تهيئة المسرح لهزلية الانتخابات المصرية

وعلى طريقة عرسان الأرياف الذين يذبح أحدهم القطة لعروسه ليخيفها

 

يستخدم قائد الانقلاب في مصر عبد الفتاح السيسي قبضة يده كثيرا للإشارة إلى ما يتمناه “نبقى كده” وهي إشارة إلى السيطرة والقوة، والسيطرة تكون عادة بأحد طريقين، إما من خلال مؤسسات ديمقراطية قوية تستند إلى منظومة قانونية شفافة وعادلة، ورضا شعبي ترجمته صناديق الانتخابات،  أو من خلال القبضة العسكرية والأمنية، والقتل والسحل والتعذيب، ولأن السيسي لا يعرف الأولى فهي ليست في قاموسه، لكنه بالتأكيد يعرف الثانية ويجيدها، ولأننا على أبواب هزلية انتخابية جديدة سيتم الإعلان عن خارطتها التفصيلية خلال أسبوع وستجري غالبا في شهر إبريل المقبل، فإن السيسي يستخدم كل ما لديه من قوة لتهيئة المسرح تماما لتلك الهزلية، ومن ذلك تكريس حالة الخوف لدى المصريين من معارضته، وعلى طريقة عرسان الأرياف الذين يذبح أحدهم القطة لعروسه ليخيفها، فإن السيسي اشتط مؤخرا في تنفيذ أحكام الإعدام بحق معارضيه السياسيين ليرعب المصريين، وكانت أحدث تلك الأحكام الخاصة بما عرف بقضية استاد كفر الشيخ التي أعدم بسببها 4 شباب مصريين توفرت الدلائل على عدم وجودهم في مسرح الجريمة، وشهد غيرهم بارتكابها ومع ذلك صدر الحكم من القاضي(الجنرال) العسكري وأيده زميله القاضي (الجنرال) العسكري في الاستئناف، ثم نفذه جنرال عسكري ثالث في سجن برج العرب، وقد سبق ذلك بعدة أيام تنفيذ حكم الإعدام بحق 15 مواطنا مصريا من سيناء بتهمة ضرب نقطة عسكرية في أغسطس 2013 أي قبل ظهور تنظيم داعش، وقبلها تنفيذ حكم الإعدام بحق 6 من شباب عرب شركس، ومن قبل ذلك المواطن السكندري محمود رمضان  ليصبح إجمالي من تم تنفيذ الإعدام بهم 27 مصريا لم تتوفر لمحاكماتهم أدنى درجات النزاهة، لكن السيسي أراد تقديمهم عبرة ومثلا لمن يعارضه.

كسر الارادة

لم يقتصر القتل على تنفيذ أحكام الإعدام لكن تعداه للقتل بدون أحكام ولو هزلية، عبر تصفيات جسدية لمجموعات من المعارضين المحتجزين لدى الأجهزة الأمنية (مختفون قسريا) والذين يتخذهم نظام السيسي كرهائن يلجأ لقتلهم هروبا من فشله في المواجهات المباشرة مع الجماعات والعصابات المسلحة.

الرسالة الرئيسية من كل ذلك هي كسر إرادة المقاومين للنظام، وإجبارهم على الرضوخ له، ووقف تحركاتهم والتي مهما كانت ضعيفة إلا أنها لا تزال تمثل إزعاجا للنظام وتأكيدا لعدم استقراره أمام المجتمع المحلي والدولي والاستثمار الأجنبي والسياحة الدولية الخ.

يخطئ السيسي ونظامه بهذا التصور عن زرع الخوف في نفوس المقاومين، قد ينجح في مهمته مع الكثير من فئات الشعب التي تميل عادة للاستقرار والبعد عن المواجهات، لكن إزهاق تلك الأرواح لا يجدي نفعا مع التيارات الإسلامية التي تحمل عقيدة تعظم الموت الكريم  (الشهادة)على الحياة  الذليلة، والتي لم تستطع الأنظمة السابقة سواء نظام عبد الناصر أو السادات أو مبارك التخلص منها عبر القمع قتلا أو سجنا أو تعذيبا تشهد به سجون طرة وأبي زعبل والسجن الحربي والواحات والقلعة ، واضطرت جميعها لفتح حوارات ولو جزئية معها لاستعادة الأمن والاستقرار.

تخويف المرشحين

تهيئة المسرح الانتخابي ذات شعب متعددة، منها أيضا تخويف المرشحين المحتملين، كما حدث مع الفريق أحمد شفيق وخالد علي، وما سيحدث مع غيرهما ممن يشكلون خطورة أدنى على السيسي الذي أضحى يخشى من خياله، ولا يأمن لأي صندوق شفاف، ومن التهيئة أيضا تلك الاستمارات الوهمية (علشان تبنيها) لمطالبته بالترشح، والتي سيتعامل معها باعتبارها تفويضا شعبيا له قد يغنيه عن إجراء الانتخابات من الأساس تذرعا بالحالة الأمنية والحرب على الإرهاب.

كانت التهيئة المبكرة للمسرح عبر الآلة التشريعية التي لا يجد السيسي أي مشكلة في تطويعها لصالحه، فقد أصدر قانونا مفصلا للهيئة الوطنية للانتخابات منحها حق إدارة العملية الانتخابية دون إشراف قضائي، كما أصدر قانون الهيئات القضائية الذي يعطيه حق اختيار رؤساء تلك الهيئات والذين سيكون بعضهم عضوا بالهيئة الوطنية للانتخابات بحكم مناصبهم، أي أنه اختار  بنفسه تقريبا مجلس إدارة الهيئة الوطنية التي ستشرف على انتخابه، وقبل يومين أعلن تمديد حالة الطوارئ لمدة ثلاثة أشهر جديدة تجري خلالها الانتخابات، وتعلن نتيجتها دون أي فرصة لأي اعتراض يعرض صاحبة للقتل أو الإخفاء القسري.

تأميم الاعلام

من أهم مظاهر التهيئة أيضا إحكام القبضة الأمنية على المنظومة الإعلامية حتى لا تتكرر مشاهد اللجان الخاوية التي صورتها القنوات في انتخابات 2014 والتي اضطرت السلطة لتمديد الانتخابات يوما إضافيا لصنع ورقة توت تستر بها الفضيحة، وفي هذا الإطار شهدت الأشهر الماضية عمليات بيع وشراء واسعة لقنوات وصحف ومواقع وشركات إنتاج وإعلان …الخ، وظهرت المخابرات العامة كإمبراطور جديد للإعلام المصري من خلال واجهات مدنية (شركات وصناديق استثمار) تقوم بمهمة الاستحواذ على الشركات المالكة لتلك القنوات والصحف والمواقع التي يخشى انفلاتها في الانتخابات المقبلة، ونجحت تلك الصفقات في “التأميم الناعم” لقنوات سي بي سي وأون تي في والحياة والعاصمة، وهي مجموعة القنوات الأكثر مشاهدة في مصر، والتي لعبت الدور الأكبر في إبراز خواء اللجان في 2014 بتعليمات من أصحابها الذين أرادوا أن يرسلوا رسالة للسيسي أنهم قادرون على إيذائه ردا منهم على فرضه إتاوات مالية ضخمة عليهم لصالح صندوق “تحيا مصر”، وقد كانت صفقة تملك صندوق “إيجل كابيتال” الذي تملكه المخابرات العامة وتتراسه شكليا داليا خورشيد وزيرة الاستثمار السابقة لشركة إعلام المصريين التي تملكها أيضا المخابرات وإن كانت تضع على واجهتها رجل الأعمال أحمد ابو هشيمة هي الصفقة الأبرز خلال الشهر الأخير للعام، وبلغت قيمتها 6 مليار ات و800 مليون جنيه مصري، ونجحت العديد من الصفقات السابقة في إزاحة رجال الأعمال السيد البدوي ونجيب ساويرس، ومحمد الأمين  والذين كانوا يوصفون بأباطرة الإعلام في مصر.

لم يبق من ترتيبات هزلية الانتخابات الرئاسية سوى إعلان الجدول الزمني يوم الإثنين المقبل، وترتيب من سيقوم بدور الكومبارس في المسرحية، ومن سيقوم بدور شهود الزور، ومن سيرقص أمام اللجان، لكن الأهم هو كم مصريا سيفقد حياته أوكرامته حتى ذلك الموعد؟!

 

 

 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه