حدوتة طال عمره!

 

ماذا يريد تركي آل الشيخ من مصر؟

سؤال تبدو الإجابة عليه بديهية ولا تحتاج إلى اجتهاد أو تخمين، فالرجل يريد استثمار أمواله بمصر، وقدم ما يثبت ذلك بشراء ناد وإنشاء قناة فضائية، كليهما – النادي والقناة – يحمل الاسم نفسه (بيراميدز).

كان من الممكن أن نتفهم الأمر على صورته البريئة، ونذهب مع من ذهبوا إلى أن الهدف محض استثمار يمكن أن يتطلع إليه أي رجل أعمال أخر، لكن المدقق في المشهد والمتابع لظاهرة تركي آل الشيخ يرى غير ذلك. فمن المعلوم بالضرورة أن مصر تعيش حاليا ظروفا اقتصادية هي الأسوأ في تاريخها، ظروفا تجعل من فكرة الاستثمار بها أشبه بعملية انتحار، تلك الظروف التي جعلت عشرات وربما مئات المستثمرين يقومون بتصفية أعمالهم ويهربون من مصر، وهي أيضا التي تسببت في إغلاق الآلاف من المصانع وتسريح الملايين من العمال!

ملياران

والأموال التي أنفقها تركي آل الشيخ حتى هذه اللحظة والتي تلامس  ملياري جنيه في أقل التقديرات تزيد من وهج سؤالنا، لأنها أموال تكفي وتزيد للاستثمار في أفضل وأرقى الدول الأوربية، بل وفي النشاط نفسه الذي اختاره آل الشيخ لنفسه وهو كرة القدم، ذلك إذا ما علمنا أن أندية أوربية كبيرة وشهيرة تم بيعها بمبالغ تقل كثيرا جدا عن المبالغ التي دفعها تركي في ناد مغمور هو الأسيوطي، الذي غير اسمه إلى بيراميدز، من هذه الأندية مثلا هال سيتي الإنجليزي الذي أشتراه رجل أعمال مصري- بريطاني بعشرة ملايين جنيه استرليني أي ما يوازي 234 مليون جنيه مصري تقريبا، ونادي مالقا الإسباني الذي اشتراه القطري الشيخ عبدالله بن ناصر آل ثاني مقابل 25 مليون يورو أي ما يوازي 522 مليون جنيه مصري، وغيرهما من الأندية الأوربية العديدة المملوكة لرجال أعمال عرب..

 وبصرف النظر عن الفوارق الهائلة في السعر بين قيمة أندية أوربية شهيرة ونادي الأسيوطي، فإن توافر البيئة المناسبة للاستثمار هو المطلب الأهم والأسمى عند أي رجل أعمال، والمؤكد أنه لا وجه للمقارنة بين البيئة الاستثمارية في أوربا عنها في مصر، يكفي أن الأخيرة لاتزال تطبق نظاما حكوميا بيروقراطيا يتطلب من صاحب المشروع- أي مشروع- أن يدفع ما يوازي رأس المال وأكثر رشاوي وإكراميات لتسيير شؤونه ومصالحه، وهو أمر يدركه تركي جيدا لما له من خبرة في التعامل مع المصريين، فما هو السر؟

هدف تركي

ما يزيد التساؤلات والوساوس حول هدف تركي هو حرصه المستمر على تدعيم الأندية المختلفة التي من المفترض أنها تنافس ناديه، فقد دعم الأهلي بمبالغ تزيد على أربعمئة مليون جنيه، ودعم الزمالك بما يقارب مئتي مليون، هذا بخلاف دعمه للاتحاد السكندري والسكة الحديد، وتدعيم هذه الأندية كفيل بنسف فكرة الاستثمار من الأساس، لأنه لا يوجد على وجه الأرض حتى يومنا هذا من يملك مشروعا يفترض أنه يهدف للربح ثم يمول منافسيه ليخسر، فما الحدودتة؟

الحقيقة أن تركي آل الشيخ، أو طال عمره كما نادته جماهير الأهلي في هتافاتها الأخيرة، لم يبح بكل أسراره حتى الآن، صحيح أن تصرفاته وأفعاله تقول إنه يقوم بدور محدد متفق عليه بين النظامين المصري والسعودي؛ لأنه، وكما هو معروف، لا يخطو خطوة إلا بتوجيه من محمد بن سلمان ولي العهد السعودي، كما أنه في مصر مسنود من السيسي شخصيا، وهو أمر يجعلنا نذهب إلى أن الهدف ليس مجرد ناد ومباراة وهدف ضائع أو محتسب، وإنما الهدف هو خدمة يقدمها تركي لخدمة نظام السيسي الذي دفعت فيه السعودية دم قلبها من أجل الحفاظ على استمراره، وأكبر خدمة يمكن أن يقدمها تركي للسيسي هي شغل المصريين بأمور تافهة تبعدهم عن التفكير في ضغوط السياسات الاقتصادية الراهنة التى حطمت الضلوع وسحقت العظام، جائز!

هدف آخر

وربما يكون الهدف هو ما ذهب إليه بعض محبي النادي الأهلي بأن تركي جاء من أجل هدم شعبية ناديهم وتحطيم مكانته، سواء بالإساءة إلى رموزه، مثلما فعل مع محمود الخطيب رئيس النادي عندما اتهمه في ذمته المالية، أو بالسعي لإيقاف مسيرة النادي، مرة بالمنافسة عبر ناديه الجديد، وأخرى بتقوية منافسه التاريخي “الزمالك”، ربما!

وهناك افتراض آخر ، هو أن السعودية تتطلع إلى فرض هيمنتها على المؤسسات الرياضية الكبرى في مصر، بما يمكنها من السيطرة على جماهيرها العريضة وتوجيهها إلى القبول بالقرارات المصيرية التي يمكن أن يتخذها السيسي لمصلحتها، مثل قراره التاريخي بالتنازل عن جزيرتي تيران وصنابير، وقد اختارت تركي آل الشيخ للقيام بتلك المهمة. سنرى!

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه