“الواد” و “البتاع” و “العمة”.. حديث التسريبات

علاقتى بالتسريبات تبدأ مع انفجار مفاعل تشرنوبل الروسى وتسرب مواد مشعة منصهرة أدت الى إجلاء سكان قرى كاملة ، وبعدها كنت دائماً أشاهد اعلانات تلفزيونية عن منتج اسمه ” الويز “

محمد منير*

علاقتى بالتسريبات تبدأ مع انفجار مفاعل تشرنوبل الروسى عام 1986، وتسرب مواد مشعة منصهرة أدت الى إجلاء سكان قرى كاملة ، وبعدها كنت دائماً أشاهد اعلانات تلفزيونية عن منتج اسمه ” الويز ” .. يمنع التسريبات لدى النساء والاطفال .. ومن هنا تكونت عقيدتى بأن التسريبات أمراً اضطرارياً قدرياً غير مقصود ..
 استمرت قناعتى حول جبرية التسريبات حتى ظهرت تسريبات القوات المسلحة التى هزت قناعاتى وكشفت لى عن نوع من التسريبات المقصودة .. وانا اميل ميلا وطنيا ً الى كونها مقصودة أفضل من تصديق أن قواتنا المسلحة التى تحمينا مخترقة ويتم التجسس عليها .

ثلاث تسريبات .. الأول خاص بحوار بين قيادات عسكرية حول البحث عن طريقة لتحويل المكان المحجوز فيه الرئيس السابق محمد مرسى الى محبس شرعى تحت سلطة القضاء ، حتى لا يعاب قرار احتجازه وعزله … والتسريب الثانى عبارة عن حوار بين قيادتين عسكريتين يعد فيه أحدهما بالاتصال بالقاضى الذى يحاكم الضباط المسئولين عن مقتل مسجونين فى سيارة الترحيلات ويؤكد على توصيته بتبرئة الضابط ، والتى تأكدت بعد ذلك ببراءة الضابط فعلاً .

أما التسريب الثالث فخاص بتوجيه من مدير مكتب المرشح الرئاسى آنذاك المشير عبد الفتاح السيسى  للمتحدث الرسمى بالاتصال بالإعلاميين التابعين لهم ( بتوعهم كما جاء فى التسجيل) للترويج للمرشح ومهاجمة المعارضين ( وتلبيسهم العمة ) كما جاء فى نص التسريب.

الحقيقة أن موضوعات التسريبات أو الحقائق المستخرجة منها لم تثر أى اندهاش للشعب المصرى الذى يعايش هذه الحقائق كل يوم ويعتبرها حقائق بالضرورة .. فالشعب المصرى لم يشغله أمر شرعية محبس مرسى من عدمه، فهو إما رافض لعزله من الأساس ويعتبر الأمر كله غير شرعى، وإما مفوض القوات المسلحة فى تجاوز فكرة الشرعية وعزل الرئيس المنتخب وهنا تصبح فكرة شرعية مكان الحجز من عدمه أمراً ثانوياً  شكلياً لا يؤثر فى المضمون لدى كل الأطراف.

الموضوع الثانى يختص بالكشف عن حقيقة خضوع القضاه لضغوط السلطة التنفيذية، وهذا أمر بالنسبة للشعب المصرى حقيقة تتأكد يومياً بل كل ساعة وكل لحظة.

والأمر الثالث خاص بتحول الاعلاميين من معبرين عن حال وضمير لأمة الى بوق دعاية للسلطة والترويج لها وخدم مخلصين في بلاطها ، وهذا أمر ايضاً بالنسبة للمصريين معتاد، وخاصة فى السنوات الأخيرة، رغم المشهد الجديد والذى أكدته نصوص الحديث فى التسريب الأخير والذى ظهر فيه الاستخفاف والاستهانة والتحقير الذى يتعامل به المسئولون مع الإعلاميين ( بتوعهم ) على حد التعبير الوارد فى التسجيل والذى وصل الى استخدام ألفاظ تحقيرية مثل الواد والبتاع ونلبس العمة ، هذا غير اللهجة واللغة المهينة.

وخارج المضمون غير المفاجئ للمصريين  هناك حقيقة مفاجئة بل ومفزعة نحاول جميعا انكارها وهى أن أكبر جهاز منوط به حماية البلاد من الأخطار الخارجية مخترق بشكل مهين ، وهو ما يجعلنا نميل ولو بالكذب على أنفسنا أن تكون هذه التسريبات مقصودة من حكومتنا لتوصيل رسالة ما أفضل من ان يكون أمن مصر وأمنها مخترق بهذه الصورة المهينة .

_______________

*كاتب وصحفي مصري 

 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه