جَدِّد حياتك

 

هذا كتاب يعد من أهم الكتب التي ألفت في العصر الحديث لعالم وداعية إسلامي، جمع فيه بين الفكر الإنساني، والعلم الديني، والكتابة بلغة أدبية فريدة، وهو الشيخ محمد الغزالي رحمه الله، والكتاب ألفه بعد أن قرأ كتاب: (دع القلق وابدأ الحياة) لديل كارنيجي، فكتاب كارنيجي يعالج قضية يعيشها معظم الناس في حياتنا، وهي قضية القلق النفسي، والاكتئاب، والذي يؤدي أحيانا إلى انتحار الإنسان، وقد قيل: إن كارنيجي نفسه صاحب الكتاب، مات منتحرا! لكنه بذل فيه قصارى جهده في معالجة هذا الداء الذي يصيب الإنسان بوجه عام على مراحل وفترات، وبنسب مختلفة، ثم ترجم الكتاب إلى العربية في بداية خمسينيات القرن العشرين، وقرأه الشيخ الغزالي وقد أعجبه، فأراد أن يرد ما في الكتاب من أفكار إنسانية إلى الإسلام الدين الحنيف. وهو ما يدل على متابعة الرجل لكل مجال فكري يخدم دينه ودعوته. وكل هذا في الوقت الذي كانت هناك قطيعة بين المشايخ وقراءة الكتب الحديثة المعاصرة، وبخاصة الكتب المترجمة.

الانفتاح

وهو ما يلحظه الدارس لكتب الغزالي، حيث يرى انفتاحا على الفكر الإنساني بشتى تخصصاته وتنوعاته، رافعا شعار: الحكمة ضالة المؤمن وهو أحق الناس بها أنى وجدها، فتراه وقد أعجب بكتاب (دع القلق وابدأ الحياة) لكارنيجي الكاتب الأمريكي المعروف، فأخذ يشرحه، معترفا بأن ما جاء في كتاب الرجل لا يختلف عما في ديننا الإسلامي الحنيف، بل إننا نقول بإنصاف: لم يتعرف الإسلاميون على ديل كارنيجي وكتاباته إلا من خلال كتاب الشيخ الغزالي (جدد حياتك)، فمن أين كانت ستأتي الثقة عند الإسلاميين في كتابة الرجل، ومعلوم الخصومة والعداء الذي كان في ذلك الوقت بين كتابات الغربيين وقراء الفكر الإسلامي. يقول الشيخ الغزالي رحمه الله: وقد شُغفت من أمد بعيد ببيان المشابه بين تراث الإسلام المطمور، وبين ما انتهى إليه جلَّةُ المفكرين الأحرار في أغلب النواحي النفسية والاجتماعية والسياسية، وأحصيت من وجوه الاتفاق ما دل على صدق التطابق بين وحي التجربة ووحي السماء.

وقد استفاد دعاة معاصرون من كتاب الغزالي: (جدد حياتك)، لكنهم للأسف لم ينسبوا له الفضل، فكتاب: (لا تحزن) للدكتور عائض القرني لا يخرج عنه، ولم يشر من قريب أو بعيد إلى كتاب الغزالي، وكذلك كتاب: (استمتع بالحياة) للدكتور محمد العريفي، وغيرها من الكتب، أخذت الفكرة من كتاب الغزالي، لكنها للأسف لم تنسب إليه الفضل من حيث السبق، ومن حيث معالجته التي لم ترق إليها كل ما كتب بعده حتى الآن.

لقد امتاز الغزالي رحمه الله في كتابه (جدد حياتك) بل في كتبه كلها بأنه وفق إلى عناوين تعبر خير تعبير عن مضمونها، وتجمع بين التشويق والإثارة، واللغة العلمية، فمن الكُتَّاب من إذا وفق إلى العنوان المثير الجاذب للقارئ، تراه شكلا بلا جوهر ولا مضمون، والعكس كذلك، ومن الكتاب من يتعب نفسه وفكره في جمع المادة العلمية، وتصنيفها وتبويبها، لكنه لا يوفق في اختيار عنوان للكتاب يعبر به تعبيرا قويا يشد القارئ إليه، أو يهتدي إلى عنوان لكنه عنوان مسف، لا يليق بالفكرة السامية التي يكتب فيها، فيأتي كلامه علميا رصينا قويا، لكن عنوان الكتاب خفيف سطحي.

وبنظرة عابرة على بعض عناوين فصول كتاب (جدد حياتك) سترى معظم عناوين فصول الكتاب، تعطيك خلاصة لما يتضمنه الفصل، في لغة أدبية رائعة، بل إن كثيرا من عناوين الكتاب تصلح لأن تكون حِكَمًا تحفظ، لا مجرد عناوين تقرأ، وربما صلحت لتكون شعارات في الحياة، ولنأخذ بعض هذه العناوين لأدلل للقارئ على ما ذكرت، مثل:

عِش في حدود يومك.

علم أثمره العمل.

لا تدع التوافه تغلبك على أمرك.

لا تبكِ على فائت.

حياتك من صنع أفكارك.

لا تنتظر الشكر من أحد.

أنت نسيج وحدك.

اصنع من الليمونة الملحة شرابا حلوا.

بقدر قيمتك يكون النقد الموجه لك.

كن عصيا على النقد.

صيدلية الاسلام

أما الكتاب فقد قام فيه بشرح أدواء النفس، ومشاكلها، وما تتعرض له من أزمات، وكيفية علاجها من صيدلية الإسلام والحياة وعلومها، لا يستطيع كاتب في مقال أن يفي بحق الكتاب، ولا بقيمته، فهو سياحة نفسية وفكرية ودينية حول النفس البشرية، وما يصيبها من سأم أو ملل، أو كآبة، تستروح بهذا الكتاب وما فيه، وكثيرا ما كنت أنصح بعض من أجد فيهم هذه الشكاوى، من ضيق العيش، ومن رزالات الناس، أو سوء معاملتهم، أو نكد الحياة ومنغصاتها، كنت أنصحهم بقراءة (جدد حياتك)، وعلى حسب مشكلته، أنصحه بفصل معين، أو بالكتاب كله، وهو ما أجدده في هذا المقال من دعوة القراء الكرام، لمصاحبة هذا الكتاب، في هذه الأوقات وغيرها، وسيجدون زادا رائعا يعين على بداية الطريق لتخطي هذه الصعاب، فعزيزي القارئ: (جدد حياتك).

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه