انتخابات السيسي ومولد أم العواجز

 

انتهت مسرحية الانتخابات الرئاسية في مصر التي لم يأمن فيها عبد الفتاح السيسي وجود منافس صوري له لأنه متحفظ على لفظ المنافسة، فعمد إلى اختيار مشارك أليف كلما أطل على الناس بشرهم بخسارته لكنه يأمل في نسبة رسوب محترمة؛ ولنا مع هذا الحدث عدة وقفات:

أولا:

نجح السيسي قبل دخول سباق الانتخابات من خلال إخلاء الساحة من كل من تسول له نفسه أن يعارض ناهيك عن الترشح بل تعدى الأمر إلى كبار المؤيدين من أنصار المرشحين المحتملين.

ثانيا:

انتهج السيسي سياسة واحدة في التعامل مع كل المرشحين حيث اعتقل المدني والعسكري على حد سواء وحاسبهم بأثر رجعي فسجن سامي عنان العسكري مرشح 2018، وعبد المنعم أبو الفتوح المدني مرشح 2013

 ثالثا:

شهدت الانتخابات هذه المرة تطورا ملحوظا في أداء أذرع السيسي الدينية حيث تحول النصارى من مرحلة نعم تجلب النعم التي أطلقها البابا تواضروس إلى مرحلة نزول كشافة الكنيسة في استعراض بالشوارع إعلانا عن تأييد المخلص الجديد!

وكذلك تطور حزب النور من مرحلة أكل الميتة اضطرارا إلى مساندة السيسي جهارا ولجأ إلى استخدام آخر معاقله فحرك علماء الدعوة السلفية بعد أن فقد الناس الثقة في رموز الحزب وجاء أداء دعاة الأوقاف في المرتبة الثالثة بعد حزب النور ودولة الكنيسة

رابعا:

أكدت المسرحية الانتخابية أن الانقلاب على ثورة 25 يناير تم وفق أجندة غربية وبرعاية إسرائيلية مباشرة وكان دور الخليج هو دفع الفاتورة والاستثمار في الدم الحرام، وظهر هذا من خلال غض الطرف من أصحاب الديمقراطيات العتيقة عن مسلسل الاستبداد، وقهر العباد وحكم الفرد بقوة صندوق الذخيرة وليس صندوق الاقتراع بل أصابهم الخرس تجاه اعتقال مراسلة مجلة التايمز الشهيرة لمدة عشر ساعات ثم ترحيلها مباشرة من قسم الشرطة إلى المطار ومنعها من تغطية الحدث!

خامسا:

مع كل ما سبق حرص نظام السيسي على وجود كثافة أمام اللجان مستخدما في ذلك كل الوسائل التي تحقق له صورة الانتخابات ومن الأسئلة الكثيرة التي وردتني أن رؤساء الهيئات والمؤسسات الحكومية سحبوا البطاقات الشخصية من الموظفين ليتسلموها في اللجان بعد التصويت أو يتسلمها من المباحث إن تخلف عن أداء الواجب!

والأنكى أن بعض الجمعيات الخيرية ربطت بين تقديم المساعدات الشهرية وبين المشاركة في العرس الانتخابي.

سادسا:

أغلب دول العالم تجرى فيها انتخابات سواء المتحضر منها أو المتأخر، النزيهة منها أو المزورة لكن طقس الرقص أصبح سمة أساسية من سمات انتخابات السيسي وعلامة مؤكدة على التأييد والولاء، وتم النفخ في هذه الظاهرة وتضخيمها للإساءة إلى أكثر من مئة مليون مصري وإظهارهم في صورة الراقصة أو الطبال وأكثر من اكتوى بهذه النار هم ملايين المغتربين خارج مصر الذين يخالطون جنسيات أخرى وكلما جاءت سيرة الرقص رأيت المصري منكس الرأس.

والواقع أن هذه الشرذمة من البشر موجودة في كل عصر ومصر ولا تخلو منها بلد ولا قبيلة وهي نسبة من السكان تزيد وتنقص وهي لا تعبر عن جموع أهل مصر الذين قاطعوا الانتخابات مع كل هذه التهديدات. لكن هذه القلة صاحبة الصوت العالي كالقش الذي يطفو على السطح أما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض.

سابعا:

أعرف بعض الذين بالغوا في تأييد السيسي بل وتقربوا إليه بالنوافل وقلوبهم تلعنه تغطية على مواقفهم السابقة التي لا يستطيعوا تحمل تكلفتها الآن، أو لصرف الأنظار عنهم وإثبات حسن النوايا وطي صفحة ما كان.

 ثامنا:

تكررت في المشهد الانتخابي صور المرضى والزمني الذين يصلون إلى لجان الاقتراع على كراسي متحركة ثم تدب العافية في أبدانهم فجأة فيرجعوا سيرا على الأقدام وتكرر هذا بفجاجة حتى تحول المشهد من عرس انتخابي إلى مولد أم العواجز…!!

تاسعا:

شهدت مصر مهازل سابقة واستفتاءات في صورة انتخابات لكن لا تشابه بينها وبين هذه الصورة القميئة ذات الإخراج الرديء كما أنها لم تفلح في تثبيت حكم مبارك الذي دام ثلاثين سنة وخلعه شباب يناير الذين ولدوا وتخرجوا وتزوجوا في عهده!

التزوير من أكبر معاول الهدم ولا يضمن لصاحبه البقاء.

عاشرا:

الأمة في أزمة عامة والانفراجة ستكون عامة بإذن الله ولا نبالي من أي مصر يأتي النصر، قال الله تعالى:

(وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ)

سنة كونية ووعد لا يتخلف، مجرد أيام وسترحل، بما خلفته من آلام.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه