تيران.. متاهة الجنرال المنبوذ

 

 

(تقديم)

من غباء الطغاة، أنهم يتركون أثراً باقياً لجرائمهم، هذا عدا أنهم لم يستطيعوا يوما قتل الأفكار، فقط ينجحون في اصطياد الجثث، لذلك فإن الإبداع والذكرى والغناء من أشد أعداء الطغاة، قد يذكرنا ذلك بورد محمود درويش الأقل وهو يحكي عن خوف الطغاة من الأغنيات، وخوف الغزاة من الذكريات الشبحية التي تطاردهم حتى لو عادوا إلى بيوتهم واهمين بالنصر.

في مثل هذا اليوم قبل عام واحد، نشرت نصاً إبداعياً عن “تيران وصنافير” للروائي والشاعر المبدع إبراهيم البجلاتي، ومن عجب العباسيين أنهم قاموا بحذف المقال بعد ساعات من نشره، لكن موقعا شعرياً احتفظ بالمقال وأعاد نشره، مع مقدمة فيسبوكية كنت قد قدمت بها المقال مؤكدا أن تيران وصنافير، ليست “خناقة على حتة أرض”، لكنها قضية انتماء ومفرزة لقيم وأخلاق ومعادن ناس، لهذا فإن المقالات السياسية وحدها، والمرافعات القانونية وحدها، والمظاهرات السياسية وحدها.. لا تكفي للتعبير عن حقيقة القصة.. الحكاية ستكون أشمل وأجمل عند تناولها في الروايات والسينما والشعر، وهذا سر اختياري لقصيدة صديقي المبدع ابراهيم البجلاتي عن تيران وصنافير، لأنها رصاصة تعبير خالدة في سماء الأجمل والأبقى، فالأرض ستبقى، وسوف تذهب الأخبار ونفايات المتسعودين، كما يذهب الجنرال معزولاً منبوذاً إلى متاهة الساقطين من تاريخ الوطن

المقال القصيدة – (1)

قبل عام أو أكثر/ وأنا أمسح التراب عن مرآة مذهبة/ ذكرت شيئا عن الجغرافيا..

عن خرائط في كتاب الوزارة بالأبيض والأسود/ المطلوب أن نعيد رسمها

أو أن نشِفًَها/ وأن نعطي التفاصيل ألوانا:

الأزرق للبحر

والأخضر للسهل

والأصفر للصحراء

والبني للجبال..

الجزر كانت تضيع (غالبا) في الحبر

أو تنسى..

زائدة على الجبل

فائضة عن البحر

(2)

أتذكر الآن أن مدرس الحساب..

كان جنديا سابقا/ سريع البكاء/ سريع الغضب..

 قال لنا مرة إنه عاد سابحاً/ من جزيرة في البحر/ وماشياً من شبه جزيرة كبرى/ وإنه ترك الكثير من لحمه/ في الرمل

(3)

قال لنا:

لونوا هذه الجُزُر بالأحمر/ كقطعٍ من الروح..

 كنا صغاراً/ فلم ندرك ما يقول/ ولم نفهم/ أن الخلجان ليست بيتا ضيقا للسمك/ وليست جنة مغلقة على الشعاب المرجانية

(4)

وقال أيضاً:

اعتذروا لشاعرٍ قال:

«الدرس انتهى.. لموا الكراريس»^

يا أولاد: لا تقفلوا الكراريس/ ولا تجمعوها

فأمامكم الكثير لتعرفوه

بعد أعوام قليلة/ قال شاعر آخر^^:

«لا تصالح»

وبعد أعوام أُخَر/ قال شاعر^^^:

«العام يكتمل انحنائي/ كي تطير الطائرات على ارتفاع منخفض»

(5)

 ثم ماذا؟

 

(6)

سيقضي الجنرال أعواما طويلة في متاهته

لن يجد إصبعاً واحداً من الموز

ليحشره بين فخذي امرأة

ولن يجد أبداً..

من يكاتبه

 

(إشارات)

(*) لي الاختيار والعنوان والتنسيق، ولإبراهيم البجلاتي القصيدة، وللأحرار أرضهم.. ما دامت قدرتهم في التمسك بها والدفاع عنها.. عاش الشاعر، وعاشت القصيدة، وعاشت الأرض لأصحابها.. حقولا وملاعب للأحياء، وحضناً رحيما للأموات

(**)

المقصود في الفقرة رقم (2) كل من تيران وسيناء على التوالي

(-)

الشعراء المقصودون في الفقرة رقم (4):

^ صلاح جاهين في قصيدة عن جريمة قصف الصهاينة لمدرسة “بحر البقر”

^^ أمـــل دنـقــل في وصيته ضد استسلام المنبطحين لإسرائيل

^^^ الشاعر هو إبراهيم البجلاتي نفسه

^^^^ إشارة لعنوان رواية ماركيز )الكولومبي الحائز على جائزة نوبل( وأعتقد أن أحد الطغاة الأغبياء قد اعتبر عنوان الرواية المنشورة منذ 50 عاما (في عام 1967) غمزاً ضد جنرال عندنا، فرفع عباس هاتفه ليقول للواد بتاعه: إيه البذاءة دي؟، فتم حذف المقال!

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه