تسليم 30 محمية طبيعية في مصر للأجانب!

يبدو أن العقل الصهيوني لا يريد أن يتركنا نلتقط الأنفاس في مصر، ويواصل صعقنا بالصدمات الكهربائية المتلاحقة حتى نفقد الوعي ويصيبنا الشلل ونقف مخدرين أمام تسليم الأراضي المصرية قطعة قطعة للدوائر الصهيونية من دون حرب، وكأننا أمة بلا عقل، وذبيحة بلا حراك، استسلمت لشبكة من الصيادين الدوليين لا ترحم.

التفريط هذه المرة ليس بالبيع كما حدث مع جزيرتي تيران وصنافير، وإنما بتأجير ما يزيد عن 10 % من مساحة مصر وهي المحميات الطبيعية، والتعامل معها وكأنها منشآت اقتصادية تخضع لبرنامج الخصخصة الذي تتبناه الحكومة تحت إشراف البنك الدولي.

قرار التخلص من المحميات الطبيعية في مصر أعلنت عنه وزيرة البيئة الدكتورة ياسمين فؤاد في مؤتمر التجمع الإفريقى لصندوق النقد والبنك الدوليين بشرم الشيخ الذي حضره ممثلون لهيئات ومؤسسات من الولايات المتحدة وأوربا.

قالت وزيرة البيئة إن الحكومة تطرح 30 محمية طبيعية للمستثمرين للتأجير بنظام حق الانتفاع لمدة تصل إلى 10 سنوات، وهذا الرقم يعني أن كل المحميات في مصر بلا استثناء مطروحة أمام الأجانب!

الإعلان عن تأجير المحميات جاء في مؤتمر دولي تتويجا للخطوات التي تقوم بها مصر لتشجيع الخصخصة وتمكين رأس المال الأجنبي من العمل وتأمينه، والتأكيد على أن الحكومة المصرية سنت القوانين التي تحقق حرية حركة الاستثمارات الأجنبية وحقها في نقل الارباح ومنحها الاعفاءات التي تضمن تعظيم مكاسبها.

الخطورة السياسية

لا يمكن التعامل مع المحميات على أنها شأن خاص بوزارة البيئة، أو قرار يخص الحكومة ونظام الحكم، فهذا الملف له ابعاد سياسية واستراتيجية ومرتبط بأمن ومصالح الدولة العليا؛ فالمحميات ليس فقط لها قيمة حضارية وثقافية وبيئية، وإنما قضية حدود وسيادة وأمن، ولا يجوز تسليمها للأجانب، وفرض نوع جديد من السيطرة الأجنبيه عليها.

الملاحظة الأهم هي أن معظم المحميات تقع على الحدود ولها أهمية استراتيجية واضحة، ففي سيناء بعد بيع تيران وصنافير وشرم الشيخ للسعودية توجد 5 محميات، منها أربع تطل على خليج العقبة، وتمثل هذه المحميات معظم المثلث الجنوبي لشبه الجزيرة الذي تمتد قاعدته من طابا إلى السويس ورأسه في رأس محمد، وتقع محميتي علبة والعلاقي في الزاوية الجنوبية الشرقية، وتمتد من أسوان وحتى البحر الأحمر، وتقع محمية الجلف الكبير في الزاوية الجنوبية الغربية في منطقة التقاء الحدود مع السودان وليبيا، وتقع واحة سيوة في غرب مصر على الحدود مع ليبيا.

الموقع الجغرافي لهذه المحميات يؤكد أن تأجيرها للأجانب نوع من التحايل والتفريط يفوق في نتائجة الكارثية الخروج من مضيق تيران؛ فتسليم بوابات مصر من كل الجهات إلى شركات أجنبية متعددة الجنسيات غربية وصهيونية نوع من الاحتلال الجديد.

دخول الشركات الغربية على المحميات يعطيهم الحق في استقدام العمالة الأجنبية وشركات الأمن الخاصة، وفتح الباب لدخول المرتزقة من بلاك ووتر وفرسان مالطا والفرق العسكرية السرية لخدمة الاستراتيجيات المعادية وإعادة السيطرة الاستعمارية المباشرة.

تآكل مساحة الدولة

قرار تأجير المحميات يلبي الأطماع الإسرائيلية بدون قتال ويوفر حلا سحريا للرهبان الانفصاليين في جنوب سيناء، ويعطي رهبان الصحراء الغربية الحق في وضع اليد على مساحات ضخمة من الأراضي المحمية.

الإسرائيليون سيسهل عليهم وضع اليد على كل المنطقة الغربية لخليج العقبة والمتمثلة في محميات طابا (3595 كم2) وأبو جالوم (500 كم2) ونبق (600 كم 2) ورأس محمد (480 كم2) لإنهاء الوجود المصري ولتأمين الملاحة في ميناء إيلات، وبالتأكيد لن تفلت منهم محميات الجزر الشمالية بالبحر الأحمر التي تتحكم في مدخل خليج السويس.

 بخدعة التأجير سيستولي الرهبان اليونانيون في دير سانت كاترين على المحمية التي تصل مساحتها إلى 5750 كم2 وهو حلم سعوا لتحقيقه منذ قرون بشتى الوسائل، والعجيب أن قرار تحويل هذه المنطقة الشاسعة عام 1988 إلى محمية كان لمنع أي يد من الاقتراب منها حتى يأتي قرار التأجير اليوم ليأخذوها بكل سهولة.

 ويعتبر رهبان دير الأنبا مقار الذين استولوا على محميتي وادي الريان ووادي الحيتان بالفيوم والذين قطعوا الطريق الدائري الإقليمي ومنعوا الدولة من المرور أكبر الرابحين من هذا القرار، حيث سيتم إنهاء الموضوع بتسليمهم عقدا قانونيا باستئجار مساحة الـ 13 ألف فدان التي استولوا عليها بالقوة بتكلفة رمزية!

التفريط في أرض الذهب

هذه الخدعة الاستعمارية تطرح تساؤلا حول العصابة الدولية التي ستأخذ محميتي علبة ووادي العلاقي؟

من المعروف أن محميتي علبة والعلاقي ليستا من المحميات الطبيعية بالمعنى البيئي فهذه صحراء وجبال الذهب منذ أيام الفراعنة، والتعامل معهما باعتبارهما من المناطق المحمية للحفاظ على الطيور النادرة والحيوانات البرية والنباتات الطبية نوع من التضليل والكذب، وكان الغرض هو منع الاقتراب منها.

التفكير في تأجير صحراء علبة التي تصل مساحتها إلى 35 ألف كم2 ووادي العلاقي الذي تصل مساحته إلى 30 ألف كم2 يفتح الباب لمناقشة ملف الذهب المسروق من هذه المنطقة مثل منجم السكري، ومن هم اللصوص الجدد الذين سيستولون على ذهب المصريين بعقود فاسدة مع وزارة البيئة؟

غزو وليس استثمارا

يبدو أن المكر المعادي لديه الكثير من السيناريوهات لمصر لتحقيق الخطط الموضوعة، ويستخدم الآن سلاح الاستثمار الخارجي للاستيلاء على ممتلكات وأصول وأراضي الدولة المصرية، مستغلا الانهيار الاقتصادي الذي تسببت فيه المؤسسات الدولية كصندوق النقد والبنك الدولي، ومستفيدا من ضعف النظام السياسي الذي استسلم للضغوط الخارجية هربا من الضغوط الداخلية.

في ظل المناخ العام الذي تعيشه مصر فإن الاستثمارات الأجنبية التي تأتي إلينا ليست استثمارات محايدة، وإنما موجهة، لها أهداف غير معلنة، وستظل مصر رغم مواقفها السياسية المنحازة لـ ” إسرائيل” هدفا للتفكيك بانتزاع الجزر والأراضي وبيع الأصول وتأجير المحميات الطبيعية والموانيء والسواحل، وإغراقها بالقروض ورهن كل ما له قيمة حتى تسقط في يد السماسرة والوكلاء والجواسيس، ولا يبقى لها أي فرصة للنهوض إذا تغير الوضع الحالي.

***

تأجير المحميات الطبيعية كارثة جديدة تؤكد أننا أمام عملية فساد وتفريط مخيفة في الأراضي المصرية، وتحول الحكومة إلى أداة عمياء في أيدي المؤسسات الدولية التي تقوم بتوزيع ثروات مصر وكأنها تقسم تركة رجل ميت.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه