تجميد التنظيم..هل يفعلها الإخوان؟!!

 

عصام تليمة*
أثيرت في الفترة الأخيرة فكرة: لماذا لا تلجأ جماعة الإخوان إلى تجميد التنظيم في مصر، وقد أثارها الدكتور جمال عبد الستار، وطرح نفس الفكرة تزامنا معه بعض دعاة وباحثي الإخوان المسلمين، وقدم كل منهم ورقة بذلك للجماعة لمناقشتها، واتخاذ ما يرونه حيالها، وكعادة بعض قيادات الإخوان الذين لا يتركون أمراً دون تصريح، وكأنهم سدنة المعبد، وحراس القلعة، يصرحون بتصريحات وردود غير مدروسة على أي فكرة تطرح، دون دراسة لما لها أو عليها، تقول بعد تصريحات المصرحين في نفسك: ليته سكت، وأبدأ بعرض الفكرة، ووجهة نظر أصحابها، حتى توضع الأمور في نصابها، وتأخذ حقها من النقاش الفكري والإنضاج.
تنطلق الفكرة مما وصل إليه الحكم العسكري في مصر بعد هذا الفُجر والعنف خارج القانون الذي يمارسه، والسكوت التام من الدول الإقليمية والدولية حول ممارساته، أصبح النظر ضروريا في أمر كيفية تعامل الجماعة مع هذه التطورات بتصور جديد، كانت حجة من نادوا بتجميد التنظيم في مصر وليس حله، وأنه لا يوجد في مصر تنظيم للإخوان، وأن الحراك في مصر تحول لتيار شعبي، له كل خياراته المتاحة الملتزمة بنصوص الشرع، ومقاومة الظلم بكل ما هو متاح، وأن كل الخيارات مفتوحة أمام الشباب، فلم تعد لدينا القدرة على إقناع أولياء الدم عن الصمت عن دماء أبنائهم وأهليهم، ولم نعد نجد خطابا مقنعا من شرع أو قانون، أو حراك دولي، يجعل الناس تصمت وتصبر لنيل حقها، بعد هذا الصمت المطبق من الجميع، ولذا رفعا للحرج عنا، ولأي مسؤولية تجاه الجماعة، فقد تم تجميد التنظيم في مصر.
فإذا كانت مصر تحكمها عصابة، فلم يعد أمام الناس من خيار، سوى الدفاع عن النفس، وليس البدء بالعدوان، فيتعامل هذا التيار بكل الممكنات له، عندما يتدخل القانون الدولي والمحلي، نستطيع أن يكون لنا دور في إطاره، أما خارج إطار القانون فلا نستطيع أن نقوم بأي دور لكبح جماح أولياء الدم، والمغتصبات، والقتل بشكل ممنهج. وأن يعرف العالم بأسره، أن الجماعة كانت صمام أمان ضد انجراف الشباب وغيرهم للعنف، وضد انجرارهم لرد فعل يجعل البلد كله بركة من الدم، فإلى متى تظل الجماعة هي التي تواجه أولياء الدم، وتواجه كل مظلوم بأن عليه الصبر، فلتترك كل صاحب حق، يواجه كل طاغية بما يروق له، لسنا مخولين بأن نكون ملكيين أكثر من الملك، إذا كان النظام المجرم يظن أنه يستطيع أن يمارس العنف بصمت مريب من العالم، وأنه سيكون بمنجى من هذا العنف، فهو واهم، وليعلم أن الحاجز الوحيد بين جر البلد لهذا المصير هو الإخوان، أما وقد صارت وزارة البلطجة (الداخلية) تكتب أرقام هواتف لمن يعلم أحدا من الإخوان ليبلغ عنه، لتحول المجتمع لحرب أهلية، فلنفوت الفرصة عليهم، فلم يعد هناك تنظيم للإخوان، تفضلوا واجهوا العنف الصريح الذي يعلن عن نفسه، إن كانت لديكم الشجاعة كدولة، وقتها ستكون الصورة كالتالي: نظام سفاح، يقابل بتيار عام من الشعب يرفض إراقة دمه دون عقاب من القانون، سواء قانون المحكمة، أم قانون السماء.
هذا مجمل الفكرة، ولكن لها سلبيات، أذكرها كذلك من خلال نقاشات الإخوان أنفسهم، أن ذلك سيدفع البلد لحرب أهلية، ونحن لا نقبل بأن نكون طرفا سلبيا فيها، نترك فيها أطراف المجتمع الذي نستهدفه بثوتنا تتصارع، وأن ذلك بمثابة إعلان هزيمة، ووصولك للمربع الذي يريده، تدفع للسرية والعمل تحت الأرض، وأن تحويل الحكم العسكري للمهشد لعنف وخارج إطار القانون لا يواجه بمثل هذا الحل، إلى ملاحظات أخرى، لكن هذه أقواها.
بقيت نقطة مهمة بعد عرض وجهتي النظر: وهي إصرار بعض قيادات الإخوان وحرصها على الوقوف ضد كل تجديد في وسائل الجماعة، من حيث المبدأ، فهو أمر خطأ تماما، على الجماعة أن تفتح صدرها لكل فكرة مهما كانت جديدة، أو فيها شيء من المغامرة، فهكذا كان حسن البنا، ولم تتخلف الجماعة في بعض أمورها إلا بهذا المبدأ، فقد مرت جماعة الإخوان من قبل بنفس التجربة، عندما أقدم النقراشي على حل جماعة الإخوان المسلمين بتاريخ: 8 ديسمبر سنة 1948م، خرج حسن البنا مرشد الجماعة وأعلنها: لست مسؤولا عن أي حدث يحدث، فلم يعد للجماعة كيان يسمع له الناس وتطيع، أو يوجه له اتهام تحاسب عليه الجماعة. كما أن البنا عندما ضيقت عليه الدولة أيام الملك فاروق جلس يفكر ويدرس الحلول المناسبة لذلك، ومنها: دراسة التجربة الحزبية في بريطانيا ليفصل بذلك بين الدعوي والحزبي، رغم موقفه المعروف من الحزبية.
أما قرار الإخوان في ذلك، فهو متروك بداخلها للنقاش والحوار، وبعد أن خرج للعلن، بقي أن يشارك في ذلك شركاء الثورة من كل الأطياف، فلم تعد جماعة الإخوان ملكية خاصة، بل هي ملكية عامة، في كل شأن من شؤونها يعود تأثيره على المشهد، ثم بعد ذلك تقرر الجماعة ما تراه خيرا لها ولمصر والثورة قبلها.
__________________

* من علماء الأزهر

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه