تمام يا فندم لواء مقاتل قائد مزارع أسماك بركة غليون

يقول اللواء حمدي بدين للسيسي “الناس هتيجي تآخد شهادات الجودة مننا، لأن عندنا معمل بيشوف كل درجات أي شئ، سواء في الأسماك أو الأعلاف بالكامل” وهو ادعاء يشبه ادعاء اللواء عبد العاطي

كشف افتتاح الجنرال عبد الفتاح السيسي مشروع الاستزراع السمكي بمنطقة “بركة غليون” بمركز مطوبس بمحافظة كفر الشيخ، شمال القاهرة، يوم السبت 18 نوفمبر، عن مجموعة من الجوانب الايجابية في المشروع، تعزز قدرات مصر في هذا القطاع الحيوي، وكذلك كشف عن جوانب سلبية تؤكد عسكرة القطاع السمكي وتخل بمبادئ العدالة وتكافؤ الفرص والشفافية، والمنافسة.

ولن نخوض في مواقف الكوميديا السوداء التي ظهر فيها قادة وضباط القوات المسلحة المصرية المشرفين على المشروع وهم يقدمون أنفسهم إلى الجنرال السيسي ويعرفون بمهامهم الوظيفية في المشروع مباشرة، وجهًا لوجه، وعبر تقنية الفيديو كونفرانس، بطريقة تشنجية أقرب إلى البكاء منها إلى الضحك، والتي أثارت سخرية المصريين الذين دشنوا وسما على مواقع التواصل الاجتماعي تحت اسم “قائد_مقاتل_خط_الجمبري” بحيث لا نهمل تحليل هذا المشروع الكبير بايجابياته وسلبياته، بجدية وبموضوعية، سيما أن القيمة الاقتصادية للمزرعة ضخمة والمشروع مكلف وكبير.

أولًا  من الناحية الإقتصادية

تزيد مساحة مزرعة بركة غليون عن 26 ألف فدان من المسطحات المائية، وهي أكبر مزرعة سمكية في الشرق الأوسط وأفريقيا. يساهم هذا المشروع في سد فجوة الاستهلاك السمكي في مصر والتي تقترب من النصف مليون طن، وتعزز الإنتاج المحلي البالغ مليون ونصف المليون طن في السنة، 70% مما ينتج عن الإستزراع السمكي الذي نجح في مصر محمولًا على أكتاف خبراء وعلماء الهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية، ومدعومًا بالبيئة والمناخ المصري والمعتدل.

ثانيًا من الناحية التكنولوجية

اشتمل المشروع، فيما أتاحه لنا الجيش من معلومات نقلتها التصريحات والكاميرات، على مقومات مشاريع الاستزراع السمكي المتكامل، من مفرخات، وأحواض تربية ومزارع إنتاج ومصنع للأعلاف، وآخر للتصنيع والتعبئة، وثالث لإنتاج الثلج، ورابع لانتاج الفوم والعبوات، ومركز بحثي مجهز، ومحطة كهرباء ومضخات للمياه.

ثالثًا من الناحية القانونية

تتبع بركة غليون في ملكيتها وإدارتها الهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية وهي الجهة الحكومية الرسمية الوحيدة المختصة قانونًا منذ إنشائها بالقرار الجمهوري رقم 190 لسنة 1983 بإدارة واستغلال المزارع السمكية بالمسطحات المائية، بما فيها بركة غليون، وكذا تنمية الثروة السمكية في عموم المصايد المصرية، وتأسيس شركات القطاع العام المتخصصة في الثروة السمكية وإبداء الرأي في كل المشروعات العامة التي يترتب عليها اقتطاع أجزاء من المسطحات المائية.

وكان يستأجرها الصيادون في قرية برج مغيزل والقرى المطلة عليها، وينتجون أجود أنواع البلطي والبوري والدنيس في العالم، ويدفعون رسوم الايجار إلى الهيئة حتى أُهملت تمامًا في عهد المخلوع مبارك وتوقف العمل بها رسميًا، ولكن ظل الصيادون من أبناء المنطقة يصيدون ويتكسبون فيها بحسب تصريحات نقيب الصيادين لصحيفة اليوم السابع.

خامسًا التمويل

بالرغم من تمويل مشروع الاستزراع السمكي بالمزرعة بالكامل، والذي تكلف 1.7 مليار جنيه، من عائدات المحافظة من آبار الغاز ومصنع الرمال السوداء وغيرها من موارد المحافظة والعائدات الذاتية للمحافظة، بحسب تصريحات المحافظ في الندوة التي عقدتها جريدة صوت الأمة في أغسطس الماضي، فقد استولى الجيش على المشروع والمزرعة معًا من الشركة الوطنية للاستزراع السمكي والأحياء المائية، التي أسسها الجيش المصري لهذا الغرض.

حاول الجنرال السيسي نفي استيلاء الجيش على المشروع وهو يقول “ما يصحش أن احنا نقول ده جيش” يعني ملك للجيش، ولكن تصريحات اللواء حمدي بدين رئيس مجلس ادارة الشركة في حفل الافتتاح بأن انشاء الشركة الوطنية للاستزراع السمكي والأحياء المائية، وإلحاقها بالهيئة الهندسية للقوات المسلحة كان بتوجيه وأمر مباشر منه، يكذب ادعاء السيسي.

حرمان الهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية من ادارة المشروع يحرم مصر من خبرات وعلماء هذه الهيئة، وفي الوقت الذي يشهد لهم العالم بالكفاءة والخبرة، وقد وضعوا مصر على قمة افريقيا والثامن عالميًا في مجال الاستزراع السمكي، تعاقد الجيش المصري بالأمر المباشر مع شركة صينية تدعى “جوانجدونج ايفرجرين” لم تبدأ نشاطها في  مجال الاستزراع السمكي إلا في 1998، وبمبلغ 86 مليون دولار، بحسب تصريحات الرئيس التنفيذي لموقع اندركرنت نيوز البريطاني، ما يعد مخالفة لإجراءات المناقصات الحكومية وإهدارا للمال العام، وتربح لصالح شركة أجنبية مع وجود الخبرات المحلية.

كما أن حرمان المشروع من إدارة الهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية وهي جهة حكومية خاضعة للأجهزة الرقابية وتفتيش الجهاز المركزي للمحاسبات واسنادها إلى الجيش المصري يخل بمبدئ الشفافية، سيما أن مشاريعه لا تخضع لتفتيش الأجهزة الرقابية، ويضر بمبدأ المنافسة، لأنه لا يدفع أجورا للعمالة المجندة جبريًا، ولا ايجارا للأراضي ولا ضرائب ولا تأمينات، ما يعطيه الفرصة لبيع منتجاته بأسعار تنافسية تضر بمنتجي الأسماك في المزارع الخاصة، والصيادين الذين تنعدم أمامهم المصايد العامة التي استولى عليها الجيش.

تشغيل ضباط الجيش في المشروع وسيطرتهم على فرص العمل فيه، وبمختلف رتبهم العسكرية الرفيعة والصغيرة، هذا مقدم مقاتل قائد خط الجمبري، وهذا مقدم مقاتل قائد خط السمك، وهذا مقدم مقاتل قائد مصنع الثلج، وهذا قائد مقاتل قائد مصنع الفوم، يهدم قيمة التخصص ويخل بمبدأ العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص مع زملائهم المتخصصين في الهندسة والزراعة، والاستزراع السمكي، والتصنيع الغذائي وقد حرموا من دخول الكليات العسكرية، لأن آبائهم ليسوا رتبًا رفيعة في الجيش المصري فدخلوا الكليات المدنية، فإذا بهم مرة أخرى محرمون من العمل في مجال تخصصهم لأن الجيش قد استولى عليها لصالح الضباط الجدد أبناء الأسر العسكرية.

شباب الخريجين

كان الأولى توزيع أحواض الاستزراع على شباب الخريجين، وإعطاء أولوية العمل بالمشروع ووحدات التصنيع الملحقة به إلى خريجي كليات الهندسة والزراعة والعلوم وكليات الثروة السمكية الموجودة في جامعات قناة السويس، وكفر الشيخ وأسوان، وهي كليات لا تقبل إلا الطلاب المتفوقين في الثانوية العامة، وكان تنسيق كلية علوم الثروة السمكية بجامعة كفر الشيخ على سبيل المثال 91%.

ويدرس الطلاب في هذه الكليات المتخصصة على مدار أربع سنوات علوم الإستزراع السمكي، وتكنولوجيا إنشاء المزارع السمكية، وتربية الأسماك والأحياء المائية، وإدارة المزارع السمكية، وتغذية وصحة الأسماك وتكاثرها، وتكنولوجيا تصنيع وتداول وتخزين الأسماك ومنتجاتها، وعلوم وبيولوجيا الأحياء المائية، وعلوم البيئة المائية والتنوع البيولوجي، وميكروبيولوجيا وفسيولوجيا الأحياء المائية، والإحصاء البيولوجي وتصميم التجارب، وتكنولوجيا الصيد، وإدارة المصايد السمكية، وتكنولوجيا ونظم المعلومات، وكيمياء المياة والأراضي، والفلك والأرصاد جوية.

في المقابل، يدرس طلاب الكليات العسكرية، العلوم الخاصة بالأسلحة والذخبرة وفنون القتال والتنظيم والقوانين والأحكام والتقاليد العسكرية والتربية البدنية والرياضية، وهي علوم تحترم وتعتبر، ولكن ليس من بينها ما يؤهل طلاب هذه الكليات لادارة وتشغيل وتنمية المزارع والمصايد السمكية، فكيف ينجحون في ادارتها، بالقطع لن ينجحوا في ذلك.

اللواء بدين نفسه، وهو رئيس شركة الاستزراع السمكي، بدا غير ملم إطلاقًا بمصطلحات الاستزراع السمكي، وعندما سأله السيسي هو وزميله اللواء أشرف حامد عن كيفية تعظيم انتاجية الأحواض السمكية، لم يجد اللواء أشرف إلا أن يقول “اطمن يا فندم” وكان رد اللواء بدين “احنا بنوعد سيادتك بإذن الله في المرحلة دي والمرحلة الثانية هنصل إلى أكثر خبرة من المرحلة اللي فاتت”

وفي مشهد آخر يقول فيه اللواء بدين للسيسي “الناس هتيجي تاخد شهادات الجودة مننا، لأن عندنا معمل بيشوف كل درجات أي شئ، سواء في الأسماك أو الأعلاف بالكامل” وهو ادعاء يشبه ادعاء اللواء عبد العاطي الذي يعالج الإيدز بالكفته.

وعندما يتخرج طلاب الزراعة والاستزراع السمكي لا يجدون أراضي زراعية يفلحونها ولا مزارع سمكية يستزرعونها لأن الجيش المصري قد استولى عليها جميعًا فلا يبقى أمام هؤلاء الشباب إلا الهجرة أو يبتلعهم غول البطالة، والشقي منهم من يعمل تحت ادراة هذه القيادات العسكرية المقاتلة، التي تكون قد نسيت ما تعلمته في العسكرية، وهي تجهل العلوم اللازمة لتطوير وتنمية ما تديره، وفي النهاية تتخلف مصر في المجالين معًا، المدني والعسكري، بدليل فشل الجيش في فرض الأمن في سيناء أو حماية حدود مصر الغربية، كما فشل في ضبط أسعار السلع بالرغم من مناشدات السيسي المتكررة.

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه