انقلاب زيمبابوي.. الطغيان أصل المفاسد

الطغيان مصدر كل المفاسد والشرور، يقود إلى الغزو والاحتلال، ويتسبب في الانقلابات، ويمهد الأرض للتطرف والارهاب، وصدق من قال إن السلطة المطلقة مفسدة مطلقة. هذه المعادلة مجرّبة، وعاشها العالم قديماً، وحديثاً، ولا يزال يعيشها، ولن تتوقف ما لم يتوقف الطغيان بكل أشكاله، وانقلاب 15 نوفمبر 2017 في زيمبابوي أحدث تجلياتها.

الطغيان يقود للغزو

طغيان صدام حسين قاد إلى غزو العراق، لم يكن الغزو مبرراً قانونياً أو سياسياً أو أخلاقياً، لكن مسار الطغيان أنتج في النهاية حالة عراقية شبه مثالية لتنقض عليها أمريكا المهانة من 11 سبتمبر 2001 رغم المبررات الكاذبة للعدوان.

 وطبيعة الحكم الطالباني المتخلف في أفغانستان، وتحالفه مع القاعدة، وهو تنظيم عنف نتاج كهوف “تورا بورا” جعل هذا البلد أيضاً فريسة ابتدأت بها أمريكا شهوة الانتقام الأعمى، والطغيان الذي تسبب في احتلال بلدين مسلمين أنتج طغياناً جديداً فيهما.

طغيان بشار الأسد جلب الغزاة المحتلين لسوريا من كل أنحاء العالم دولاً وأفراداً وتنظيمات دموية، وعلى رأسها الداعشية، وهم جميعاً جلبوا معهم الخراب والموت، سوريا حالة مثالية للنتائج التي يخلّفها الطاغية الذي يعشق ذاته إلى حد الهوس المرضي، ولا يعنيه بلده ولا شعبه، إنما يعنيه صولجانه، وسحق الآخرين إذا اقتربوا منه، انتهت سوريا، وحتى تقف، ولو على قدم واحدة، فإنها بحاجة لمعجزات، وهناك شكوك حول زوال طاغيتها، أو الخلاص من طغاتها الجدد. وبلدان أخرى تحررت من طواغيتها، لكن ظهر سلسال جديد لهم، وبأشد منهم، كما في اليمن وليبيا، وهم أيضاً جلبوا الغزاة والمحتلين، ودولهم عادت قروناً إلى الوراء.

كل الإمبراطوريات والممالك والدول على مدار التاريخ في مختلف أرجاء الأرض ضعفت وهُزمت وتفككت وزالت بسبب طغاتها، والدين لا يكون حامياً طالما استُخدم لتسويغ استعباد الناس وسحقهم، وقد سرى على الإمبراطوريات الإسلامية ما جرى على أقرانها من غروب الشمس عنها، وتداعي أمم جديدة عليها تلتهمها وتحتلها، وكانت النهاية مع الدولة العثمانية التي تقزّمت إلى تركيا الحالية، ولولا ديمقراطيتها الناشئة، لكانت معادلة التاريخ قد فرضت نفسها عليها، ولكان انقلاب 15 يوليو 2016 قد سيطر كما حدث في زيمبابوي.

الديكتاتور في خدمة وكيله

على أن الطغيان قد لا يجلب دوماً غزواً عسكرياً، فالغازي أمام تكلفة الاحتلال الباهظة يستبدله بتجهيز طغاة محليين ينفذون أهدافه نيابة عنه، فهم له تُبّع، وهو عنهم مدافع، ومن ينظر إلى خريطة عالم الجنوب، سيجد رقعة  شطرنج كل قطعها، مهما اختلفت مسمياتها، هم طغاة في خدمة السيد الديمقراطي، ولا غرابة في أن يجتمع الديكتاتور مع الديمقراطي في خانة واحدة، فهي لعبة المصلحة التي تجمع الأضداد والمتناقضات، اللعبة التي تجمع ترمب ابن الديمقراطية الأكثر لمعاناً في العالم مع حلفاء صغار أبناء بيئات ديكتاتورية متأصلة، وهي التي تجمعه مع شمولية مغلقة في الصين، ولا مانع أن يُكيل الإطراء لرأس النظام الشيوعي القاسي كما يُكيله لحلفائه الشرق أوسطيين الذين فاقوا حكم الحزب الواحد الصيني سلطوية.

طاغية عجوز وعاجز

الطغيان يقود إلى طريقين إما إلى انهيار الدول، وموت الشعوب من الفقر والمجاعات والأمراض والمظالم، أو الانقلابات العسكرية ونفس النتائج البائسة تترتب عليها أيضاً، وخريطة إفريقيا تعج بالانقلابات التي لا تريد أن تتوقف مهما انتشرت أنوار النظام الديمقراطي عالمياً، ” نحو 87 انقلاباً”.

 وانقلاب زيمبابوي يؤكد اتساق القارة السوداء مع تراثها السياسي المتخلف، وتاريخها المظلم، فقد شهدت انقلاباً على الرئيس روبرت موغابي وهو طاغية عجوز وعاجز، يقود بلاده لفترة حكم طويلة جدا “37 عاماً” لتكون هذه السنوات معاناة طويلة أيضاً لشعبه، “البطالة تفوق 90% مثلاً”، موغابي خارج التركيز منذ سنوات، فلا يدري كثيراً مما يدور حوله، ومع ذلك يتشبث بالسلطة، وزوجته جريس الأصغر منه بـ 41 عاماً كانت تعد نفسها لترث الرئاسة، وقد أقال قبل أسابيع نائبه الذي كان يستعد هو الآخر ليحل محله، وطبيعي في ظل هذا النظام الفردي المغلق أن يكون المآل إطاحة الجيش به طالما قادته لا يرضون عن المسرح الذي يتم تجهيزه للوريثة.

التغيير المستحيل

 والتغيير استحال في هذا البلد عبر تداول السلطة بالانتخابات، ففي عام 2008 حصل زعيم المعارضة مورجان تسفانجيراي على المركز الأول في الانتخابات الرئاسية، لكن أنصاره تعرضوا للعنف حتى لا يُكمل الانتخابات، ويبقى موغابي رئيساً مغتصباً للسلطة.

 وقائد الجيش المنقلب على رئيسه لن يترك الحكم بعد أن يطهر البلاد من المجرمين المحيطين بالرئيس كما يقول، سيكون هو الرئيس الجديد الذي يدغدغ مشاعر الشعب بالوعود البراقة، ثم يتحول إلى طاغية يحكم بقبضة من حديد، ويحضرني نموذج عيدي أمين في أوغندا عندما انقلب على الرئيس ميلتون أوبوتي، ووعوده العاطفية للأوغنديين، ثم صار بعد ذلك جزاراً بلا رحمة، ولهذا فإن المشهدين مدانان ومرفوضان، طغيان موجابي، والانقلاب عليه، فلا تبرير لهذا ولا ذاك، والبديل الآمن هو التغيير الديمقراطي والحكم عبر آلية الانتخابات النزيهة، لكن هذه البضاعة لا سوق لها في إفريقيا إلا استثناءات محدودة.

ونموذج موغابي لا يزال موجوداً إفريقياً، وعربياً، ودولياً، وقائد الجيش الجنرال كونستانتينو شيونجا الذي انقلب عليه موجود أيضاً، وجاهز دوماً لساعة الصفر، وإصدار البيان رقم واحد.

التطرف نتاج الطغيان

وهنا يكون التطرف مولوداً طبيعياً للطغيان، والانقلابات، وهما وجهان مظلمان، وفي ظل القمع الممنهج، وقتل روح المعارضة، وإسكات الأصوات الوطنية الناقدة، وغلق منافذ حرية الرأي والتعبير، ومحاولة السيطرة على العقول والأفكار، والمظالم الاجتماعية، والتدهور الاقتصادي الناتج عن إدارة فاشلة، وحتى رسم منظومة معينة للأخلاق في المجتمع، فإن هذه البيئة مناسبة لكل أشكال التطرف، وأفكار العنف السياسي، وممارسات الإرهاب، ولو نظرنا للخريطة العالمية سنجد كل بؤر التوتر والصراعات والاقتتالات الأهلية والتدخلات الخارجية والعمليات الإرهابية مرتبطة بأنظمة الطغيان أو الانقلابات، وعنوانهما التوحش، ورد الفعل عليها يكون عنفاً أشد توحشاً.

الخلاص في الديمقراطية

لا حل ابتداءً وانتهاءً إلا بالحريات، وصيانة حقوق الإنسان، والعدالة الاجتماعية، والحياة الكريمة، وتمكين الإرادة الشعبية من اختيار من يحكمها، أو صرفه في ظل نظام ديمقراطي نزيه وشفاف، لا خلاص إلا بديمقراطية حقيقية وكاملة تُقبل نتائجها، والصبر عليها، وعلى مخرجاتها، لأنها مع التراكم ستُصحح أي جنوح أو أخطاء أو تجاوزات، ومهما كانت سلبياتها فلا مقارنة بينها، وبين كوارث الطغيان.

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه