المعارضة المصرية وتضييع الفرص

لم تتوفر لمناهضي ومعارضي السيسي فرصة للتوحد ولو على الحد الأدنى من الأهداف كما تتوفر الآن، فالسيسي أصبح عاريا من الغطاء الشعبي ويظهر ذلك جليا هذه الأيام في ظل مهزلة الانتخابات بعد سلسلة القرارات والسياسات التي ألهبت ظهور المصريين، والتي فرطت في أرضهم ونيلهم وغازهم، والتي قتلت أبناءهم واستحيت نساءهم، والتي صنعت فرعونا مكتمل الأوصاف، يصرخ في شعبه “متسمعوش كلم حد غيري” (لا أريكم إلا ما أرى).

ورغم تلك العزلة الشعبية للسيسي والتي كشفتها هزلية الانتخابات، إلا أنه مصمم على الإنفراد بحكم مصر  حتى يكمل مهمته في التنازل عن أجزاء جديدة من أرض الوطن وسيادته وحقوقه، وإفقار وإذلال المصريين، كما أنه مصمم على اختطافه لكل مؤسسات الدولة وتسخيرها لنفسه، ومواجهة خصومه ومنافسيه “بالقوة الغاشمة” بين القتل والتصفية وأحكام الإعدام والسجن والإقامة الجبرية والملاحقة القضائية.

في ظل هذه الحالة العبثية التي تكشف الدرك الأسفل الذي وصلت إليه مصر تحت حكم الإنقلاب العسكري تبقى المعارضة المصرية بجناحيها الثوري والإصلاحي رهينة خلافاتها القديمة التي كان للعسكر دور كبير في إذكائها بعد ثورة يناير، ورغم أن ما يجمع هذه المعارضة حاليا أكثر مما يفرقها إلا أن غالبيتها لا تزال تفضل النبش عن مواطن الخلاف لتتذرع به في رفضها للتعاون مع الآخرين لمواجهة هذه السلطة والعمل لإنقاذ الوطن منها.

صخرة الخلافات

على مدى السنوات الأربع الماضية جرت العديد من المحاولات لتوحيد القوى السياسية أو أكثر عدد منها، ولكنها تعثرت وتحطمت على صخرة الخلافات التقليدية الموروثة من حالة الإستقطاب السياسي عقب ثورة يناير، حيث ظلت غالبية القوى الليبرالية واليسارية تفضل في قرارة أنفسها البقاء تحت حكم العسكررغم تعرضها لقمعه وذلك خشية عودة التيار الإسلامي إلى الحكم!!، وظلت تلك القوى تمثل الظهير السياسي للسيسي لفترة طويلةعقب إنقلابه، وطافت رموزها العالم شرقا وغربا للتسويق لهذا الإنقلاب، وحين استفاق الكثيرون على صدمات الخيانة والعمالة والفشل للسيسي ظلوا محتفظين بموقفهم العدائي تجاه القوى الإسلامية وخاصة جماعة الإخوان، باستثناء بعض الشخصيات التي امتلكت شجاعة الإعتذار عن مواقفها السابقة، ورغبتها في التعاون مع الإسلاميين للخلاص من الحكم العسكري، وفي المقابل فإن قطاعات واسعة أيضا من معسكر أنصار الشرعية ظلوا متمترسين بمواقفهم الرافضة للتعاون مع غيرهم طالما لا يتبنون رؤيتهم بشكل تام، وظلوا واقفين كحائط صد أمام العائدين من معسكر الإنقلاب، وغير قادرين على تقبل فكرة التعاون في القضايا المشتركة مع تنحية المسائل الخلافية جانبا، ولهذا الأسباب الخاصة بكلا المعسكرين ظلت محاولات العمل المشترك تراوح مكانها.

كانت المحاولة الجادة الأولى فيما عرف بوثيقة أو إعلان بروكسل الذي جرى تدشينه في مؤتمر صحفي في مدينة بروكسل مطلع مايو 2014، والذي وضع جملة من المبادئ العامة التي يمكن أن تشكل قاعدة للتعاون المشترك، وكان من المفترض أن يصدر الإعلان في القاهرة أولا لكن الظروف الأمنية حالت دون ذلك، وإن صدر لاحقا من القاهرة أيضا، وقد شارك في إطلاق ذلك الإعلان بعض الشخصيات الإسلامية واليبرالية والمستقلة، ولكن الأمر ظل في نطاق ضيق، كما أن ترجمة ذلك الإعلان في كيان تنظيمي لاحقا وهو المجلس الثوري لم يحقق المطلوب أيضا وهو حالة من الإصطفاف بين القوى الثورية المختلفة، وغلب على المجلس اللون الإسلامي كما هو الحال بالنسبة للتحالف الوطني لدعم الشرعية، في المقابل كانت العديد من الحركات والرموز الليبرالية واليسارية تتصدرها حركتا 6 إبريل و”الإشتراكيون الثوريون” قد أسست في أواخر سبتمبر 2013 جبهة طريق الثورة (ثوار) والتي حرصت على إقصاء القوى الإسلامية (سواء إخوانية أو غير إخوانية)، ولم تعمر هذه الجبهة طويلا أيضا.

لم تفلح الضربات

ومؤخرا تمت محاولتان للعمل الجبهوي المعارض إحداهما في الخارج وهي الجبهة الوطنية المصرية والتي ضمت رموزاً إسلامية وليبرالية ويسارية، وتبنت وثيقة مبادئ تقترب كثيرا من وثيقة بروكسل وبيان القاهرة للعمل المشترك، لكن ظروفا أحاطت بتأسيسها، وبآليات عملها أفقدتها الكثير من الحيوية، وعرقلتها عن تحقيق ما كان متوقعا منها خلال الفترة الماضية، كما أن نظرة الكثيرين من القوى الليبرالية لها باعتبارها مظلة يغلب عليها الإسلاميين حال دون انضمام البعض لها، في المقابل تحركت بعض القوى الليبرالية واليسارية داخل مصر لتكوين مظلة سياسية معارضة، تمثلت في الحركة المدنية والتي نصت بوضح على إقصاء الإسلاميين أيضا بمن فيهم الذين شاركوهم التظاهر في 30 يونيو، حتى إنها في مؤتمرها الصحفي الذي عقدته يوم أمس لم تدع رئيس حزب مصر القوية عبد المنعم أبو الفتوح، كما رفض الكثير من رموزها التوقيع على بيان لمقاطعة الانتخابات بسبب وجود توقيع أبو الفتوح عليه.

لم تفلح ضربات النظام -التي لم تعد تفرق بين معارض ومناهض- في تخليص هذه القوى على اختلاف مشاربها من عداوتها المتأصلة تجاه بعضها، والتي فاقت عداءها للنظام القمعي الحاكم، ولم تفلح تلك الضربات في إقناع هذه القوى بتحديد حد أدنى من التفاهمات والمطالب المشتركة، ولو تمثلت فقط في الخلاص من الحاكم الخائن الجائم على صدرها، مع احتفاظ كل فريق ببقية أهدافه ومطالبه يحققها حين يتمكن من ذلك بقوته المنفردة دون الحاجة للآخرين، بل لم تفلح ضربات النظام للجميع في وقف التلاسن والتشاحن بين هؤلاء المعارضين والمناهضين الذين يتغزى نظام السيسي على خلافاتهم، ويواصل الفتك بهم، وطالموا استمروا على هذا الحال فهم جديرون بهذا الفتك، حتى يستبدل الله بهم قوما غيرهم ثم لا يكونوا أمثالهم.

 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه