المطرية يا دولة!

د. أحمد غانم* 

 
كالفرق بين الليل والنهار تصدمك صورتان تأتيانك من مصرفي نفس الشهر: الأولى صورة مواطن خمسيني سكندري يسير في مياه المجاري بملابسه الداخلية حاملا سروال العمل والحذاء على يده دون ضجر أو تذمر. والثانية صورة شباب عشريني ينتفض ضد الحكم العسكري في حي المطرية بالقاهرة دون خوف من اعتقال أو قتل.
ولأنه لا توجد “دولة” حقيقية في العالم يمكن أن تستمر كدولة حين تكون طبيعة الحياة فيها أن يسير المواطن في مياه المجاري ويواصل فيها حياته اليومية ذاهبا لعمله دون تذمر أو ضجر أو حتى أسف من مسئول واحد… ولأن الدولة الحقيقية هي الدولة التي ينتفض فيها المواطن عندما يتم مصادرة حقوقه السياسية وحرياته -لهذه الأسباب- تظهر عبقرية ومنطقية وسبب انتشار هاشتاج “المطرية _يادولة” الذي انتشر انتشارا واسعا في “السوشيال ميديا” تأييدا لانتفاضة الشباب الحر في حي المطرية ..
 فالمطرية هي بحق: دولة.. دولة المواطنين الأحرار الذين لن يخلعوا سرواليهم ليسيروا في مياه المجاري دون تذمر خوفا من بطش نظام عسكري فاشل .فشل حتى في توفير الاحتياجات الأساسية ليحيا الانسان كريما..
المطرية هي بحق دولة.. دولة أغلب سكانها من الشباب الذين يرفضون أن يعيشوا أشباحا لا يراهم أحد ولا يحس بمعاناتهم أحد..
المطرية هي بحق دولة.. دولة تسعى للتحرر وترفع شعار: نحيا كراما أو نموت في سبيل الكرامة! 
 والمشكلة الكبرى ليست في المطرية ولكن في نظام عسكري ظن أنه يستطيع أن يسرق حلم الشباب الذي ثار  في يناير من أجل العيش والحرية والكرامة الإنسانية ظانا أن هذا الشباب سيخلع سرواله ويمشى في المجاري دون ضجر مثل ذلك السكندري الخمسيني من طائفة الأجيال القديمة التي تربت على إعلام العسكر وتحت سياط أجهزته الأمنية دون أن يدري أن الزمان قد تغير وأنه لم يعد يتحكم في ما يراه أو يسمعه الشباب كما فعل مع آبائهم .
 المشكلة الكبرى فيمن ظن أن الدول يمكن أن تبنى على قهر المواطن بعزله عن العالم وقد نسي أن الشباب المصري يرى ويسمع ما يحدث في العالم لحظة بلحظة ويرى كيف يعيش الشباب حرا في كل بلاد العالم.
 لهذا ستظل المطرية في يناير 2015 هي الدولة التي حلمت بها: الدولة التي لا يعلوا فيها صوت فوق صوت كرامة الانسان وحريته.. الدولة التي يقودها  الشباب ويسقى ترابها بدمائه الذكية…الدولة التي لا تستسلم للظلم ولا القهر ولا التشويه الإعلامي. الدولة التي يفضل شبابها استنشاق الغاز في مظاهرات الحرية عن استنشاق المجاري في حياة الذل.
 ولن تكون المطرية هي الأولى أو الأخيرة. فتحت الرماد نار تلتهب. وداخل الصدور غضب ينتفض.. ووراء السكون عاصفة تتجمع أطرافها. ولن يوقف الشاب الطالب لحريته أي قهر أو ظلم بعد أن ذاق طعم الحرية. .وإن غدا لناظره قريب..واليوم دولة وغدا دولة.. 
 هل عرفت الآن لماذا: المطرية يا دولة؟ 

________________

*كاتب مصري مقيم في نيويورك 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه