تيران وصنافير … يا زينب!

تحت عنوان “ما يُعرف ولا يُقال” كتبت الروائية زينب البحراني مقالاً حول جزيرتي “تيران وصنافير”. (بتاريخ 5/7/2017)

لا شك أنه عنوان مثير يولد الفضول المعرفي ويدفعنا إلى وجبة دسمة من اكتشاف الأسرار لكن للأسف نكتشف مع نهاية المقال أنّ هذه الأسرار ليست بأسرار وهي تقال بشكل شبه يومي على المستوى الشعبي وفي صفحات التواصل الاجتماعي في لعبة متخلفة تجرُّ الشّعوب العربية دائماً إلى التمترس خلف حكّامهم باعتبارهم رموزًا وطنية سيادية.

المقال وما فيه من ردود لا يستند إلى وثائق أو حقائق تاريخية تقنعنا بأحقية المملكة في تملك تيران وصنافير إنّما يعتمد في إثبات الواقعة على طريقة شهود الزور في المحاكم.

ورغم أنّ الكاتبة في بداية مقالها أبدت رغبتها في الحفاظ على شعرة معاوية بينها وبين أصدقائها المصريين وبرّرت صمتها في البداية وإحجامها عن إبداء رأيها بأنّها لا تريد أن تؤذي مشاعر أصدقائها لكنّها ارتأت أنّ الصّمت لا يفيد فأدلت بدلوها في القضية..

الحكومة والشعب في سلة البيض:

تقول زينب:

(يشعر بعض المصريين بالدهشة لأن كافة وسائل الإعلام السعودي تجاهلت أمر الحديث عن الجزيرتين … ومن وجهة نظري أن مشكلة الشعب المصري العزيز… يعرف المشكلات التي يعيشها بلده، لكنه يظن أنها تخفى على البلدان الأخرى، ومن هذا المنطق فإن الشعب المصري يرتدي ثوب الثائر لكرامة أرضه” ثم سرعان ما ينسى الأمر عندما يلمح عقد عمل في السعودية).

تستثني الكاتبة قلة من المصريين أبدوا دهشتهم تجاه الإعلام السعودي لكنها عندما أرادت التحدث عن ثوب الكرامة تحدثت بإطلاق وتعميم (الشعب المصري يرتدي ثوب الثائر لكرامة أرضه) وكأنما تلك الملايين التي أبهرت العالم في ميدان التحرير كانت بلا كرامة، وكأنما عبد الفتاح السيسي هو خيار المصريين ولم يأتِ بانقلاب باركه النظام العالمي.

“ربّما المقصود بكلمة بعض هؤلاء الذين يعارضون نظام السيسي ويصرون على مصرية الجزيرتين”.. لكن فات الكاتبة أنّ البعض هم النخبة الواعية وصاحبة الكرامة التي لا تتنازل عن شبر من أرضها وبهذا المفهوم لا يمكن أن تصيب الدهشة هؤلاء لأنّهم يمتلكون الوعي الذي يحصنهم من الدهشة لأمر تافه هو عدم اهتمام الإعلام السعودي بالقضية والذي من الواضح أنّه لم يتلق أوامر ليتحدّث في القضية ويبدو أنّ الكاتبة قد أبدت رأيها وهي تظنّ أنّها تعيش في أمريكا مثلاً حيث الإعلام الحر يتحدّث بأيّ شأن من شؤون الدولة وليست في بلد تكتب السلطات فيه الخطبة التي يلقيها إمام الحرم المكي في أمّة الإسلام المجتمعة في بيت الله.

أسئلة زينب

تدرك الكاتبة – حسب قولها – أنّ ما قالته جارح وحساس لكن على الشعب المصري أن يواجه الحقيقة كي يجد حلاً لأزماته المتصاعدة، وقد كتبت عدّة تساؤلات وأجابت عليها:

(هل الحكومة المصرية مستعدة لاسترداد ملايين المصريين العاملين في السعودية وتوفير أعمال بأجور كريمة لهم داخل مصر؟ “لا”

هل ملايين العاملين في السعودية على استعداد للعودة والاستقرار بشكل دائم في مصر وترك حياتهم إلى الأبد في السعودية؟ لا

هل حقا أعمال المصريين في السعودية كلها مهمة ولا يمكن للشعب السعودي أو الاقتصاد السعودي الاستغناء عنها؟ لا).

تجيب كونها مواطنة سعودية عارفة ببواطن الأمور! وتؤكد أنّ الشّعب السّعودي قادر على ملء كلّ الفراغات المهنية على اختلافها، بدءاً بالطبيب وانتهاء بالسّائق في حال خرج المصريون من السّعودية وما يبقي هؤلاء العمال هو الاتفاقات السّياسية التي تساعد فيها السّعودية مصر. نعم لقد استطاعت المملكة سعودة التّعليم بنسبة عالية جداً وأنهت عقود الكثير من المعلمين الوافدين، من دون النّظر إلى هذه الاتفاقات السّياسية فما الذي يمنع المملكة من تكرار الفعل مع بقية العمال الذين لاحاجة ماسة لها بهم.

تتابع الكاتبة أسئلتها الهامة قائلة:

(هل تستطيع مصر إرجاع كافة المساعدات المادية التي تلقّتها من السّعودية سابقاً؟

في ظلِّ الظروف الاقتصادية الراهنة الجواب “لا”

هل تستطيع مصر إرجاع المليارات التي تم صرفها مقابل تيران وصنافير؟

الجواب لا… لو تم دفع مليار لكل مصري مقابل أن يترك مصر ويتخلى عن الجنسية المصرية ويأتي للعيش في السعودية مقابل أن تأخذ السعودية مصر كلها وتسجلها باسمها؟ اترك الجواب لكم، الجواب تعرفه الحكومة السعودية من خلال تجاربها السابقة مع المصريين. مصر كانت بحاجة لدعم مادي والسعودية سئمت من دفع الأموال بدون مقابل وكان لابد من اتفاقية تحل المشكلة.).

في واقع الأمر تعكس هذه التساؤلات المفاهيم الجديدة عند الجيل المعاصر الحديث في معظم دول الخليج الذي لم يعايش زمن العطاء المصري للسعودية وبعض دول الخليج يوم كانت تأتي الطائرة المصرية محمّلة بالدّفاتر والأقلام مع المعلمين المصريين، كذلك لم يعايش هذا الجيل زمن المسؤولية المصرية عن محامل الحج وكسوة الكعبة وهجرة الرموز الثقافية للمساعدة ببداية النّهضة، كذلك تعكس التساؤلات اعتراف الكاتبة بمصرية الجزيرتين، لكنّها لم تدرك أنّ السّطو عليهما كانت على طريقة شايلوك في مسرحية تاجر البندقية الذي اشترط على الدائن أن يقتطع من لحمه مقابل الدين إذا لم يفِ به في الوقت المحدد.

عدم الادراك

كذلك لم تدرك الكاتبة أنّ قضية الجزيرتين لا تتعلق بكثرة الدفوعات المصرية ولم تكن الحكومة السّعودية لتفكر بهما مطلقاً لولا الرغبة الإسرائيلية بذلك رغم أنّ المقال نشر بعد تاريخ بدء إسرائيل بتنفيذ حلمها بقناة خاصة تقضي على مستقبل قناة السويس، وهذا هو الهدف النهائي من هذه الصفقة، وليذهب الأمن القومي المصري وكذلك السعودي إلى الجحيم.

لقد استطاعت الكاتبة أن تحل المشكلة ببساطة شديدة، إنّها عملية شراء مقابل الدفوعات التي أصابت السعوديين بملل شديد، وبرهنت على ذلك بتساؤل يضع المصريين قاطبة في سلة الخيانة، فالمصري من وجهة نظر الكاتبة يملك الاستعداد التام لبيع وطنه مقابل المال، وأنا هنا ومن باب الافتراض ذاته سأعكس السؤال. ترى لو أعطت مصر مليار ريال لكلّ سعودي وطلبت منه أن يتخلّى عن سعوديته لمصر فكم سعودياً سيبقى في السّعودية؟ في ظلِّ البطالة المتفشية بين السّعوديين التي تحدثت عنها الكاتبة، وفي ظلّ انتشار الفقر في السّعودية، الفقر الذي دفع آلاف السعوديين للعيش كـ (بدون) في الكويت.

لم توفق الكاتبة في مقالها وكان الأجدى بها أن تُلبس الطربوش لصاحب الرأس الصغير القابع في سدة الحكم والذي بيده الخراب بدل أن تتحدّث عن المصريين عامة، فهم لم يبيعوا أرضهم للسعودية من باعها وقبض ثمنها لن يستطيع منع الشعب من استردادها لقد باع شيئا لا يملكه. ومثلما خلقت السعودية مشكلة لها مع اليمن فإنها بهذه الصفقة قد خلقت مشكلة جديدة لها مع الشعب المصري عاجلاً أو آجلاً ستبدأ تداعياتها بالظهور.

 

 

 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه