بير العبد …وبير الخيانة

لم تشهد مصر حادثا دمويا مأسويا انتهكت فيه قدسية الصلاة وحرمات بيت الله، كما حدث في مذبحة مسجد الروضة التابعة لمدينة بئر العبد في سيناء، والذي راح ضحيته أكثر من ثلاثمائة شخص من الأبرياء وعشرات من الجرحى.

لا يقدم على هذا الفعل من له بقية من إنسانية أو من له أدنى صلة بالأديان والإيمان، ومع استغراب البعض أن تصل الخيانة المباشرة أو التواطؤ إلى هذا القعر الخسيس أحببت أن أضع بين أيديكم هذه الأمثلة التي تذكر بأنها ليست، (سنة أولى خيانة) وأن القوم بنوا تاريخهم عليها وسطروا صفحاتهم بحبرها الأسود.

الانقلاب على كبيرهم

كانت ضربة البداية في محمد نجيب الذي قبل أن يضع اسمه ورتبته تحت تصرفهم لتنجح حركتهم فاعتقله الضباط الصغار لتبقى وصمة صغار على جبينهم فسجنوه في صحراء المرج وتناوبوا على التنكيل به ومحو تاريخه؛

وفعلوا ذلك مع كل من كانت له به صلة أو من رفض تشبثهم بالسلطة وانقلابهم على مبادئهم التي أعلنوها أول الأمر.

وجاء في مقدمة هؤلاء البكباشي يوسف صديق صاحب الدور الأكبر في نجاح انقلاب 23 يوليو. حيث اعتقله زملاؤه (الضباط الأحرار)، لأنه نادى بعودتهم إلى ثكناتهم وعودة الحياة السياسية ومنعوه من أي عمل مدني أو أي دور سياسي حتى مات، وكذلك فعلوا مع العقيد أحمد شوقي قائد الكتيبة 13 مشاة وأعلى رتبة في ضباط يوليو بعد اللواء نجيب.

ثم حلوا الأحزاب وعطلوا الحياة السياسية وبعدها حلوا جماعة الإخوان المسلمين وسجنوهم، وساموهم سوء العذاب وحسب رواية اللواء جمال حماد أحد ضباط يوليو وكاتب البيان الأولفجمال عبد الناصر كان منتميا للإخوان المسلمين ومبايعا لهم وأقسم على المصحف والمسدس!

‏ثم أرغم جمال عبد الناصر الرئيس محمد نجيب على تعيين صديقه عبد الحكيم عامر وزيرا للحربية وتمت ترقيته من رتبة رائد إلى مشير وسلمه قيادة الجيش من 1954م وهو من دون خبرة سابقة ولا مؤهلات لاحقة فكانت الهزيمة الماحقة في1967م

وذكر اللواء جمال حماد أيضا أن عبد الحكيم عامر كان الحاكم الفعلي في مصر بداية من 1962 حتى جاءت هزيمة 1967 فكانت فرصة عبد الناصر للتخلص من رفيق عمره وشريك دربه وفارق المشير عامر الحياة مسموما

ويذكر حسين الشافعي أحد ضباط يوليو والذي عمل نائبا لرئيس الجمهورية في عهدي عبد الناصر والسادات، في شهادته على العصر أن هزيمة 1967م كانت بمؤامرة خارجية وخيانة داخلية، وقد عينه عبد الناصر رئيسا للمحكمة العسكرية التي حاكمت شمس بدران وزير الحربية، وصلاح نصر رئيس المخابرات مع بقية أذرع عبد الحكيم عامر التي بترها عبد الناصر وقدمهم للمحاكمة بعدما تخلص من المشير وتأكد من خيانتهم وعدم ولائهم له.

ثم خلف أنور السادات جمال عبد الناصر في الحكم، وأصر على التدخل في سير معركة 1973م، وإدارتها على الأرض وكان آخر عهده بالجيش رتبة نقيب، بعد أن فصل من الخدمة وعاد إليها قبل انقلاب 23 يوليو، فقلل تدخله من حجم النصر.

اتفاقية العار

ثم قضى على ما تبقى منه باتفاقية العار”كامب ديفيد”،  التي تعتبر الخيانة العظمى في تاريخ العسكر وهي التي أسست لما تلاها، ولم ينجح الفريق سعد الشاذلي قائد الأركان المحترف وأبرز من أنجبتهم العسكرية المصرية، صاحب خطة الانتصار في حرب أكتوبر في أن يحول بين السادات وبين القيادة الميدانية حفاظا على ما تحقق من انتصار ثم عزله السادات بعدها وعينه سفيرا!

ولما اعترض علىكامب ديفيد واستقال واختار اللجوء الى الجزائر حكم عليه السادات بالسجن غيابيا، وكان الفريق سعد الشاذلي الرئيس المباشر لحسنيمبارك في حرب 73، ومع ذلك بعد مقتل السادات وتولى مبارك للحكم رجع الشاذلي إلى مصر فسجنه مبارك تنفيذا للحكم الجائر الصادر أيام السادات!

أما ما نحياه الآن بعد انقلاب 3 يوليو 2013، فنأمل أن يكون الحلقة الأخيرة في الانقلابات العسكرية ويتوقف به مسلسل الخيانة حيث كانت كلمة السر فيه، بها بدأ وعلى دمائها يتغذى، بل أصبح السيسي يسابق الزمن، ليعوض ما فات أسلافه أو عجزوا عن تحقيقه، واستطاع وضع اسمه في الخانة التالية لكامب ديفيد من خلال التفريط في مياه النيل ثم بيع تيران وصنافير، والتعامل مع أهل سيناء بسياسة التفجير والتهجير، من دون أن يتعظ بمصير من سبقوه الذين سقطوا في بئر الخيانة.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه