المصالحة.. عم يتساءلون؟!

سليم عزوز*

عاد الحديث عن المصالحة، بين الإخوان وسلطة الانقلاب، يطرح نفسه مجدداً بقوة!
الجديد في هذه المرة أن الحديث أكثر جدية من المرات السابقة، بعد تصريحات منسوبة للدكتور سعد الكتاتني رئيس البرلمان السابق من سجنه، بأن مصالحة عرضت عليهم بخروجهم من السجن، وتعويض ضحايا الانقلاب، لكنهم رفضوا العرض!.
والأهم هو التغييرات الإقليمية في المنطقة، والتي لا تتوقف على مجرد وجود نظام جديد في العربية السعودية يبدو مختلفاً تماماً عن النظام السابق، فهناك وعي بأن الامور لا ينبغي أن تترك هكذا.
  هذا الوعي كان وراء الدعوة لقادة دول تمثل أطرافاً مهمة في الأزمة المصرية لزيارة الرياض، وقد بنى المتفائلون أمانيهم على أن لقاء سيجمع بين قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي ورجب طيب أردوغان في السعودية وهو ما نفاه الأخير، وفي النهاية فقد غادر الأول، بعد ثلاث ساعات فقط قضاها هناك، وبقي الأخير الذي كان قد سبقه إلى هناك بيوم، ولم يتم اللقاء.
السيسي ولأول مرة يتحدث عن المصالحة، وإن جاء حديثه بعد سؤال كان متعمداً ومتفقاً عليه قبل زيارته للرياض، ولم يكن السؤال والإجابة موجهاً للداخل المصري، وإنما موجهاً للنظام الجديد في السعودية، والذي لا تبدو عليه علامات الارتياح من استمرار الأزمة المصرية، وليس مستعداً لتقديم مساعدات لن تصل للشعب المصري، على النحو الذي كشفته التسريبات الأخيرة. وإن كان هذا النظام قد وجد في اليوم الأول ما يشغله عن الاهتمام الكامل بالأزمة المصرية، فالنفوذ الإيراني تمدد حتى وصل إلى اليمن، وهذا يمثل تهديداً للأمن القومي الخليجي، إن لم يكن خطره على المنطقة العربية كلها، لكن هذا الانشغال لن يستمر كثيراً.
حديث السيسي عن المصالحة، كان بإلقاء الكرة في ملعب “الشعب المصري”، فهو لا يمانع إن وافق الشعب، وعلى اعتبار أن الشعب لن يوافق، وهنا يمكنه أن يلتمس البراءة.
في المقابل، فقد بدت الولايات المتحدة الأمريكية قلقة من جراء حالة عدم الاستقرار في مصر، وعجز النظام الانقلابي على السيطرة والنجاح، والزخم الثوري في 25 يناير وما تلاه لعدة أيام أزعج القوم، وتجلى إزعاجهم في الاهتمام بزيارة وفد البرلمان الشرعي المشكل في تركيا، والمجلس الثوري لواشنطن!.
كان الوفد قد سافر من أجل أن يلتقي بالجالية المصرية هناك، ولم يكن يحلم بأكثر من اللقاء بموظف في الخارجية الأمريكية، لكن الزخم الثوري كان سبباً في ان يدفع البيت الأبيض بمندوب لحضور اللقاء، وكذلك فعل الكونجرس، ولم يحضر موظف صغير من الخارجية الأمريكية، وإنما حضر اللقاء مساعد الوزير. وفي اللقاء أظهر الامريكيون انزعاجهم من العمليات المسلحة، وخشيتهم من أن يكون اليأس قد دفع بالإخوان للعنف.
وكان الرد إن الاخوان لا يقفون وراء هذه العمليات، لكن من الواضح أن هناك فصائل شبابية من غير الإخوان ترى أن السلمية لم تنجح في اسقاط الانقلاب، أو في وقف الممارسات القمعية للسلطة الحاكمة في مصر.
الأمريكان وجهوا عتاباً للإخوان لاتهامهم بالوقوف مع الانقلاب، فهم يقفون مع مصالحهم. وتم الرد:.. ومصالحكم ليست في أمان!.
الإخوان الذين كان اداؤهم اصلاحياً وهم في السلطة، بدوا أكثر ثورية من كثيرين يتحدثون باسم الثورة، فهم يصرون على ضرورة تغييب عبد الفتاح السسي من المشهد، ومحاكمة الذين انقلبوا على الشرعية، وقتلوا الأبرياء في العديد من المذابح، ثم يبدأ الحوار.
لقد وضعوا العقدة في المنشار، وبالزخم الثوري، يمكن الوصول إلى نتيجة أفضل، لكن من الواضح أن هناك اتجاهاً لتهدئة الشارع، ربما لإثبات حسن النية، وربما للتأكيد على أنهم وحدهم من يملكون الشارع، وهذا هو الخطأ، لأن الزخم هو الذي أوصلهم إلى هذه النتيجة وباعتبار أن أول المشوار خطوة!.
كل الأطراف تختزل الأزمة في الجيش والإخوان، وكلام السيسي عن الشعب، هو “فض مجالس”، وفي المقابل يحرص الطرف الآخر على أنهم في المشهد وحدهم وكما يقول المثل هم كـ “الفريك”، وإذا كان استيعاب “الكائن الإخواني” للآخر السياسي، ليبرالياً كان أو يسارياً، ضعيفاً، فإن الامر أكثر حدة مع الآخر الإسلامي، الذين يبدو سواء في تركيا أو في الدوحة كالأطرش في الزفة، فلا يتم التعامل معهم على انهم شركاء، وإنما من التابعين من غير أولى الإربة!.
يشتري منك الإخواني ولا يبع لك، حتى وإن كنت لا تملك فصيلاً يزاحمهم في الشارع، وكان كل هدفك هو المعلومة التي يراها الصحفي مهمة، وهي رأس ماله، وفي هذا الملف لا تعرف هل وصلهم ما طلب من السيسي على سبيل الدقة في زيارته الأخيرة: “حل مشاكلك مع الإخوان”، وعليك أن تنسي ما كان في السابق من مساعدات ومنح وعطايا فاذا كان بينك وبين السابق اتفاقات مكتوبة نحن ملتزمون بها. وبالطبع لا توجد اتفاقيات مكتوبة، فقد كان كله تحت الطرابيزة!.
شرعية السيسي يستمدها من عدائه للإخوان، والآن يطلب منه ومن قبل القوة الإقليمية الفاعلة في انقلابه بأن يحل مشاكله مع الاخوان، وهو بالضغط علي الاخوان في السجون يريد ان يصل إلى مصالحة ثمنها أن يعودوا إلى بيوتهم وهو يحكم، ثم تطور الموقف لبضع مقاعد في البرلمان، لكن إذا وافق الإخوان على حل المشاكل معه، وهذا مستبعد، ولو بالتنازل عن فكرة عودة الرئيس مرسي، وخوض انتخابات برلمانية نزيهة، عندها يكون السيسي قد انتهي فعليا، لأن أي انتخابات نزيهة سيحصل فيها الاسلاميون على الأغلبية بما يمكنهم من تشكيل الحكومة، وتحويل السيسي إلى عدلي منصور!.
لقد ضاق الخناق على قائد الانقلاب

_______________

*صحفي مصري

 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه