تحويلات العمالة المصرية الأولى بموارد العملات

وإذا كانت وزارة الخارجية المصرية قد قدرت عدد المصريين بالخارج بنحو 9.5 مليون مصري، فهو عدد تقريبي لا يستند الى إحصاء دقيق.

 أظهرت بيانات البنك المركزي المصري عن الشهور التسعة الأولى من العام المالي الحالي، تصدر تحويلات العمالة المصرية بالخارج على موارد العملات الأجنبية من كافة القطاعات، وهو وضع كان موجودا أوائل التسعينات من القرن الماضي، لتصل قيمتها 19.5مليار دولار بالشهور التسعة بنسبة 23 % من مجمل الموارد.

أي أن تحويلات العمالة تفوقت على حصيلة الصادرات السلعية البترولية وغير البترولية معا والبالغة أقل من 19 مليار دولار، وبلغت حوالي ثلاثة أضعاف حصيلة السياحة، وثلاثة أضعاف الاستثمار الأجنبي المباشر بمصر، وحوالي خمسة أضعاف عائدات المرور بقناة السويس.

 وكان الفرق شاسعا بين قيمة تحويلات العمالة الخاصة، وبين التحويلات الرسمية المتمثلة في المعونات من الدول والمؤسسات الدولية، والتي بلغت 93.5مليون دولار فقط.

ولا يتمثل الفرق بين تحويلات العمالة وبين باقي أنواع الموارد في ارتفاع القيمة فقط، بل أيضا في تكلفة تلك الموارد على مصر، فشراء الأجانب لأذون الخزانة المصرية يتكلف دفع فائدة تصل إلى 18 % لهم، والاقتراض الخارجي في صورة إصدار سندات خارجية يتكلف فائدة تتراوح نسبتها بين 5 % إلى 8.5% حسب مدة تلك السندات والتي تصل إلى ثلاثين عاما.

كما تتضمن حصيلة الصادرات السلعية تكلفة تمثل حوالي 60 % من قيمتها عبارة عن مكونات مستوردة، ويتكرر الأمر مع حصيلة الخدمات السياحية التي بها مكون أجنبي كما يحصل الأجانب على جانب منها نظير إدارتهم أو ملكيتهم لمنشآت سياحية أو شركات طيران أجنبية، كما يقوم الاستثمار الأجنبي المباشر باستيراد مكونات أجنبية وكذلك يحول أرباحه السنوية خارج البلاد.

الرقم الحقيقي للتحويلات أكبر

ولا تكلف تحويلات العمالة الاقتصاد المصري سوى رسوم التحويل لمصر، والتي يقوم بعضهم بسدادها مقدما، مما يشير إلى كونها موردا بلا تكلفة على الاقتصاد، ومن خواص تحويلات العمالة أيضا أنها المورد الوحيد الذي تتجه حصيلته لبسطاء المصريين مباشرة، بينما تحصل الحكومة على الإيرادات البترولية وحصيلة المرور بقناة السويس، ويحصل أصحاب الشركات من المصريين والعرب والأجانب على حصيلة الصادرات أو الإيرادات السياحية أو عائدات الشركات الأجنبية.

ونظرا لعدم نشر البنك المركزي المصري لجهات ورود تلك التحويلات منذ سنوات، فقد حدد البنك الدولي جهات ورود تلك تحويلات العمالة المصرية بالعام الماضي من 62 دولة، استحوذت بلدان الخليج العربي على 73% من مجملها، وتصدرت السعودية تلك الحصيلة بنسبة 39 %، وهو ما يتسق مع كونها الأكبر في عدد العمالة المصرية بالخارج بنحو 2.9 مليون مصري، حسب بيانات وزارة الخارجية المصرية.

ويأتي بعد السعودية كل من: الكويت بنسبة 16 % من قبل نصف مليون مصري بها، والإمارات 10 % من قبل 765 ألف مصري هناك، والأردن 6.5 % من قبل 1.5 مليون مصري هناك، وبالمركز الخامس قطر بنسبة 5 % من قبل 230 ألف مصري يعملون بها، وجاءت إيطاليا بالمركز السادس من قبل 560 ألف مصري بها، تليها لبنان والبحرين وكندا وأستراليا وسلطنة عمان.

وتتمثل التحويلات التي يرصدها البنك المركزي المصري في قيمة التحويلات التي تتم عبر الجهاز المصرفي بمصر، لكنه لا يرصد التحويلات التي يقوم المصريون بالخارج بإرسالها مع أصدقائهم العائدين لمصر في إجازات، أو يجلبونها معهم خلال عودتهم.

 كما لا تتضمن قيمة الهدايا التي يرسلها المصريون لذويهم أو يجلبونها بصحبتهم خلال عودتهم، مما يجعل الرقم الحقيقي لتحويلات العمالة أكبر مما يتم نشره.

الإسهام في استقرار سعر الصرف

وإذا كانت وزارة الخارجية المصرية قد قدرت عدد المصريين بالخارج بنحو 9.5 مليون مصري، فهو عدد تقريبي لا يستند الى إحصاء دقيق، ولهذا ترى وزارة الهجرة والمصريين بالخارج أن العدد أكبر من ذلك، والذي يصل إلى 12 مليون شخص، حسب تقديرات حكومية مصرية.

وأيا كان الرقم فإنه يعنى تكفل المصريين بالخارج برعاية ملايين الأسر المصرية، إذ يقوم رب الأسرة أو أحد أبنائها بإرسال مدفوعات دورية لها، عادة ما تكون شهرية، بما يكفل لها الإنفاق على المعيشة بمختلف صورها من طعام وشراب وصحة وتعليم وترفيه وادخار، الأمر الذي خفف الأعباء المعيشية عن تلك الأسر مع الغلاء الفاحش، الذي حل بمصر مع الإجراءات الاقتصادية التي تتم بالسنوات الأخيرة، كما ساهم جزئيا في وجود حركة مبيعات بالأسواق التي تعاني من الركود، كما ساهمت في رواج سوق الدروس الخصوصية.

وتمثل تحويلات المصريين رقما مهما يسهم في استقرار سعر الصرف داخل البلاد، حيث تقوم الأسر المتلقية للأموال بتحويلها للجنيه المصري لسداد الأعباء المعيشية، كما يمثل موسم إجازات المصريين بالخارج صيفا وعودة كثير منهم للداخل، رواجا لأسواق متعددة منها سوق الأثاث وشراء الشقق والسيارات.

تحويلات مصرية إلى 46 بلدا

ورغم كبر حجم تحويلات المصريين بالخارج فإنها ما زالت تفتقد إلى مشروع استثماري كبير يستوعبها، مثلما فعلت بلدان آسيوية، مما جعل جانبا كبيرا منها يذهب للهدايا والمجاملات، كما يعد بناء منزل مستقل للأسرة أحد الأهداف الرئيسية للمصريين المغتربين، بما يلزمه من شراء الأرض اللازمة لبناء المنزل، وتنشيط لسوق مواد البناء.

وكما تستقبل مصر تحويلات من الدول التي يعمل بها المصريون بالخارج، تخرج منها تحويلات من العمالة الأجنبية العاملة بمصر إلى أسرهم خارج مصر، بلغ مجموعها بالعام الماضي حسب البنك الدولي 400 مليون دولار اتجهت إلى 46 بلدا، كان أعلاها إلى سوريا بنحو 45 مليون دولار، تليها الضفة الغربية وغزه بنحو 44 مليون دولار، ولبنان 38 مليون والأردن 37 مليون وفرنسا 26 مليون دولار، إلى جانب تحويلات إلى كل من: نيجيريا وقطر والسعودية واليمن والعراق وألمانيا، وهو ما يشير إلى تعدد جنسيات العمالة الأجنبية بمصر، وهو ما يظهر من وجود تحويلات خارجة إلى إندونسيا والولايات المتحدة وإيطاليا والهند والفلبين والصين وتايلاند أيضا، سواء من قبل خبراء وفنيين أو من قبل عمالة بسيطة مثل الشغالات الفلبينيات أو بائعات الملابس الصينيات ونحو ذلك.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه