بين جعجعة المنجل وطحن المطرقة في تركيا

قصة الحزب الشيوعي المؤمن بالقومية الفارسية والذي قال زعيمة: “سنصلي وراء الأمام الخامنئي أنا والأسد والمالكي في جامع السلطان أحمد بمناسبة النصر في سورية وإسقاط إردوغان

عبد القادر عبد اللي

لرئيس الحكومة التركية الأسبق “مسعود يلماظ” قليل جداً من المآثر، لأنه جاء خلفاً لزعيم سياسي شكّل علامة فارقة في التاريخ السياسي التركي هو طورغوت أوزال، وحكم باسمه، وكان ظلاً له، ولكن من مآثره القليلة جداً مقولته: “اليسار التركي يقدم كثيراً من المبدعين، ولكنه لا يقدم سياسيين”. بالطبع فإن أهم كتاب تركيا ينتمون إلى اليسار بدءاً من الشاعر ناظم حكمت وصولاً إلى الروائي الراحل مؤخراً يشار كمال، ومروراً بعدد هائل من الكتاب في ميادين الأدب كافة ولعل أشهرهم الساخرين عزيز نسين ومظفر إزغو، ولكن لابد من التنويه إلى أن هؤلاء المبدعين لم يستمروا بالعمل السياسي الحزبي، وهجروه، وبقوا في حدود العمل الإبداعي. هل قدم اليسار التركي سياسياً متميزاً؟ يمكن للبعض أن يصنفوا بولند أجاويد من خلال قيادته لحزب الشعب الجمهوري، ولكن هذا الحزب على الرغم من انتمائه رسمياً إلى يسار الوسط، فهو حزب يمزج بين القومية والاشتراكية الديمقراطية بمفهوم غائم، وهو أقرب إلى الأحزاب القومية العربية كالبعث والناصرية، المقصود باليسار هنا هم الشيوعيون باتجاهاتهم الثلاثة السوفيتية والماوية والخوجوية (نسبة إلى أنور خوجا زعيم الحزب الشيوعي الألباني)…
تعرضت الأحزاب الشيوعية التركية لانقسامات عديدة كما جرى لمثيلاتها العربية، وجاء انهيار الاتحاد السوفيتي، ليحوّل هذه الأحزاب إلى مجموعات صغيرة غير فاعلة دخلت مرحلة الذوبان التدريجي. وبعد التحوّل الديمقراطي الذي شهدته تركيا في العقد الأخير، وبناء الأكراد أحزابهم الكردية، ازداد اضمحلال هذه المجموعات التي كان الكرد يشكل نسبة كبيرة من أعضائها.
دخلت غالبية تلك المجموعات في العمل السياسي القانوني متخلية عن الكفاح المسلح، وبما أن أعداد غالبيتها لا تسمح بتأسيس حزب سياسي لأن تأسيس الأحزاب يتطلب حداً أدنى من الأعضاء، فقد شكلت بعضها قاعدة سياسية من عدة مجموعات لتتمكن من تأسيس حزب سياسي على قاعدة شيوعية.
لعل أشهر هذه الأحزاب جميعها حزب العمال الذي يترأسه ضوغو بيرنتشك، وقد غير اسمه في مؤتمره العادي الأخير عام 2015 إلى حزب الوطن، ولدى هذا الحزب مجلة، ومحطة تلفزيونية، وعدد أعضاء يفوق أي حزب شيوعي آخر في تركيا. وهناك من يصنف هذا الحزب “شيوعي-قومي”! ولكن قوميته تشبه إلى حد كبير قومية الأحزاب العربية، بالدفاع عن المشروع القومي الفارسي بقيادة الإمام الفقيه، ولعل زعيم هذا الحزب أكثر جرأة من زملائه العرب فمن أهم تصريحاته التي أدلى بها قبل أكثر من عام بقليل: “سنصلي وراء الأمام الخامنئي أنا والأسد والمالكي في جامع السلطان أحمد بمناسبة النصر في سورية وإسقاط إردوغان”، وبالطبع فإن ما يسمى إعلام المقاومة يحتفي جداً بتصريحات هذا الزعيم السياسي. لهذا الحزب سفير (ممثل) في دمشق. من يسمع تصريحات زعيم هذا الحزب يعتقد بأنه سيكون الحاكم في أول انتخابات برلمانية قادمة. يظهر بأنه أكثر الأحزاب التركية جميعها (يمين ويسار) ثقة بالنفس، فهو في مقولاته كلها يعلن أنه سيكون الفائز الأول في أول انتخابات قادمة، وقد حصل في آخر انتخابات محلية أجريت عام 2014 على نسبة 0,25%.
هناك الحزب الذي يستخدم الاسم التقليدي “الحزب الشيوعي في تركيا” وهو أيضاً مجموعة تلتف حول مجلة حصل في انتخابات نفسها على نسبة 0,11%، أي لو انتخب مراقبو صناديقه فقط لحصل على أكبر من هذه النسبة. وهناك حزب الشعب والمساواة الذي حصل على النسبة نفسها أيضاً. ولكن حزب الحرية والتضامن وهو يضم عدة مجموعات شيوعية حقق نسبة أفضل بقليل هي 0,12%، ولم يتمكن حزب الحق من تجاوز عتبة الخانتين بالألف، وبقي في حدود 0,8% في الانتخابات الأخيرة المذكورة، وهناك حزب العمل وحزب التحرر الشعبي اللذين لم يحظيا بأية نسبة تذكر. ولم تحظ هذه الأحزاب مجتمعة بنسبة 1% في أية انتخابات.
إضافة إلى هذه الأحزاب هناك تنظيم شيوعي ستاليني غير مرخص، ويعتبر بحسب التصنيف التركي تنظيماً إرهابياً لأنه يعتمد على الكفاح المسلح من أجل الوصول إلى السلطة، وهو جبهة وحزب التحرر الشعبي. يعتبر هذا الحزب وريث تيار يساري كان قوياً في السبعينيات هو “اليسار الثوري”، وقد أسس هذا التنظيم ضرصون قراطاش، ولكن بعد وفاة المؤسس تشظى التنظيم، ولم يبق له أثر، ولم يُشهد له نشاط حتى مطلع عام 2012، مع انفجار الوضع السوري، ومن الملاحظ أن اثنتين من عملياته العسكرية التي نفذها في هذه الفترة وهما التفجير الانتحاري في طابور للمواطنين الذين يطلبون تأشيرة دخول إلى الولايات المتحدة، والذي راح ضحيته حارس تركي، وعملية قتل وكيل النيابة (المدعي العام) قد شارك بهما أخوان، ولعل هذا دليل على عدم وجود شبكة كبرى لهذا التنظيم.
هناك تنظيم شيوعي آخر محظور يسمى “المستعجلون” (قضايا تركيا المستعجلة)، وطالما حدث اللبس بين اسم هذا التنظيم وتنظيم جبهة وحزب التحرر الشعبي الثوري، لأنهما يحملان الاسم نفسه بالتركية وبرؤية ترجمة مختلفة إذا يسمى المستعجلون “جبهة وحزب التحرير الشعبي”، بإضافة كلمة “المستعجلون” إليها. وفرط عقد هذا التنظيم تماماً في تركيا إلى درجة عدم مطالبة السلطات التركية بقياداته المقيمة في مدينة اللاذقية عندما بدأ بملاحقة القيادات الشيوعية والكردية في سورية إبان اتفاقية أضنة بين الحكومة التركية ونظام حافظ الأسد، وهو التنظيم نفسه الذي بدأ العمل بعد الثورة السورية باسم: “جبهة تحرير لواء اسكندرون”، ويرأس هذا التنظيم صهر الأسرة الأسد المالكة في سورية “مهراج أورال” وقد أخذ اسماً عربياً: “علي الكيال” ومنح رتبة عسكرية هي لواء، والعملية الوحيدة التي نسبت إلى هذا التنظيم هي عملية تفجير بلدة الريحانية قرب الحدود السورية.
يشترك إعلام الممانعة والثورات المضادة في البلدان العربية بالنفخ في هذه الحركات، ونشر أخبارها ونضالها ضد ما يسميه الديكتاتورية الأردوغانية، وبالمقابل تهتم المواقع الإلكترونية لهذه الأحزاب بأخبار الممانعين وأصحاب الثورات المضادة في كل مصر وتونس واليمن، وتدعم احتلال الولي الفقيه لكل من سورية والعراق، وبإمكانها إحداث صخب أو ما يسمى بحسب المثل العربي “جعجعة” كما في المثل القائل: “أسمع جعجعة ولا أرى طحناً”.
______________

* كاتب سوري مقيم في أنقرة

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه