تخفيض أعداد المستفيدين بالبطاقات التموينية المصرية

وهكذا يجبر جزء كبير من حاملي البطاقات الحالية على الخروج من المنظومة تدريجيا

مع ارتفاع معدلات الفقر بين المصريين تمثل البطاقة التموينية التي تتيح الحصول على كميات من السلع الغذائية بأسعار مدعمة، عاملا رئيسيا مؤثرا لتحمل صعوبات الحياة المعيشية، وتوفر قدرا من الاحتياجات الغذائية خاصة للأطفال والحوامل.

ورغم العمل بالبطاقات التموينية عام 1945 لمواجهة ظروف ما بعد الحرب العالمية الثانية كإجراء مؤقت، فإنها استمرت حتى اليوم، ودائما كانت نصيحة صندوق النقد الدولي لمصر هي تقليل قيمة الدعم بتلك البطاقات.

وعندما استجاب السادات للصندوق عام 1977 كانت مظاهرات 18 و19 يناير، ما دعاه للتراجع، ومع استمرار ضغوط الصندوق تم تقسيم البطاقات عام 1987 لفئتين: بطاقات خضراء تحصل على دعم كامل وبطاقات حمراء بدعم جزئي.

ومع تولى على المصيلحى مسؤولية التموين عام 2005، سعى لحصر الفقراء بالتعاون مع جهاز الإحصاء، تمهيدا لجعل استحقاق البطاقات التموينية للفقراء فقط، وكان مقررا تنفيذ ذلك بالنصف الأول من عام 2008.

 إلا أن تداعيات الأزمة المالية العالمية ومظاهرات الخبز بمصر دفعت مبارك لوقف المشروع، بل قام بتحويل البطاقات الحمراء ذات الدعم الجزئي لدعم كلى، كما فتح باب قيد المواليد الجدد بالبطاقات التموينية لأسرهم بعد توقفها لسنوات.

لكن ضغوط صندوق النقد الدولي لم تتوقف، فقام المصليحي بإصدار قواعد جديدة لإصدار البطاقات التموينية، ليقصرها على عدد من الشرائح الفقيرة، ووضع حد أقصى لدخل الموظف المستحق للبطاقة التموينية ألف جنيه شهريا وللمعاش الشهري 750 جنيها.

وفى أول فبراير/شباط 2011 وخلال فترة تواجد المتظاهرين بميدان التحرير وكسبا للرضا الشعبي، رفع المصيلحى الحد الأقصى لراتب الموظف للحصول على بطاقة تموينية الى 1500 جنيها والمعاش الشهري الى 1200 جنيها، كما استحدث حدا أقصى لدخل الحرفيين الشهري للحصول على البطاقة التموينية قيمته 800 جنيه.

عودة يلغى شرط الدخل الشهري

واستمرت تلك الحدود القصوى في فترة المجلس العسكري، حتى جاء باسم عوده وزيرا للتموين ما بين يناير/كانون الثاني 2013 الى يونيو/حزيران من العام نفسه، أي لستة أشهر فقط ليعلن في التاسع من مايو/أيار عن قواعد استخراج البطاقات الجديدة من يونيو/حزيران 2013، بإلغاء الشرط الخاص بالدخل البالغ 1500 للموظف و1200 للمعاش و800 للحرفيين.

وبعد استرداد النظام أنفاسه بعد محرقة رابعة العدوية عاد اللواء شرطة محمد أبو شادي أول وزير تموين بعد الانقلاب، ليعلن في ديسمبر 2013 الاستمرار بشروط الحد الأقصى للدخل التي وضعها على المصليحي عام 2011 عند استخراج البطاقات التموينية، مع بدء تنقية البطاقات التموينية من غير المستحقين.

وكان خالد حنفي وزير التموين الذي جاء في فبراير/شباط 2014 أكثر اقترابا من تنفيذ مطالب صندوق النقد الدولي، لتقليل دعم البطاقات وتحويله من عيني الى نقدي، حيث بدأ منظومة جديدة للسلع التموينية تجعل الدعم شبه نقدي، من خلال تخصيص مبلغ 15 جنيها للفرد ليقوم بشراء سلع محددة بأسعار تقترب من سعرها بالسوق.

واستمر بتنقية البطاقات من غير المستحقين، مع تشكيل لجنة من عدد من الوزارات لوضع شروط استحقاق البطاقات، وأعلن في يوليو/تموز 2014 الاستمرار في الحد الأقصى للدخل الشهري الذي وضعه المصيلحى عام 2011 دون زيادة.

 ومع عودة على المصيلحى لوزارة التموين في فبراير/شباط الماضي كان عليه الاستجابة لمطلب الصندوق، خاصة وأن مواصلة الصندوق دفع أقساط قرضه لمصر مرهون بتنفيذها لخفض الدعم للمشتقات والكهرباء والمياه والغذاء.

 إعادة الشروط نفسها

واستمر المصيلحى في تنقية البطاقات من غير المستحقين وأعلن عن شروط استخراج بطاقات تموينية جديدة، فإذا به يضع نفس الحد الأقصى للدخل الذي كان قد وضعه في فبراير/شباط 2011 من دون زيادة، وهو 1500 جنيه للموظف بالحكومة والقطاع الخاص و1200 جنيه للمعاش و800 جنيه للحرفيين، رغم مرور ست سنوات ونصف زادت الأسعار خلالها كثيرا وزاد عدد الفقراء.

وكان أكثر ذكاء، فبينما كان أصحاب البطاقات السارية مطمئنين إلى أن تلك القواعد لا تسري عليهم، إذا بالقرار الجديد يشترط خضوعهم للشروط الجديدة في عدة حالات، منها من يعدلون بيانات بطاقاتهم كإضافة مواليد، ومن ينفصلون عن بطاقات قائمة كالاستقلال بالمعيشة، وعند استخراج بدل فاقد أو تالف للبطاقات، وعند إعادة قيد بطاقة موقوفة، وعند تحويل البطاقة من بقال لآخر أو من مكتب تمويني لآخر أو من محافظة لأخرى.

وهكذا يجبر جزء كبير من حاملي البطاقات الحالية على الخروج من المنظومة تدريجيا، كما جعل توقيت صدور قراره الأخير بشروط استخراج البطاقات 24 من يونيو/حزيران بينما نشر بالوقائع المصرية في الثامن من أغسطس/آب، وكانت مهلة تجديد بيانات البطاقات تنتهي منتصف يوليو/تموز الماضي، ما يعنى تطبيق القواعد الجديدة على كل من تقدم بتجديد بياناته قبل منتصف يوليو/تموز.

ويؤكد الاستجابة لمطلب الصندوق لتقليل عدد حاملي البطاقات التموينية، أنه بالحادي والعشرين من يونيو/حزيران الماضي أعلنت الحكومة حزمة إجراءات اجتماعية تتكلف 75 مليار جنيه، تضمنت رفع مخصص الفرد بالبطاقات التموينية من 21 جنيها إلى 50 جنيها بتكلفة 38 مليار جنيه.

ولأن موازنة العام المالي الحالي 2017/2018 قد تقديمها للبرلمان في مايو/أيار الماضي، فقد كان المفترض أن تزيد مخصصات الدعم بها بنفس قدر تكلفة حزمة القرارات الاجتماعية، لكن القرار الجمهوري بالموازنة الذي صدر في يوليو/تموز الماضي لم يتضمن أية زيادة بمخصصات الدعم، ما يشير إلى تعويض تلك الزيادة من خلال تقليل عدد المسجلين بالبطاقات التموينية في العام المالي الحالي. 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه