناً ذكرت فيه أن الحكومة المصرية قدمت مذكرة في نوفمبر من العام الماضي تم إرفاقها بمذكرة الانتربول التي تتحفظ علي أمر الملاحقة، وأرسلت إلى وزارة الخارجية والعدل الألمانية لاستطلاع رأيهما،  فأفادتا بأنه لاتوجد تحفظات دولية بشأن قرار التوقيف،  لذلك تم إدراجه علي قوائم التحفظ  وقامت سلطات الأمن في المطار بإيقافه.

بعد أن راجع النائب العام دوافع الاعتقال وصحتها، وهل الاعتقال سياسي أم جنائي، تأكدت شكوكه أن قرار التوقيف يهدف إلى تسليم منصور إلى السلطات المصرية علي خلفية قضايا سياسية فاصدر أمره علي الفور بإطلاق سراحه. 

في الوقت الذي كانت تهلل فيه الصحافة المصرية لأنباء الاعتقال، كانت الصحافة الألمانية توجه النقد الحاد إلى الحكومة الألمانية، وتتساءل عما إذا كانت هناك صفقات سرية أبرمت ما بين الحكومة المصرية والألمانية أثناء زيارة الرئيس المصري إلى برلين مطلع هذا الشهر تتعلق بتسليم المعارضين؟!

لقد ذكر أحد المذيعين المصرين أن الشخص الذي رفع إلى الألمان مذكرة توقيف منصور هو قانوني محترف يعرف كيف يعد أوراقه!، وفي بوابة الشروق كتبت عنواناً يقول” وفق مصادر أمنية : السلطات المصرية تتسلم أحمد منصور خلال ساعات”،  أما اليوم السابع فكتبت “ألمانيا تعرض علي أحمد منصور العمل ً علي داعش مقابل إطلاق سراحه”!!،  وأجمعت الصحف المصرية علي أن منصور سيتم تسليمه إلى الجانب المصري في غضون ساعات قليلة.

الإعلام المصري ونسج الخيال
ومرة أخرى يواجه الإعلام المصري في هذه القضية سقوطاً مهنياً أخلاقياً في عدم اهتمامه بتحري الحقيقة، واحترام عقول مشاهديه وإصراره علي صياغة أخبار من نسج الخيال .

من جهتها اهتمت الصحافة الألمانية بالقضية وما زالت،  فقد وصفت مجلة “شتيرن” احتجاز منصور بالمهزلة،  وطالب رئيس رابطة الصحفيين الألمان “ميشائيل كونكن” السلطات القضائية في برلين والحكومة الألمانية بسرعة توضيح الأساس الذي تم بناء عليه توقيف أحمد منصور،  ووصفت صحيفة “شتوتغارتر تسايتونغ”  الاعتقال بأنه ضربة للديمقراطية،  وتساءلت عن علاقة ذلك بصفقة شركة سيمنز مع الجانب المصري.

أما صحيفة تاجس تسايتونغ البرلينية فقد وصفت أمر الاحتجاز بالعنصري المقزز،  وقالت “فراتسيسكا برانتنر” من حزب الخضر وهي من أبرز السياسيين الألمان،  أنه من غير المسموح للقضاء في ألمانيا تحت أي ظرف من الظروف أن يجعل من نفسه مساعدا لتحقيق رغبات نظام قمعي، وحذرت القضاء الألماني من الوقوع في الشبهات، وطالب متحدث باسم الحزب الاشتراكي الألماني توضيح أسباب اعتقال صحفي الجزيرة، وطالب ألا تتحول ألمانيا إلى أداة تنفذ ما تريده وزارة العدل المصرية.

أما “غيدو شتاينبرغ” المتخصص في شؤون الجماعات الإسلامية والذي كان أحمد منصور قد أجري حوارا معه في برلين قبل اعتقاله فقد وصف أمر الاعتقال “بالفضيحة”،  كما قال “جيم اوزدينير” رئيس حزب الخضر الألماني:” يجب علي ألمانيا ألا تكون أداة في يد السيسي”.

من ناحية أخرى سلطت القضية الضوء علي حقوق الصحفيين في مصر،  والضغوط التي يتعرضون لها من قبل السلطات المصرية،  ففي أبريل من هذا العام تم الحكم علي 3 صحفيين من شبكة رصد بالسجن المؤبد. ووفق منظمة العفو الدولية فإن هناك ثمانية عشر صحفياً معتقلاً في مصر في الوقت الحالي .
رب ضارة نافعة.

___________________

*كاتب مصري مقيم في ألمانيا 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه