تركيا وعاصفة الحزم ضد سورية

عبد القادر عبد اللي*


يستبعد الإعلام الإيراني في تركيا “عاصفة حزم” في سورية، ويمكن تلخيص مبرره بعبارة تقول: “إذا لم تستطع الولايات المتحدة الأمريكية المغامرة بالخسائر الكبرى التي يمكن أن تمنى بها طائراتها في حال الصدام مع طيران النظام السوري، فهل تجرؤ الحكومة التركية والسعودية؟” هذه ليست نكتة، بل ما يرد في أعرق وأكبر الصحف التركية التي تدعي الجدية، وتتهم كل من لا يوافقها الرأي بالتخلف العقلي.
برزت هذه “التحليلات الاستراتيجية العابرة للعبقريات” بعد التفاؤل بحزم سوري يأتي خلف الحزم اليمني، ولم يقتصر الأمر على التفاؤل فقط، بل يشارك كثير من الصحفيين بزرع هذا الأمل وسقايته وتسميده، ولم يقتصر على الصحافة العربية أيضاً، بل تعداها إلى الأمريكية منها، ونشر موقع “هيفنغتون بوست” ما أسماه “تقريراً” حول تحالف تركي سعودي قطري ينفذ “حزماً” سورياً بعد اليمن…
صحيح أن هناك رغبة جارفة بحزم ينهي معاناة الملايين في سورية أو يخففها على الأقل، ولكن هل يمكن أن تتحول الرغبات إلى واقع؟
***
لاشك أن أهمية سورية الاستراتيجية بالنسبة إلى إيران أكبر ليس من أهمية اليمن فحسب، بل أكبر من أهمية خوزستان [الأحواز] بحسب تعبير رجل الدين الإيراني البارز مهدي طائب. وهي المحافظة الإيرانية رقم “35”. يبدو أن هناك لغز بالرقم “35”، فلماذا ليست “32”؟ وما هي المحافظات “32، 33، 34″؟ فالمحافظات الإيرانية بحسب ويكيبديا هي “31” محافظة. والتصريحات لا أهمية لها إلا بالتبريرات، فطائب يرى أن استرجاع إيران لخوزستان في حال خسارتها ممكن، ولكن استرجاع سورية في حال خسارتها لن يكون ممكناً.. وأنا أوافقه الرأي تماماً، فالمجازر وعمليات التطهير العرقي التي تجري في سورية لن تُمحى من ذاكرة السوريين وكثير من العرب. لذلك إذا كان الحزم في اليمن يمكن أن يبعد المشروع الفارسي عن الجزيرة العربية بضع سنين، فإن انتزاع سورية من إيران يعني إبعاد المشروع الفارسي لعقود طويلة، وإذا اكتفت إيران بالصراخ والبكاء واللطم إزاء الحزم في اليمن، فمن المستبعد أن تقف الموقف نفسه في سورية..
من جهة أخرى، ما هو وضع تركيا التي تعتبرها التفاؤلات حجر الزاوية في الحزم السوري؟ وهل تركيا قادرة على إسقاط الوكالة في الحرب الدائرة على الأرض السورية، وخوضها بشكل مباشر؟
صحيح أن لإيران أطماعاً غير خافية في الأناضول، وهي تنشط بحركة تشيّع في هذه المنطقة، وبالتوازي مع هذا النشاط تعمل من خلال بعض المجموعات المختلفة على إسقاط حكومة العدالة والتنمية بتحالف عجيب يجمع “حزب الشعب الجمهوري” الذي ينتمي بحسب الواقع الإجرائي إلى “المجموعة الاشتراكية الديمقراطية”، و”حزب الحركة القومية” الذي ينتمي إلى القومية الطورانية، وجماعة “فتح الله غولان” الإسلامية، والمجموعات الشيوعية التي تساهم مساهمة فعالة بإحداث الضجيج والصخب، وبعض أجنحة الحركات الكردية… هدف إيران المرحلي هو عودة تركيا إلى مرحلة الحكومات الائتلافية، وبقائها ضعيفة غير فاعلة تمكنها من تقوية نفوذها في هذه المنطقة… وتركيا اليوم على أبواب انتخابات برلمانية هامة، ولعلها الأهم في تاريخها لأنها تصادف بعد انتقال رئيس الحزب الحاكم رجب طيب أردوغان إلى رئاسة الجمهورية، ويخوضها رئيس حزب جديد هو داوود أوغلو، يحاول الإعلام الإيراني وصفه “بالرئيس الوكيل”… وفترات الانتخابات دائماً تكون فترات يتجنب فيها الحزب الحاكم إدخال البلد في أي توتر، ولهذا فإن الحزم السوري مستبعد تماماً على الأقل في الفترة الحالية الممتدة إلى حزيران موعد الانتخابات البرلمانية التركية…
***
تمكن حزب العدالة والتنمية في تركيا من تحييد الجيش في سياسة البلد الداخلية، وإذا كان كثيرون يصفون هذا الإجراء بأنه محاولة لفرض ديكتاتورية سياسية بديلة للدكتاتورية العسكرية، ولكن الواقع يقول إن الخطوات التي حدثت باستبعاد الجيش تمت بضغط أوربي، وإن هذه الإجراءات كانت ستتم بحزب العدالة والتنمية أو بغيره، وحتى إنها ستتم لو كانت الأحزاب المتباكية على حكم العسكر في تركيا هي الحاكمة، فالعلاقة التركية الأوربية تفرض معايير ليس أمام تركيا سوى الالتزام بها أو الطلاق البائن مع أوروبا وهذا ما يرفضه السياسيون الأتراك جميعاً على اختلاف تلويناتهم…
ولكن الجيش –مثله مثل أي قوة أمر واقع قائمة- لا يمكن أن يتخلى عن صولته وجولته وحكمه المطلق بسهولة، ولا يختلف الجيش التركي عن غيره من الجيوش، وقد أبدا بعض المقاومة إزاء سحب البساط من تحته بما سمي محاولة انقلاب فاشلة. وإذا كان القضاء التركي قد برأ مجموعة الضباط العاملين والمتقاعدين من تهمة محاولة الانقلاب التي وجهتها الحكومة التركية، فإن المحاولة تنسجم مع المنطق. وعندما يُقال الجيش هنا، فالمقصود هو القوة التي كانت حاكمة بشكل مطلق حتى الأمس القريب، وبالطبع لهذه القوة امتداداتها المدنية والأمنية، وإذا كانت الحكومة التركية قد تمكنت من استبعاد كثير من عناصر القوى الأمنية، فهناك مشوار طويل لاستبعاد العناصر الممثلة للتيار القديم، ولعل الشعار الذي يطرحه الحزب الحاكم “نحو تركيا جديدة” يعبر بشكل من الأشكال عن رغبة هذه الحكومة بتصفية القوى المعارضة للحكم المدني في هذا البلد. وبالطبع فإن المؤيدين للحكم العسكري ليسوا بالضرورة عسكريين، فلهؤلاء امتدادات في الإدارة المدنية، ومخاض “تركيا الجديدة” لن يكون سهلاً وسلساً…
لعل هذا الواقع العسكري هو ما جعل الموقف السياسي التركي منذ اليوم الأول لانفجار الوضع في سورية يطلب الدعم الأمريكي من أجل اتخاذ أي خطوة على الأرض السورية. فالحكومة التركية بحاجة هذا الدعم لتضمن عدم قيام الجيش بأي تصرف ضد ما أنجزته خلال السنوات الثلاث عشرة الأخيرة.
الواقع يقول إن هناك عوامل مختلفة تشكل عوائق لتنفيذ حزم سوري على غرار الحزم اليمني، عوامل داخلية وخارجية تؤثر على القرار التركي في هذا الموضوع.
ومازال القرار الأمريكي هو الحاسم في قرار أي “حزم” في المنطقة

_________________________

*كاتب سوري متخصص في الشأن التركي

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه