انخفاض أسعار البترول نعمة للعرب!

ففى السنوات القليلة المنصرمة ارتفعت أسعار البترول وتخطت حاجز المائة والعشرين دولارا .. والمؤسف أن البترول أصبح لعنة اقتصادية علي العرب

د. اسامة الكرم*

 

 انخفاض سعر البترول ليس مشكلة للعرب وقد يكون نعمة .. فقد كان العرب في زمن احترموا فيه الإنسان والقيم الإنسانية النبيلة عباقرة .. كانت العدالة تسود فخرج من العقول العربية مبادئ وأساسيات كل العلوم التطبيقية.

فقد ابتكر أبو الريحان البيرونى أجهزة فلكية عديدة لحساب التقويم الشمسي والقمري معاَ .. أما خطوط العرض فقد ابتكرها إبراهيم بن يحيى الزرقالي وصنع لها جهازاَ لحسابها ورسمها بكل دقة .. وابتكر عباس بن فرناس أول مظلة هبوط فى التاريخ ..ثم قدم للبشرية أول طائرة شراعية ونجحت فى الطيران والتوجيه وعاد بها لموضع الانطلاق لكنه فشل فى الهبوط .. واستكمل فكرة الطيران أحمد سيليبي وكان أول طيار قام بمحاولة طيران ناجحة بواسطة جناحين صناعيين ..وأسس الحسن ابن الهيثم علم البصريات وصنع أول كاميرا تلتقط الصور .. وقدم جابر بن حيان للبشرية أول ابتكار للتقطير والترشيح والتبلور، وفصل المواد الكيميائية عن بعضها ، واكتشف ماء الذهب والصودا الكاوية وحمض الكبريتيك.

وكان ابو بكر الرازي أول من توصل لعمليات التكرير والترشيح والتشميع والاكسدة والتبخير والتكرير .. ونجح ابن سينا في إنتاج الزيوت الأساسية، وابتكر أول ترمومتر.. ونجح تقى الدين بن معروف في ابتكار أول ساعة تحسب الساعات والدقائق والثواني .. ووضع أبو بكر الخوارزمي علم الجبر واكتشف الصفر وعلم اللوغاريتمات.

 وأول من تكلم عن علاقة علم النفس بالمرض كان ابن الطبري فى كتابه “فردوس الحكمة” الذى يقع فى سبعة مجلدات .. وضع فيه أساسيات علم نفس الطفولة وكشف عن علاقة الأمراض الجسمية بالحالة النفسية وبالعكس .. وسجل الرازي في كتابه ” الحاوي فى الطب ” أساسيات علم التشريح .. ووضع على بن عباس المجوسي أساس علم الأمراض الجلدية والأدوية المخدرة اللازمة فى الجراحات والطب الوقائي فى كتابه “القانون فى الطب”.. وكان العرب أول من تكلم عن أمراض الشيخوخة مثل النسيان واضطرابات النوم التي كشفها ابن الجزار فى كتابه ” طب المسنين” .

 وكان العرب أول من تكلم عن اخلاقيات الطب وسجلها ” الرهاوي” فى كتابه ” أدب الطب” .. وجاء الزهراوي الذى اعتبره أطباء الغرب أبو طب والجراحة الحديثة .. واكشف ابن النفيس الدورة الدموية الصغرى ووضع أساسيات علم وظائف الاعضاء والتشريح.. وفى الصيدلة وضع ابن البيطار، وابن التلميذ أساسيات علم صناعة الدواء .

 حدث كل ذلك بلا بترول وفى ظل موارد محدودة، ولكن كانت الكرامة الإنسانية مقدسة ..وكانت العدالة الاجتماعية راسخة ..لهذا لا أخشى على العرب الضعف في ظل انخفاض الدخول فالأهم هو احترام العقول .

  .ففي السنوات القليلة المنصرمة ارتفعت أاسعار البترول وتخطت حاجز المائة وعشرين دولارا .. والمؤسف أن البترول أصبح لعنة اقتصادية علي العرب .. فقد تعلم العرب الكسل.. لقد تحولت النعمة في إيدينا إلي نقمة .. فلا أمل في التطور أو التقدم، وقد تحولنا لمستهلك له لا نحاول إنتاجه .. وباستثناء قطر التي تنفق 2.8% على البحث العلمي من إجمالي دخلها القومي وهى أعلى من متوسط النسبة فى الدول المتقدمة التي تنفق في المتوسط 2.5% ..بكل أسف نجد العالم العربي ينفق على البحوث والتطوير 0.2 في الألف من إجمالي ناتجه المحلي.. فمعدل الإنفاق لكل فرد عربي 6 دولارات مقابل 953 دولاراً في الولايات المتحدة و40 دولاراً في الصين.

 تُرى كم ينفق العرب تحت أقدام الراقصات ؟

 لقد نسي العرب التفكير وحب المعرفة، فمثلا عدد البحوث المنشورة لكل مليون نسمة  0.2 لمصر، 0.07 للسعودية، 0.01 للجزائر في مقابل 43 للولايات المتحدة، و80 لسويسرا، و38 لإسرائيل.

 إنتاج العرب من الكتب لا يتجاوز 1.1 بالمائة من الإنتاج العالمي.. أي أن عقول العرب منفتحة فقط علي الملذات والملاهي .. أما الكتابة فقد تركناها لغيرنا لنعيش عالة علي فكرهم . والعجيب أن هناك خرافة يؤمن بها العرب أنهم أرباب علم ومعرفة ! ؟ 

لو أصبح سعر برميل البترول مائتي دولار لن ينصلح حال الأمة العربية .. فالمشكلة ليست في رأس المال ولكن في كيفية استغلاله.. والأهم هو وجود نظام عادل لتوزيع الثروات الطبيعية علي شعوب الأمة .. ونتيجة لتقاعس العرب عن خلق منظومة عادلة لتوزيع الثروات .. هبط عليهم المستعمر الأمريكي ليأخذ نصيبه أولا ثم يترك لهم فتات وقمامة حضارته .. أخذنا من الغرب الرقص وإباحة المحرمات والاستهلاك الترفي  .. ولم نأخذ عنهم البحث العلمي أو تقديس العمل والنظام ..  فقط نستورد سلع الرفاهية ولا ننتجها .. ونقلدهم في الملبس والمأكل .. ولكن عند العلم والإنتاج الفكري نكتفي بالانبهار بمخترعاتهم .. مثلا نترجم  كتبا الى العربية بمعدل 3 كتب لكل مليون عربي سنويا، بينما عدد الكتب المترجمة إلى العبرية يبلغ 100 كتاب سنوياً لكل مليون إسرائيلي .

 فهل نحن فعلا أمة أول كلمة نزلت في “القرآن الكريم” وكانت “اقرأ” ؟

 __________________

 *كاتب مصري وخبير اقتصادي

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه