المغرب يستعرض عضلاته على المهاجرين الأفارقة

الإعلام المغربي في أغلبه يدور في فلك صوت الحكومة المُزمجر (ظاهريا) والمُذكّر بأن المغرب لن يكون حارسا لحدود أوربا لأنّ الهجرة السرية مشكلة تشغل جميع الأطراف الأوربية والأفريقية

 

   كان هذا عنوان مقال صدر في جريدة “سبتة اليوم”، في غمرة عناوين أخرى صادرة في الجرائد الإسبانية تتابع باهتمام التّحوّلات الطارئة على سياسة الجار الأفريقي تجاه ملف الهجرة. تحوّلٌ مفهوم باعتبار الرّباط تعدّ الأيام، وتتقدّم “بخطى ثابتة ويد من حديد” نحو جلسة اللجنة الأوربية في البرلمان الأوربي يوم 20 من هذا الشّهر والتي ستتم فيها المُصادقة على 130 مليون يورو كنصيب للمغرب في ظل البرنامج الأوربي الجديد لمكافحة الهجرة غير النظامية. مبلغ تمّ اتفاق ألمانيا وإسبانيا وفرنسا عليه منذ مدة وأعلن عنه رئيس الحكومة الإسباني سانشيز في لقائه الثنائي بداية الشهر الماضي مع ميركل في منطقة كاديث، جنوب إسبانيا.

لن يكون حارساً

     وفي الوقت الذي تتهكّم فيه بعض الأصوات داخل إسبانيا على سياسة المغرب في موضوع الهجرة وتتّهمه ضمنيّا بابتزاز بلدان الاتحاد الأوربي، نُلاحظ حضور أصوات تعتمد نقدا من نوع آخر للموقف المغربي. فأصوات الحقوقيين (إسبانيين ومغاربة على حدّ سواء) تستهجن الحملة الشعواء الأخيرة التي يشنّها البوليس المغربي (في إطار مُحاربته للظاهرة) على المهاجرين السّريين الأفارقة المقيمين على أرضه مُؤقتا. أمّا الإعلام المغربي فأغلبه يدور في فلك صوت الحكومة المُزمجر (ظاهريا) والمُذكّر بأن المغرب لن يكون حارسا لحدود أوربا لأنّ الهجرة السرية مشكلة تشغل جميع الأطراف الأوربية والأفريقية، وعلى كل طرف تحمّل المسؤولية على قدر وزنها. ولا شك أنّ وزن المسؤولية على المغرب أكثر باعتباره واجهة حدودية على أوربا. ولا شك أيضا أن المقصود من خلال هذه الرسائل قول إن اعتمادات التصدي لجحافل المتسللين تقتضي ميزانيات أكبر، وما على أوربا إلّا أن تدفع أكثر.

الشراسة

   واضح أيضا أن نسق المطاردات المتصاعد مؤخرا والذي يمارسه البوليس المغربي على مهاجري أفريقيا جنوبي الصحراء وحملات الترحيل من مدن الشمال وتحديدا طنجة وتطوان نحو مدن الجنوب يأتي في إطار اتفاقات أولية مُبرمة بين الاتحاد الأوربي والمغرب تُلزم هذا الأخير بتخفيف الضغط على المناطق الحدودية البرية والبحرية الجنوبية لإسبانيا سواء باتباع أسلوب الترحيل الطوعي نحو البلدان الأصلية للمهاجرين الأفارقة أو بمنح الإقامة لعدد مُعيّن منهم.

  الحملة ألّبت أصوات الحقوقيين على السلطة المغربية بسبب شراستها، إذ تسرّبت بعض صور ومقاطع فيديو تُصوّر الإهانات الجسيمة والمعاملات غير الإنسانية بالمرة المُسلّطة على جحافل الأفارقة الفارّين الى الغابات خارج المدن. إضافة الى أن منظمات حقوقية مغربية اشتكت من اقتحامات البوليس لمقارّها قصد تتبّع بعض المُحتمين فيها. لكن مع اشتداد الحملة، أصدر عدد لا بأس به من هذه المنظمات والجمعيات بيانا رسميا نشرته وسائل إعلام عدة تُندّد فيه بمغالاة قوات الأمن المغربي في العنف في التعامل مع المُطاردين وانتهاك حُرمتهم الفردية والجماعية وتتّهم فيه الجانب الأمني باتباع الترحيل العشوائي الذي تسبّب في تفريق عائلات كثيرة وشمِل حتى أشخاصا حاصلين على إقامات قانونية.

موجة التنديد التي تبنّتها هذه الجمعيات وبلغ صداها مكوّنات المجتمع المدني في أوربا، اتهمت قوات الأمن المغربية أيضا بالسطو على مُدّخرات المهاجرين الأفارقة وإتلاف أوراقهم الرسمية (بما في ذلك بطاقات الإقامة المغربية لبعضهم) أثناء عمليات اقتحام مخابئهم.

  وفي الوقت الذي تعلو فيه أصوات التنديد في الداخل والخارج موجهة أصابع الاتهام المباشر للبوليس المغربي بخرق الالتزامات الدولية الخاصة بملف حقوق الانسان، يتصاعد نسق لقاءات سفراء وممثلين عن الجانب الأوربي بممثلين للحكومة المغربية، آخرها زيارة وزير خارجية فرنسا لنظيره المغربي التي كانت مُبرمجة منذ يومين (لمناقشة موضوع الهجرة حسب ما صرّح به الجانب المغربي).  أمّا البوليس المغربي فمُستمِرّ في التضييق على شبكات التهريب ومُصادرة أعداد كبيرة من القوارب المُعدّة للهجرة السرية من ناحية وتقليص عدد الأفارقة المنتظرين لإشارة انطلاق من المُهرّبين في مدن الشمال. مطاردات عنيفة أسفرت عن جرحى خاصة في صفوف الأطفال والنساء وأودت بحياة شابّيْن ماليّين سقطا من حافلة الترحيل من طنجة نحو الجنوب. وقد كشف موتهما ظروف الترحيل المُزرية التي يتوخّاها الأمن.

قبلة الحالمين بالهجرة

  لا أحد يُنكر أن المغرب هو أكثر بلد عربي يعاني من مشكلة الهجرة غير النظامية باعتبار موقعه الجغرافي (14كم على إسبانيا)، مما يجعله قِبلة حشود الحالمين من بلدان جنوب الصحراء الكبرى إلى جانب جحافل المغاربة أنفسهم المنخرطين في سلسلة التهريب السري سواء كمُهرّبين أو كعابرين. لكن اللافت للانتباه أنّ أداء البوليس المغربي تجاه هذه الظاهرة يتراوح بين الحزم والتضييق أحيانا وبين التّساهل واللامبالاة أحيانا أخرى. أداء يُفترض أن يكون نتاج سياسات الحكومة المغربية لكنّه يطرح في جميع الأحوال التساؤل عن مدى استعماله كورقة ضغط على الاتحاد الأوربي كي يلتزم بتسديد تكاليف حماية حدوده الجنوبية بقليل من السخاء. 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه