الولي يجيب على سؤال الساعة: الجنيه المصري إلى أين؟

أسباب توقع استمرار البنك المركزي في مشوار الخفض لقيمة الجنيه متعددة، أولها نقص الموارد الدولارية بسبب انخفاض حصيلة الصادرات، وتراجع حصيلة السياحة.. يتبع.

ممدوح الولي*

في ضوء استجابة البنك المركزي المصري لمطالب رجال الأعمال وصندوق النقد الدولي، بخفض سعر صرف الجنيه أمام الدولار الأمريكي ، يظل السؤال المثار من جانب رجال الأعمال والشركات والمواطن العادي: هل يستمر البنك المركزي في خفضه لقيمة الجنيه ؟
الإجابة المتوقعة هى: نعم ، سيستمر البنك المركزي في مشوار خفضه المتكرر للجنيه المصري أمام الدولار، والذى بدأ في يناير/كانون الثاني من العام الحالي من سعر صرف رسمي7 جنيهات و14 قرشا، الى أن بلغ  7 جنيهات و93 قرشا في الخامس عشر من أكتوبر/تشرين الأول الحالي.
وأسباب توقع استمرار البنك المركزي في مشوار الخفض لقيمة الجنيه متعددة، أولها نقص الموارد الدولارية بسبب انخفاض حصيلة الصادرات، وتراجع حصيلة السياحة، وتدني الاستثمار الأجنبي بشقيه المباشر وغير المباشر، وتحول كثير من المصريين بالخليج لبيع ما لديهم من دولارات لشركات الصرافة خارج مصر،مما يقلل دخولها للبلاد. أيضا انخفاض المعونات الخليجية، وثبات حصيلة قناة السويس تقريبا، وتراجع رصيد الاحتياطي من العملات الأجنبية لدى البنك المركزي بعد أن أصبحت تغطى واردات شهرين ونصف فقط ، بما لا يساعده على  التدخل في سوق الصرف بضخ دولارات لتحقيق الاستقرار به.
وعلى الجانب الآخر: استمرار ارتفاع الطلب على الدولار خاصة لاستيراد السلع الأساسية والوقود والغاز الطبيعي والمواد الخام والسلع الوسيطة والسلع الاستثمارية، وتغطية مدفوعات عوائد استثمارات وودائع وقروض الأجانب في مصر، وسياحة المصريين خارج البلاد والحج والعمرة وتكلفة الدين الخارجي من أقساط وفوائد.
ويبدو أن أزمة الدولار قد ولدت طلبا إضافيا عليه، وفى الوقت نفسه قللت المعروض منه، فمع قلة الدولار وانتشار أنباء عن اتجاه الحكومة لزيادة الجمارك على بعض السلع، لتقليل حجم استيرادها، سارع بعض التجار لتدبير الدولار بأي ثمن لاستيراد قدر أكبر من السلع.
كما تسبب قلة المعروض وزيادة الطلب، في اتساع نطاق دور السوق السوداء لتغطية الجانب الأكبر من الطلب، ما زاد الفجوة بين السعر الرسمي والسوق السوداء، لتزيد عن الثلاثين قرشا للدولار الواحد.
وهو ما دفع بعض المضاربين بالبورصة وغيرهم لاقتناء الدولار توقعا لزيادة سعره مستقبلا، ما زاد من نطاق المضاربة، كما دفع آخرين من ناحية أخرى إلى عدم عرض ما لديهم من دولارات للبيع توقعا لزيادة قيمتها مستقبلا.
وهكذا يجد البنك المركزي نفسه محاصرا بأكثر من قيد، يقلل من إمكانية توصله إلى حل لمشكلة سعر الصرف فى الأجل المنظور، فالموارد قليلة والطلب متزايد، والاحتياطي يتناقص، والدين الخارجي يتصاعد، إلى جانب ضغوط رجال الأعمال من خلال وسائل الإعلام المملوكة لهم للتنديد بقرارات محافظ البنك المركزي لمحاصرة السوق السوداء، والقول بأنها زادت الأزمة ولم تحلها، وهو السيناريو نفسه الذى لعبوه من خلال أذرعهم الإعلامية مع محافظ البنك المركزي الأسبق محمود أبو العيون، حتى تم اقصاؤه عن موقعه.
وقد يعتقد البعض أن الفارق بين موارد النقد الأجنبي ومدفوعاته، من خلال بيانات ميزان المدفوعات الذى يعده البنك المركزي، محدود ويمكن تغطيته من خلال الاقتراض، ولكن الواقع أن ميزان المدفوعات لا يعبر عن كامل الصورة، بدليل أن الميزان الكلى للمدفوعات حقق فائضا في العامين الماليين الأخيرين، بينما يعانى السوق من نقص الدولار وتصاعد سعر صرفه.
وتفسير ذلك أن البيانات الرسمية تقتصر على نوع واحد للطلب على الدولار، وهو الطلب المعتاد من جانب المستوردين وغيرها من الأغراض التي يسجلها البنك المركزي، إلا أن هناك نوعين آخرين للطلب على الدولار لا يسجلهما البنك المركزي فى بياناته، وهما الطلب للاحتياط والمضاربة، وهو طلب  يزيد حجمه كلما اشتدت أزمة الدولار، والطلب الآخر هو الطلب غير الرسمي على أنشطة غير مشروعة، مثل استيراد المخدرات ووسائل الإدمان والأسلحة والسلع المهربة بأنواعها كملابس وأجهزة كهربية وغيرها، وهذه الأنشطة غير المشروعة تشترى الدولار بأي سعر نظرا للمكاسب العالية، ما يزيد من اتساع الفجوة بين السعر الرسمي وغير الرسمي.
وهناك عامل لا تذكرة الإحصاءات الرسمية، وهو المبالغ التي يقوم رجال الأعمال بإخراجها خارج البلاد تحسبا لأية اجراءات سلبية، يمكن أن تقوم بها الأجهزة الحكومية تجاههم ، في ضوء ما شاهدوه من تحفظ على أموال وشركات ومحلات عدد من رجال الأعمال ، وقيام بعضهم باستبقاء حصيلة صادراتهم خارج البلاد .
ويظل السؤال الأهم أيضا حول تأثير الخفض المتكرر لسعر صرف الدولار على المواطن البسيط، وهو تأثير ضار، فلو تصورنا أن سلعة ما كان سعرها عشرة دولارات في بداية يناير الماضي، فإن المواطن كان يدفع مقابل شرائها 71.4 جنيها.
والآن ومع بقاء سعر السلعة ذات العشرة دولارات كما هي، فإن المواطن سيدفع لشرائها 79.3 جنيها، فما بالنا لو دفع فيها 82 جنيها حسب السعر غير الرسمي للصرف.
وهو الأثر الذى سيلحق بسعر الزيوت والدقيق المستورد والفول والعدس وكافة السلع الغذائية المستوردة، وقطع غيار السيارات والآلات والمعدات وغيرها، ونظرا لدخول كثير من السلع  المستوردة كمكونات تدخل في انتاج سلع محلية، فإن تلك السلع المحلية ستزيد أسعارها هى الأخرى، وزيادة الأسعار يقابلها تراجع القيمة الشرائية للنقود، وبالتالي تدهور مستوى المعيشة لملايين المصريين.

___________________________

*خبير اقتصادي مصري
 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه