انقسام ألمانيا في يوم الاحتفال بالوحدة

ولا يجب أن ننسي هنا أن “الكسندر غاولاند” طالب برمي وزيرة الدولة للاندماج وهي من أصول تركية في مسقط رأسها في الأناضول، واستخدم لفظ الرمي قاصدا في ذلك رمي النفايات والقمامة

لم يحتفل الألمان يوما بالوحدة وسقوط جدار برلين في ظل حالة من انقسام المجتمع كما يحدث الآن، لقد كشفت انتخابات البرلمان الألماني “البوندستاغ” عن حالة من الانقسام المجتمعي في البلاد غير مسبوقة، بما أصبح يهدد بشكل صريح وحدة ألمانيا وتماسكها منذ سقوط جدار برلين، ووحدة الشطرين الشرقي والغربي في 3 من أكتوبر/تشرين الأول 1990.

كان الألمان دوماً يحتفلون بهذه المناسبة، وهم يتغنون بكلمات نشيدهم الوطني التي تحث على الحرية، والمساواة، والعدالة.  ويفخرون بما أنجزته ألمانيا الموحدة.  لكنهم في احتفالات هذه السنة ظهروا منقسمين، ومتناحرين، ولعبت الفروق السابقة بين الشطرين الشرقي والغربي دورا في ذلك، تجلى بشكل كبير في اتجاهات الناخب الألماني في التصويت الأخير، فبينما أيد الجزء الغربي الأحزاب الألمانية المعروفة، اتجه الشرق لمساندة الأحزاب الشعوبية المتطرفة كحزب البديل، والحركات العنصرية كحركة “بيغيدا” بكل قوة ودفع بهما لآن يصبحا في صدارة المشهد السياسي في ألمانيا الآن.

حلم الوحدة الذي تحقق بالفعل في سنة 1990، طالما راود الألمان منذ تقسيم ألمانيا بعد خسارتها في الحرب العالمية الثانية، لكن أن يأتي الاحتفال بمناسبة الوحدة في ظل من يعود ليذكر بالحقبة النازية، ويتبني النعرة القومية، والنهج الشعبوي، خاصة ما أصبح ينادي به قادة حزب البديل عندما يقولون نحن نسعى الآن “لعودة شعبنا إلينا” أي أنهم لا يؤمنون بالممارسة الديمقراطية، ويريدون العودة إلى الوراء والانغلاق على الذات، ونظرة الاستعلاء التي ترى تفوق الجنس الألماني على الآخرين لن تكون إلا بداية طريق تقسيم المجتمع مرة أخرى.  

العداء للأجانب

رغم سنوات الوحدة الطويلة فإن الفرق مازال كبيرا بين الجزء الشرقي والغربي في ألمانيا، لكنه تعمق أكثر بعد موجة اللاجئين السوريين والعراقيين التي دخلت البلاد، حيث ظهرت النزعة المتطرفة المعادية للأجانب في الشرق، فيما أصبح يعتبره البعض مكاناً قاتماً للعيش فيه خاصة اللاجئين الجدد.

 بينما تذكر الأرقام أن 75 في المئة من الألمان الذين يعيشون في الشرق يعتبرون توحيد بلادهم نجاحاً، فإن نصف الألمان الغربيين فقط يشاركونهم الرأي، وهذا مثال آخر على الاختلافات بين الجانبين، يضاف إليها الاختلافات الديموغرافية الأخرى كالبطالة والفجوة في الدخل بينهم.  

الحقيقة أن الجزء الشرقي من ألمانيا سجل دائما عداء ظاهرا للأجانب، وهناك اعتداءات يومية بدوافع عنصرية تفوق ما يحدث في الجزء الغربي، كل هذا يحدث رغم أن عدد السكان في الشرق لا يزيد على 17% من عدد سكان البلاد.

في مدينة دريسدن، بولاية سكسونيا شرقي ألمانيا، نشأت حركة “بيغيدا” التي مازالت تتظاهر أسبوعيا منذ تأسيسها في عام 2014، وهي تعادي بشكل صريح الإسلام والمسلمين، وترفض وجود الأجانب في ألمانيا. وكانت الحركة قد وسعت من أنشطتها المعادية بعد قرار المستشارة الألمانية ميركل فتح أبواب ألمانيا للاجئين السوريين.

في الشرق أيضا كان إضرام الحرائق في بيوت اللاجئين، أو في البنايات المخصصة لإيواء اللاجئين ممنهجا، بل كشف القبض على أعضاء خلية نازية اكتشفت في مدينة “تسفيكاو” شرق ألمانيا أنها ظلت 10 سنوات تمارس نشاطها الإجرامي ضد الأجانب، حتى أن عدد ضحاياها بلغ 8 أتراك ويونانيا واحدا وشرطية وكان هدفهم الوحيد من القتل كراهيتهم للأجانب!

مازال الإرث الثقيل لألمانيا الشرقية متأصلا في مظاهر الفقر في بعض المدن الشرقية، لقد عانى سكان ألمانيا الشرقية نقص المواد الغذائية حتى العام 1989، ومازال هذا ينعكس على كراهيتهم للأجانب، لأنهم يعتبرونهم جاءوا لمزاحمتهم ومضايقتهم في رزقهم.  لذلك لم يكن الأمر غريبا في وقوفهم وراء حزب البديل وتصويتهم له، رغم أن عدد الأجانب ليس كبيرا في الجزء الشرقي من ألمانيا.

دولة منقسمة بالفعل

السجال الدائر الآن في ألمانيا ما بعد الانتخابات، كشف عن شرق فقير وغرب غني، عن دولة منقسمة بالفعل، وحزب نازي يعود من ركام الماضي ليحقق نجاحا فقط لأنه بني حملته الانتخابية على قضايا التخويف من المهاجرين والإسلام واللاجئين.

 الانقسام الألماني أوصل أصواتا تجاهر الآن بوصف قادة ألمان بارزين بـالخونةلأنهم فقط فتحوا أبواب ألمانيا لاستقبال لاجئين اضطرتهم ظروف الحرب إلى ذلك، ولا يجب أن ننسي هنا أنالكسندر غاولاند” احد قادة حزب البديل طالب برمي وزيرة الدولة للاندماج وهي من أصول تركية في مسقط رأسها في الأناضول، واستخدم لفظ الرمي قاصدا في ذلك رمي النفايات والقمامة.

حتى يومنا هذا فإن مستويات الدخل أقل بكثير في الشرق عنها في الغرب.  ومعدلات البطالة اعلى في الجزء الشرقي، وأحد عوامل ذلك هو انتقال الكثير من الشباب في الولايات الشرقية خاصة المناطق الريفية إلى الغرب.

الغريب أن من يكرهون الأجانب هم أنفسهم يقومون بهجرة داخلية، فالعديد من الشباب في ألمانيا الشرقية القاطن في المناطق الريفية يقولون إنهم مجبرون على الانتقال إلى الغرب أو إلى مدن أخرى أكبر بسبب الافتقار إلى الأجور التنافسية وفرص العمل، لهذا فإن كثير من الشركات في الجزء الشرقي أصبحت تبحث عن مهاجرين أجانب لملء الفراغ، وهناك شركات تقوم بتوظيف شباب من بولندا وجمهورية التشك لحل الأزمة

كثيرون يعلقون انقسام المجتمع على عاتق المستشارة ميركل، التي سمحت بدخول مليون لاجئ سوري إلى ألمانيا، وكثيرون أيضا يعتقدون أن ألمانيا قادرة على حل تلك المشكلة والعودة إلى نسيج المجتمع الواحدـ وما بين هذا وذاك لا يختلف أحد على ديمقراطية ألمانيا التي تعتبر أكبر داعم لوحدة الألمان رغم ما يبدو من انقسام هنا أو هناك.

ولا يجب أن ننسي هنا أن “ألكسندر غاولاند” طالب برمي وزيرة الدولة للاندماج وهي من أصول تركية في مسقط رأسها في الأناضول، واستخدم لفظ الرمي قاصدا في ذلك رمي النفايات والقمامة

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه