تسييس الحج

امتن الله على أهل مكة بأن جعلهم مأوى الأفئدة ومحط رحال الحجاج والعمار، وأسبغ عليهم نعمة الأمان وأن تجبى إليهم ثمرات كل شيء رزقا من لدنه. حتى ألفوا هذا النعم وناداهم العرب بالحمس وأهل الحرم.

(لإيلاف قريش. إيلافهم رحلة الشتاء والصيف. فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف).

(سورة قريش)

وقال الله تعالى :

(أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم …….)

العنكبوت / 67

 

لذا لم تمنع قريش أحدا من زيارة البيت ولم يدخل الحج ضمن صراعات القبائل

 

فكان الواحد منهم يلقى من قتل أباه أو أخاه فلا يتعرض له بسوء، وبقي الاستثناء من ذلك منعهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأنهم يرون المعركة مع الإسلام معركة وجود.

أما في الآونة الأخيرة فقد رأينا استخدام الحج والعمرة كوسيلة ضغط على دول معينة لتتبنى وجهة نظر سياسية أو تدخل في تحالفات إقليمية كان أبرزها حصار قطر وقد تحدثت صحف وهيئات عالمية عن هذا الشأن!

وواكب ذلك تعليمات من فنادق مكة المكرمة والمدينة المنورة للمعتمرين القطريين في رمضان الماضي بسرعة المغادرة نظرا لإلغاء حجوزاتهم تنفيذا لقرارات الحصار.

وأصبح على الحاج القطري الحصول على تأشيرة دخول دون بقية رعايا دول مجلس التعاون الخليجي ثم لا يسافر إلى مكة مباشرة وإنما عن طريق أية دولة أخرى.

 حمل هذا مفاجأة للمتابعين لسير الأحداث، لكننا لم نفاجأ به  لأننا منعنا من الحج والعمرة منذ أربعة سنوات بعد انقلاب السيسي وإعلان الدعم الكامل له، بل ومنع كل من أعلن رأيه الصريح بالتعاطف مع مجزرة رابعة أو التنكيل بقطاعات كبيرة من الشعب المصري ومن أبرز هؤلاء د. طارق السويدان.

 

كما منع الشيخ حجاج العجمي وهو كويتي الجنسية أيضا لأنه متهم بدعم وإغاثة الشعب السوري حسب منظمات غربية !!

 

وتم احتجاز مصريين أعرفهم شخصيا لمدد تتراوح بين شهر وثلاثة أشهر وحيل بينهم وبين البيت الحرام نظرا لوجود أحكام قضائية مسيسة صدرت ضدهم من قضاة السيسي الذين حاكموا متوفين، وسجنوا الأعمى بتهمة القنص أو التدريب على الأسلحة !

وأصبحت صور الأحكام الظالمة تسلم نسخ منها عاجلة الى مطارات الأراضي المقدسة.

ومن أسابيع تم اعتقال ثلاثة من ثوار ليبيا بعد أدائهم مناسك العمرة نظرا لأنهم مطلوبون لمليشيات خليفة حفتر وهم:

محمود بن رجب

ومحمد الخذراوي

وعبدالغني محمد عمار

ثم جاءت قائمة 59 التي وصمتها دول الحصار بالإرهاب وتطالب قطر بتسليم من فيها، وفيها ثلة من أهل العلم ورعاة البر من دول عربية شتى وأغلبهم لا يقيم في قطر!

وبعد هذا التطواف القديم الحديث يتضح أن جاهلية قريش ترفعت عن الزج بمناسك الحج في الخلافات السياسية بينما خاضت فيه الجاهلية الحديثة حتى الركب.

ولم يأخذوا من ميراث الأوائل إلا ما جاء في المثل السائر:

رمتني بدائها وانسلت.

من الذي يسيس الحج إذا يا قوم؟

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه