تهدئة كردية للخلافات مع الجيران

 منذ 25 عاما يمارس الأكراد في العراق حكما ذاتيا، من خلال وجود وزارات وبرلمان وجيش البشمركة وقوات أمن وجامعات ووسائل إعلام، وتمثيل دبلوماسي تخطى الثلاثين قنصلية بها.

واستفاد إقليم كردستان من حظر الطيران بشمال العراق منذ العام 1992 في بناء مؤسساتهم واستقطاب الاستثمارات الأجنبية بشتى المجالات، وساعدهم إنتاج النفط في وجود مورد رئيسي مكنهم من مخالفة تعليمات بغداد، في أن يتم تصدير هذا النفط من خلال وزارة البترول الاتحادية مقابل حصول اقليم كردستان على نسبة 17 % من الموازنة العراقية.

حيث رأى الكرد أن إيرادات تصدير النفط تحقق لهم موارد أعلى مما تقرره السلطات العراقية، فقاموا بتصدير النفط لحسابهم، ما دفع حكومة بغداد لقطع حصة الأكراد من الموازنة عام 2015.

وتزامن ذلك مع تراجع أسعار البترول، والحرب مع الدولة الإسلامية التي وصلت لمشارف أربيل، ولجوء مئات الآلاف من النازحين من المناطق المتضررة من الدولة الإسلامية إليها كمكان آمن، وتضرر الإيرادات السياحية بها.

 وكانت النتيجة عجز حكومة كردستان عن دفع مرتبات الموظفين البالغ عددهم 1.4 مليون موظف، تم التوسع في تعيينهم لأغراض حزبية، ما دفعها للاقتراض من شركات البترول الدولية مقابل النفط.

الاستفتاء يقوى الأكراد بالتفاوض

وساعدت عملية استعادة الأكراد مدينة كوبانى من الدولة الإسلامية، وتصديهم لزحفها لأربيل، ثم مساعدتها بتحرير الموصل، في الثقة في قدراتهم العسكرية، حيث تمسكوا بمناطق جغرافية استطاعوا استعادتها من الدولة الإسلامية بمعاونة أمريكية وغربية أبرزها كركوك الغنية بالنفط بل وقامت بتصدير بترولها لحسابها.

ووجد مسعود برزاني رئيس إقليم كردستان الفرصة سانحة له لإجراء استفتاء حول الانفصال عن العراق، باعتبارها رغبة تاريخية لدى الأكراد لتكوين دولة خاصة بهم، مستغلا الأوضاع الداخلية غير المستقرة بالعراق. ووجود مناطق ما زالت الدولة الإسلامية تسيطر عليها، ما يعنى الحاجة للأكراد للمساعدة في تحريرها، بالإضافة لعلاقة برزاني الجيدة بكل من الولايات المتحدة والدول الغربية وتركيا وإيران وروسيا في نفس الوقت.

لكن الدول الغربية والولايات المتحدة اختلفت معه في توقيت إعلان الاستفتاء، وأصر برزاني على إجراء الاستفتاء الذي إن لم يحقق تكوين الدولة حاليا، فسيفيد في الحصول على تفويض يستند إليه بمفاوضاته مع الحكومة الاتحادية ببغداد، حول قضايا النفط والحصة في الموازنة ومناطق السيطرة خارج محافظات الأكراد الثلاث أربيل والسلمانية ودهوك.

 وحصل برزاني على موافقة 93 % من الأكراد على الانفصال عن بغداد، مع استعداده لتحمل الحصار الذي يمكن فرضه عليه من قبلهم، مستندا إلى التفاف الأكراد حول هدف تكوين الدولة، وتأجيل الخلافات الداخلية لمواجهة الضغوط الخارجية، ووفاة جلال طالباني بتاريخه المناهض لبرزاني، ما سيؤثر على قوة حزبه الذي كان متحفظا على إجراء الاستفتاء.

  مصالح غربية لدى الطرفين

خاصة وأن لديه النفط والغاز الطبيعي وشركات إنتاج المشتقات ومحطات إنتاج الكهرباء، والأراضي الزراعية ومياه الري، ما يمكنه من الصمود بعض الوقت لأي حصار محتمل.

ويظل رهان برزاني على حاجة الغرب إليه في حربه مع الدول الإسلامية، ووجود قواعد أمريكية بكردستان، وحاجة تركيا لعدم توفير ملاذ آمن لحزب العمال الكردستاني بالإقليم، وعلى مصالح دول الجوار بإقليم كردستان، حيث توجد استثمارات متعددة لتركيا وغيرها، وتجارة ضخمة مع تركيا وإيران، ومصالح لشركات نفط دولية وقروض مستحقة لها لدى الإقليم وتصدير البترول لأوربا، والتجهيز لخطوط أنابيب لتصدير الغاز الطبيعي لتركيا وأوربا.

ولهذا استقبل الأكراد القرار العراقي بمنع الرحلات الجوية لمطاري أربيل والسلمانية رغم رفضهم له، بالدعوة للحوار والتفاوض للوصول لحل، ويتوقع تأجيل إعلانهم لدولتهم لبعض الوقت، مع السعي من خلال المفاوضات للحصول على مكاسب أكثر.

ويساعد الأكراد المصالح الاقتصادية لتركيا بكردستان حيث بلغت التجارة معها نحو 10 مليار دولار بالعام الماضي، في ظل عجز مزمن بالميزان التجاري التركي، ما دفعها للتريث بالعقوبات الاقتصادية على كردستان والحديث حول عدم إضرارهم بالمدنيين.

لكن الحكومة الاتحادية ببغداد لديها مشاكل مماثلة لكردستان، حيث اقتصاد السلعة الواحدة أيضا، والتأثر بانخفاض سعر النفط بالسنوات الأخيرة، وكبر حجم الإنفاق على رواتب الموظفين والمتقاعدين والنازحين والفقراء، إلى جانب الإنفاق العسكري على الجيش وعلى الميلشيات.

  والحاجة لدفع نفقات سنوية ضخمة لشركات النفط مقابل قيامها بتطوير الحقول، ما دفعها للتوسع بالاقتراض سواء من صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي واليابان وغيرها من الدول.

ولهذا ترغب في عودة الاستفادة من حقول النفط بالشمال والتي توقفت استفادتها منذ صيف 2014، في ضوء اتجاهها لزيادة كم الصادرات النفطية للحصول على موارد إضافية.

أما الدول الغربية فمصالحها مع كلا من العراق وكردستان ستجعل مواقفها غير حاسمة، فالعراق أصبح المُصدر الثالث للنفط الخام بنحو 3.8 مليون برميل يوميا من دون نفط كردستان.

 كما تسعى للحصول على حصة من واردات العراق السلعية، في بلد يستورد غالب احتياجاته السلعية، وهي الواردات التي لا توجد دولة أوربية ضمن الخمس الكبار بها، وفى  الوقت نفسه توجد استثمارات بترولية كبيرة للغرب في كردستان.

وهكذا سيستفيد الأكراد من نتائج الاستفتاء في تحسين موقفهم التفاوضي، ولن يغامروا باستخدام القوة للرد على الإجراءات الضارة بهم، وسيتريثون في إعلان الدولة المستقلة، لكن هذا لا يعنى التخلي عن حلم تكوين الدولة.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه