تساؤلات مشروعة حول “مشاريع” السيسي

لماذا أصر السيسي على إنشاء مزارع سمكية شرق القناة مباشرة؟ وهي التي ستؤدي إلى زيادة العوائق الطبيعية أمام أي تحركات عسكرية يقوم بها الجيش المصري للدفاع عن سيناء.

الخطأ الجسيم الذي وقع فيه أغلب معارضي الانقلاب العسكري في مصر-  وما أبرئ نفسي- استخدام مقاربات خاطئة لتقييم المشاريع التي شرع عبد الفتاح السيسي في تنفيذها أو الإعلان عنها، منذ انقلاب ٣ يوليو ٢٠١٣ .

فبعيداً عن استهداف السيسي بالسخرية والاستهزاء، نظراً لقدراته المتواضعة وتعبيراته غير المفهومة، فإن جزءاً كبيراً من مقاربات التقييم اعتمدت إما على المقاربة الاقتصادية، ببيان عدم جدوى تلك المشاريع اقتصادياً ( وكثير منه أثبتت الأيام صحته) ، أو المقاربة الدعائية، أي رغبة السيسي في اصطناع عدد من المشاريع توفر له فرصة جيدة للدعاية وترويج الذات ( وهو هدف دونما شك سعى السيسي إلى تحقيقه) .

لكن وبالكشف عن مزيد من المشاريع اكتشفنا أننا بحاجة إلى إعادة تقييم لها بعيداً عن المقاربتين الاقتصادية والدعائية، اللتين يبدو أنهما لم يؤرقا السيسي كثيراً ، بل لعلهما وفرتا له فرصة جيدة للمضي قدماً في تنفيذ مشاريعه ، في ظل غياب رقابة شعبية حقيقية، عقب ” هندسة ” مجلس النواب أمنياً ، والتنكيل بأي عضو تسول له نفسه الخروج عن النص المكتوب.

كما أن إعادة تقييم مشاريع السيسي يجب أن تتم وفق تقييم كلي يحاول الربط بينها برباط تفسيري يخرجها من حالة ” اللامنطقية” الذي تبدو عليه حال تم تقييمها تقييماً منفرداً، خاصة وأن السيسي يسعى جاهداً إلى خلق حالة من ” العبثية” بحديثه المتكرر عن “أهل الشر” واضطراره إلى إخفاء مشاريعه بعيداً عنهم وعن أعينهم!! ثم يفاجأ الشعب المصري بمشاريع لا يجد لها تفسيراً منطقياً بعيدة عن احتياجاته الأساسية ومتطلباته العاجلة، ولا يلمس لها في الوقت ذاته أي مردود اقتصادي.

علامات استفهام حول مشاريع سيناء

الملاحظة الأولية اللافتة للانتباه، أن مشاريع السيسي المثيرة للجدل، تكاد تقتصر على شبه جزيرة سيناء، فقبل حوالي ثلاث سنوات وبعد أسابيع قليلة من توليه السلطة بصفة “رسمية” أعلن السيسي في حفل ضخم بدء حفر ما أسماه قناة السويس الجديدة، ضمن مشروع تنمية محور قناة السويس، وتم الإعلان عن فتح باب المساهمة الشعبية عبر ما عرف بشهادات قناة السويس، التي شهدت إقبالاً كبيراً على شرائها وصلت قيمته إلى حوالي ٦٤ مليار جنيهاً، وتم الانتهاء من حفرها وافتتاحها خلال عام واحد فقط ، بعد أن كان مقرراً لها ثلاث سنوات.

وعلى مدار سنتين من افتتاحها، ثبت عدم الجدوى الاقتصادية للتفريعة الجديدة، بل على العكس فقد شهدت إيرادات قناة السويس انخفاضاً ملحوظاً.

وفي موازاة التفريعة الجديدة ، تم الإعلان عن حفر عدد من الأنفاق أسفل القناة بقيمة ما يقرب من ٤ مليارات دولار!! وأعلن السيسي مؤخراً أن نفقاً جديداً سيتم إنشاؤه في موازاة نفق الشهيد أحمد حمدي الذي يربط جنوب سيناء بمدينة السويس.

كما أعلن السيسي “فجأة” إعادة افتتاح مطار المليز وسط سيناء بعد تجهيزه، لخدمة الطائرات المدنية ، لاستيعاب حوالي  مليون و700 ألف راكب سنوياً.

وقبل فترة وجيزة ، افتتح السيسي مزارع سمكية شرق القناة مع وعد بزيادة المساحات المخصصة لتلك المزارع.

هذه الإطلالة السريعة على مجموعة المشاريع التي خص بها السيسي سيناء ، تفرض عدة تساؤلات مهمة:
  • ما هو الغرض الحقيقي من التفريعة الجديدة؟ في ظل غياب أي دراسات حقيقية عن جدواها الاقتصادية ، ولماذا الإصرار على الإسراع بتنفيذها خلال عام واحد؟ رغم كارثية ذلك إذ أدى إلى زيادة التكلفة دون أي داع!!!
  • كيف سيتم تأمين نقل القوات المصرية من الغرب إلى الشرق حال نشوب أي حرب؟ إذ أدت التفريعة إلى اتساع عرض القناة عما كانت عليه أثناء حرب أكتوبر ١٩٧٣ خاصة وأن منطقة الحفر استغرقت جزءاً كبيراً من مسرح العمليات الذي شهد عمليات العبور نظراً لضيق عرض القناة في تلك المنطقة الممتدة من البلاح شمال الإسماعيلية إلى الدفرسوار جنوبها!!
  • لماذا قرر السيسي فجأة حفر ذلك العدد من الأنفاق بعد أن ظل الاعتماد لأكثر من ٣٥ سنة على نفق الشهيد أحمد حمدي فقط ، إضافة إلى مجموعة من المعديات المنتشرة على طول القناة ، وتتبع هيئة قناة السوييس؟!في ظل إغلاق متكرر ومثير للريبة لكوبري السلام المقام أعلى قناة السويس مقابل مدينة القنطرة غرب.
  • حفر الأنفاق لا يتناسب أبداً ، مع ما تشهده سيناء من حالات نزوح وتهجير قسري منها ، كما أن النشاط الزراعي والاقتصادي داخل سيناء مازال محدوداً للغاية، ولا يحتاج إلى هذا العدد من الأنفاق ، خاصة إذا تم تشغيل كوبري السلام بكامل طاقته ، مما يضع علامات استفهام كبيرة حول الغرض الحقيقي من وراء حفر تلك الأنفاق؟!!!
  • تجهيز مطار المليز أيضاً علامة استفهام كبرى ، إذ يقع المطار وسط سيناء وهي منطقة شبه خالية من السكان ومن العمران ، ولا تحمل أي عوامل جذب سكاني ولا سياحي، تحتاج معه إلى إنشاء مطار مدني!! كما أنه من المعروف أن نسبة ضئيلة جداً من المصريين هي من تستخدم الخطوط الجوية في تنقلاتها داخل مصر !!! فما هو الغرض الحقيقي من وراء الإسراع بتجهيز ذلك المطار؟ ثم أين دراسات الجدوى الاقتصادية الخاصة به؟ وما هي خطط التشغيل المقررة له؟ وكيف سيغطي تكاليف إنشائه؟ وكيف تتحمله الموازنة العامة للدولة في ظل تهالك البنية التحتية في عموم المدن والقرى المصرية؟  أسئلة كثيرة من الصعب أن تجد لها إجابة واضحة في ظل الغموض الذي يلف معظم مشاريع السيسي.
  • مصر تتمتع بسواحل ممتدة على البحرين الأبيض المتوسط والأحمر تصل إلى حوالي ٢٩٠٠ كيلو متر، إضافة إلى عدد من البحيرات كالبردويل والمنزلة والبرلس والسد العالي ، فلماذا أصر السيسي على إنشاء مزارع سمكية شرق القناة مباشرة؟ وهي التي ستؤدي إلى زيادة العوائق الطبيعية أمام أي تحركات عسكرية يقوم بها الجيش المصري للدفاع عن سيناء!!!
  • هل ثمة علاقة بين هذه المشاريع وبين التسريبات التي تحدثت عن عرض السيسي التخلي عن جزء من سيناء لتوطين الفلسطينيين، ضمن مشروع يستهدف إغلاق القضية الفلسطينية؟ أطلق عليه السيسي أثناء لقائه ترمب مصطلح “صفقة القرن”

المفارقة المثيرة للدهشة، أن مشروع المليون ونصف المليون فدان، الذي كان من الممكن أن يحقق فائدة فعلية للمواطن، تعطل بفعل فاعل ، وألقى السيسي باللائمة على الحكومة!! وهو تبرير لا يمكن أن يُصدق؛ إذ يبقى الوزراء مجرد “سكرتارية”  لا يملكون سوى تنفيذ “الأوامر” التي يمليها عليهم السيسي.

التساؤلات السابقة، إذا ما ضممنا إليها توقيع السيسي على اتفاقية مياه نهر النيل مع أثيوبيا، التي تم بمقتضاها التفريط في مياه النيل بكل سهولة، كذلك القرار الكارثي بتعويم الجنيه المصري، الذي تبرأ منه صندوق النقد الدولي لاحقاً، كل هذا يضعنا أمام تخريب ممنهج ومتعمد لمقدرات الدولة المصرية الاقتصادية والاستراتيجية، يتجاوز الحديث عن الانقلاب وتوابعه، إلى حديث أوسع وأخطر من ذلك بكثير.

 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه