جمال خاشقجي الشهيد العريان

 

حدث في خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رجلا من أهل اليمن كانت له زوجة من صنعاء، وله ولد من غيرها، فسافر وترك المرأة والغلام فخانت المرأة واتخذت في غيبته خدنا وخليلا، وفي يوم قالت له: إن هذا الغلام يفضحنا؛ فاقتله فأبى أن يقتله، فامتنعت منه المرأة فعند ذلك أجابها، واجتمع على قتل الغلام، المرأة وخليلها ورجل آخر فقتلوه، ووضعوه في عيبة من جلد ثم رموه في بئر غير مطروقة مهجورة، ثم بعد ذلك ظهر وتبين أمره.

وكان يعلى بن أمية هو والي اليمن من قبل عمر رضي الله عنه، فأرسل إليه يخبره بما وقع، فكتب إليه عمر بقتلهم جميعا، المرأة وصاحبها والرجل الآخر، وقال عمر قولته المشهورة: لو (اجتمع عليه أهل صنعاء لقتلتهم به). هذا هو الإسلام وتلك شريعته، فأين منه مدخلية ولي الأمر وجامية الحاكم المتغلب الذين عكفوا على دفاترهم وخاضوا في أضابيرهم ليجدوا ما يبرروا به قتل مواطن دخل مطمئنا إلى قنصلية بلاده، والمفترض أنها المأوى الآمن، والملاذ المعاون لخدمة من لاذ بها أو احتمى؟

داخل القنصلية

لم يجدوا ما يسعفهم في الحال فتمسكوا ببث أحاديث الصمت عن الفتنة واعتزالها، لأنه لم يدر بخلدهم أن يقع ولي الأمر في فضيحة تراقبها كل عيون العالم، حيث كان أقصى ما جادت به قرائحهم المتقرحة وجرت به ألسنتهم المعوجة أن الحاكم له أن يزني لمدة نصف ساعة على الهواء مباشرة، ويشرب الخمر! ولو علموا تعطشه لسفك الدم لأضافوا: وله قتل المعارضين داخل القنصلية ونشرهم بالمناشير!

ومع أن جريمة الاعتداء على الصحفي جمال خاشقجي تمت داخل القنصلية السعودية في إسطنبول، فإن كل من رضي بها وسوغ فعلها هو شريك فيها وعليه كفل من إثمها ومغبتها كما جاء في حديث العرس بن عميرة الكندي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا عملت الخطيئة في الأرض كان من شهدها فكرهها -وقال مرة: أنكرها- كان كمن غاب عنها، ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها). أخرجه أبو داود.

وإذا كان هذا حال من دخل على قدميه إلى مكان دبلوماسي على أرض دولة أخرى وفي ظل سيادتها، فكيف بمن اختطفوا من بيوتهم وابتلعتهم السجون السرية، والسراديب السعودية التي لا تخضع لأي لون من ألوان الحساب أوالمراقبة، بل ومعظمها لا يعرف طريقه أصلا؟

ما فعلوه بسفر الحوالي

ترى ماذا فعلوا بالشيخ المقعد المريض سفر الحوالي الذي عرى خطتهم، وكشف سوأتهم، وعدد البلاد والعباد الذين يذوقون الويلات من أفعالهم ويذبحون بأموالهم، مسجلا ذلك في ثلاثة آلاف صفحة، وهم من ضاق بنصائح جمال خاشقجي التي يغلفها بالود، ويذكر في ثناياها قديم العهد! ومع ذلك ارتكبوا في حقه أغبى جريمة في العصر الحديث؟

هل النظام الذي فعل هذا بجمال في وضح النهار يؤتمن على آلاف المعارضين القابعين في السجون من دون محاكمات ومنهم من دخل السجن قبل خمس عشرة سنة كالشيخ خالد الراشد وآخر عهده بخاشقجي أنه أحد أعمدة النظام؟ ترى كيف استقبل الشيخ سلمان العودة صاحب الحس المرهف والأدب الرصين فاجعة الغدر بجمال؟ وهل تصل إليهم الأخبار؟

رثى جمال خاشقجي نفسه على عادة الشعراء والأدباء فكتب قبل وفاته: (البعض يرحل ليبقى) ! فهل يكون في رحيله طوق نجاة، وكتابة حياة لآلاف من المظلومين لا يعرف عنهم أحد شيئا؟ هل توقف دماء خاشقجي نهر الدم النازف على أرض اليمن؟

هل ما أصاب الرجل من الرعب والفزع يعيد روح الأمان والاطمئنان إلى الأفئدة التي تهوي إلى البيت الحرام، وتخشى الاعتقال والترحيل إلى سجون الطغاة والمستبدين؟

نزلاء الرتز كارلتون

هل تكون جريمة الاعتداء على جمال هي آخر أعمال القرصنة التي تعرض إليها الوجهاء والأمراء على حد سواء من نزلاء فندق الرتز كارلتون؟

هل يكون جمال خاشقجي هو النذير العريان كما جاء في حديث النبي عليه الصلاة والسلام: (….. وإني أنا النذير العريان….. ) الذي قال العلماء في معناه: أصله أن الرجل إذا أراد إنذار قومه وإعلامهم بما يوجب المخافة نزع ثوبه، وأشار به إليهم إذا كان بعيدا منهم ليخبرهم بما دهمهم، وأكثر ما يفعل هذا ربيئة القوم، وهو طليعتهم ورقيبهم. وقالوا: وإنما يفعل ذلك لأنه أبين للناظر، وأغرب وأشنع منظرا، فهو أبلغ في استحثاثهم في التأهب وأخذ الحذر.

وعلى أية حال فقد بات مركوزا في النفس ومستقرا في الوجدان أن المنطقة بعد دخول جمال خاشقجي إلى القنصلية ليست هي بعد خروجه منها، فقد جنت على أهلها براقش .

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه