حجارة الطغاة الجدد

ابتسام تريسي*

“الحمد لله، أشعر الآن أنّي مرتاح الضمير باشتراكي في تنفيذ شرع الله”
هذا ما قاله رئيس شرطة سوريا الحرة “أبو حياة” بعد تنفيذ حكم الرجم بفتاتين من مدينة سراقب في ريف محافظة إدلب! نعم، يشعر أبو حياة براحة ضمير، ولم لا وهو الجاهل بأحكام الفقه وأحكام القانون وربما كان من الغائصين في الجهل ممن ضلً سعيهم ” وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا “

أبو حياة لا يعرف أن حكم الرجم غير موجود في القرآن الكريم، وبكل تأكيد لم يطلع على مجمل الخلافات الفقهية حول هذه المسألة ولا يعرف الشروط التي يجب توافرها لإقامة مثل هذا الحد. هل ساهم رئيس شرطة سوريا الحرة في عملية الرجم إرضاء للفصيل المهيمن على منطقته؟ أم أنه أرضى غروره كونه على رأس السلطة التنفيذية في هذه المنطقة، معتبراً أن محكمتها الشرعية هي السلطة التشريعية؟ .
لم يدر في خلد أبو حياة أن يتساءل عن عدد الحالات التي أقيم فيها هذا الحد عبر التاريخ كله وربما لا يعرف مطلقاً أن هذه العقوبة بعد أن اختفت لقرون عديد عادت للظهور في أواخر القرن العشرين وبداية الألفية الثالثة، وقد تزامنت عودتها مع التحولات السياسية الكبيرة التي حصلت في العقود الأخيرة، والتي ساهمت بتحولات جذرية في البنية الثقافية للمجتمعات المعاصرة ، بداية في إيران مع بداية ثورتها المسماة إسلامية.. وثانية مع احتلال أفغانستان وظهور طالبان، ثم مع دخول القاعدة إلى العراق. وأخيراً مع ظهور التيارات الإسلامية في الحرب الدائرة في سوريا.
هذه الانتكاسة أو الردة أو العودة لتطبيق هذا الحد.. جعلت نون النسوة هوة تتساقط فيها حجارة الطغاة الجدد، الذين يرفعون شعارات إسلامية منتقاة بعناية، كي تخدم أجندتهم الخاصة فقط، بغض النظر إن كانت تمت إلى الإسلام بصلة أو لا.
وقد بدأ التعبير عن رفض هذا الحد الدخيل على الدين الإسلامي، عن طريق دحض العلماء لحجج السابقين، والكتابة عنه، وتحويله إلى قضية، فجّرها في إيران فيلم “حادثة رجم ثريا” الذي أثبت أنّ حكم الرجم يتم غالباً في حق امرأة بريئة، تكالب عليها مجموعة من الذكور، وأرادوا الانتقام منها بتلفيق حادثة الزنا، وتمّ ذلك عن طريق شيخ الدين في القرية!
في عصرنا هذا تضاربت الآراء حول صحة حكم الرجم، فمؤيدو فكر القاعدة يؤكدونه بأكثر من حادثة خاصة حادثة المرأة الغامدية التي أولاها صحيح مسلم اهتماماً خاصاً في حين تغافل عنها صحيح البخاري. في حين نجد أن الشيخ “الشعراوي” أصرّ في أحاديثه المتلفزة على أنّ حكم الرجم ليس حكماً إسلامياً، وإنّما حكم يهودي ومسيحي، نسخه القرآن بحكم الجلد، وذلك بعد حادثة رجم الرسول “ص” ليهوديين في المدينة المنورة منفذاً فيهما ما ورد في توراتهما من حكم. وقد اتفق الشعراوي في فتواه هذه مع علماء المعتزلة الذين أصروا على عدم صحة حكم الرجم، وتشبثوا بما جاء في القرآن من حكم الجلد.
المشكلة إذن في ذهن من يظنّون أنفسهم خلفاء الله على الأرض، ومطبقي شريعته، وحاملي عصا الإرهاب والترهيب، لسوق قطيع الغنم “الشعب” الذي لا حول له ولا قوة في ظل سيطرة السلاح والحرب.
المشكلة الحقيقية في رجم الفتاتين في مدينة سراقب، أنّ الذين يطبّقون “شرع الله” لا يفقهون شيئاً من شرعه، ولم يأتوا بأربعة شهود على فعل الزنا! وكذلك لم يفتحوا تحقيقاً موضوعياً في الحادثة، إنّما اكتفوا بالوشاية، متبعين بذلك نهج مخابرات بشّار الكيماوي. فتنفيذ العقوبة على هذه الصورة التي تتم ليست إلا وسيلة رخيصة تتبعها بعض الفصائل الإسلامية كي تبرهن لهم أنها تسير على هدي السلف الصالح وأنها لاتخاف في الله لومة لائم وبذلك تكون قد ضمنت استمرارية الحاضنة الشعبية ودعمها في الوقت ذاته تبث الرعب في قلوب مناوئيها أو المعارضين لها ، فتضمن سكوتهم وصمتهم.
أما البعد التراجيدي في قصة رجم الفتاتين فيتمثل في تكشف الحقيقة بعد دفنهما، إذ تكتشف المحكمة أنّ المسألة كانت مجرد وشاية من حاقد، وأنّها أخطأت بحكم الرجم.. وبناء عليه قرّر أعضاء المحكمة أن يصوموا شهرين تكفيراً عن الخطأ ـ غير المقصود ـ فهل بعد ذلك سيبقى ضمير رئيس شرطة سوريا الحرة مرتاحاً؟ هل سينام “أبو حياة” قرير العين، مطمئناً على “حياة” بناته المصونات.. بعد أن يصوم شهرين استغفاراً لذنبه! أما كان الأولى بهم أن يعيدوا للفتاتين حياتهما طالما أنهم وكلاء الله على الأرض ولهم عليه دالة! لكنه العبث وحده ما أملى عليهم هذه الكفارة.
يذكر أن الطغاة الجدد، حجارة الشطرنج التي تحرّكها أيدي لاعبين دوليين بالدعم اللوجستي. هؤلاء ابتكروا صورة جديدة لحكم الزنا، فقد قاموا بقتل امرأة في الساحة العامة بمدينة “معرة مصرين” رمياً بالرصاص بدلاً من الرجم بالحجارة لاقترافها الفاحشة! اللافت في الأمر ـ كما في كل الفيديوهات المبثوثة على اليوتيوب ـ التي ظهر فيها تطبيق هذا الحد أن الزاني غائب ، وذلك منذ أول حادثة رجم في العصر الحديث ـ حادثة رجم ثريا. في إيران إلى حادثة رجم المرأة في معرة مصرين في الشمال السوري، فهل أعفى الطغاة الجدد الرجل من هذا الحد؟ أم أن الرجل في هذه الحالة ينتمي إلى العصابة ذاتها؟ الاحتمال الأكبر في الأمر أن يكون الرجل ( الزاني ) الغائب، هو ذاته الرجل المشارك في الرجم هنا فقط يحضر بعد أن يغتسل من جنابته ويرتدي ثوبه القصير ويضع قبعته الأفغانية ويمشط لحيته ثم يبتسم ابتسامته الصفراء ويضغط على الزناد.

__________________

* روائية من سوريا

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه