المجد للأوساخ

أعتذر عن اللفظ، أظن أنني اكتبه للمرة الأولى، فما بالك لو كان عنوان لمقالة منشورة لكل الناس. لكنها الضرورة والتي كما تعرف لها احكام، طبقاً للمقولة الشهيرة.

 سعيد شعيب*

أعتذر عن اللفظ، أظن أنني اكتبه للمرة الأولى، فما بالك لو كان عنوانا لمقالة منشورة لكل الناس. لكنها الضرورة والتي كما تعرف لها أحكام، طبقاً للمقولة الشهيرة. والضرورة أن هؤلاء “الأوساخ” تزاحموا وتصدروا المناخ العام في مصر، يفسدونه ويسممونه. هؤلاء لهم مواصفات، يعني ملامح، أولها وأهمها، هي ان وجودهم لا يرتبط بمبادئ، ولكن بمصالح على طول الخط. المبادئ كما تعرف ثابتة. وموقفك من أي سلطة أو أي تيار أو أي شخص يحدده ، مدى الاقتراب أو الابتعاد عن هذه المبادئ. فاذا كنت مثلاً تؤمن بالحرية، فموقفك هنا من أي سلطة يحدده اذا ما كانت تحترم وتصونها هذه الحرية أم لا. ولا يحددها طبعاً اذا ما كانت هذه السلطة على هواك السياسي، أو على هوى مصلحتك. وموقفك من أي حزب أو تيار سياسي يحدده مدى اقترابه أو بعده عن هذه القيمة العظمى.
هل تحتاج الى أمثلة.
خذ عندك. لعلك تتذكر جيداً من كانوا ينتقدون مبارك بضراوة بسبب التعذيب والسجن وانتهاكات حقوق الإنسان. ولعلك تتذكر ايضاً انتقاداتهم العنيفة لانتهاكات حرية الرأي والتعبير. لم يكتفوا بالكتابة والصراخ في الفضائيات، لكنهم كانوا ينظمون الوقفات الاحتجاجية ويعقدون الندوات والمؤتمرات ويخاطبون المؤسسات الدولية.
هؤلاء بنوا مجدهم وأموالهم على معارضة الديكتاتور مبارك. وذات الأشخاص يدافعون الآن بقوة وشراسة أكبر عن التعذيب واعتقال الخصوم والانتهاكات المروعة لحقوق الإنسان. بكلمة واحدة يدافعون عن ديكتاتورية جديدة ، في الحقيقة تهون بجوارها ديكتاتورية مبارك.
خذ مثالاً اخراً. بعض هؤلاء كتب وأيد وبارك مشروع جمال مبارك، أقصد مشروعه ورجاله، بما فيه الاستيلاء على حكم مصر. ومنهم من قال لنعطه فرصة، لنسمعه، وهو يقصد بالطبع الدفاع عنه. بعد ثورة يناير لعنوا جمال مبارك ورجاله ولعنوا بالطبع مبارك.
خذ هذا الثالث. منهم من أكل على موائد الإخوان واستفاد منهم مالياً بشكل أو أخر.  ومنهم من كتب بأنهم “فصيل وطني”، ومنهم من قال إنه لا يمكن أن تكون لدينا حياة سياسية، بل وبلد دون الإخوان. أظن أنك تعرف الآن ماذا يقولون عن الإخوان الإرهابيين الدمويين. في حين أن افكار الإخوان ومشروعهم السياسي لم يتغير. فهو معروف قبل أو بعد الثورة. فقد كان طوال الوقت دولة دينية ديكتاتورية بطلاء ديمقراطي. هذا موجود في أديباتهم الممتدة طوال أكثر من 80 عاماً، وموجود في تصريحاتهم ويمكنك قراءته من خلال أدائهم السياسي في كل العهود وعلى رأسها بالطبع عصر مبارك، وبعد ثورة يناير المجيدة.  أي أنه لم تكن هناك أية مفاجأة في الأداء، لكنها المصالح.
نحتاج إلى خطوة اخرى للأمام حتى نحاول بناء صورة تقريبية للأوساخ. فهم ليسوا فقط يبيعون “أباهم” من أجل المصلحة، ولكنهم وهم ينتقلون من معسكر الى أخر يكون أداؤهم هو الأكثر انحطاطاً، فينطبق عليهم المقولة الشهيرة “اذا خاصم فَجر” . لا يطورون النقاش العام في البلد، ولكنهم يصبحون مثل سيدات في بعض الأحياء الشعبية، حيث يستأجرهم البعض لتجريس وتشويه وتدمير سمعة الخصم. ولعلك لاحظت أنهم فعلوا ذلك بكمية من الافتراءات غير المعقولة وغير المنطقية. ليس فقط ضد الإخوان وحلفائهم، ولكن ضد حتى شركائهم في الإطاحة بالإخوان من الحكم. وذلك ليس بالأسلوب المحترم ، أي كشف ممارسات الخصم السياسي وانتقادها. لكن بالشتائم والافتراءات الأخلاقية. فعندما مثلاً يختلف معهم فنان معروف، يصفونه بأنه شاذ، وأنه كذا وكذا. وواحد من هؤلاء يشتم ويسب المصريين، وأخر يتهم المشاهد بأنه حمار وغيرهم وغيرهم. القائمة تطول للممارسات والأسماء.  
هل الأوساخ ظاهرة جديدة على الحياة في مصر؟
بالطبع لا، لكنهم في الحقيقة لم يتصدروا المشهد، ولم يكونوا في أي وقت بكل هذا الكم والكيف والتواجد الكثيف. فلماذا حدث ذلك؟
هناك علاقة طردية بين الاستبداد وزيادة الأوساخ وسطوتهم. فكلما زاد الاستبداد زادت أعدادهم وزاد مساحة تأثيرهم وتواجدهم.  وأذكر عندما كنت في زيارة طويلة للعراق ، كان أمراً عادياً أن أسمع من هنا وهناك أن هناك ابن أبلغ الأمن عن ابيه أو العكس. وشيئاً من ذلك كان يحدث في عهد عبد الناصر وفي العهود الذي تلته. أما الآن، فكل هؤلاء يتراجعون أمام كل هذا الكم من “الوساخة والأوساخ”.
لماذا زادوا الآن؟
لأن كل المسارات المحترمة في بلد محترم تم اغلاقها بالضبة والمفتاح. فلا توجد حرية تأسيس أحزاب ولا حرية تأسيس صحف وقنوات ولا بالطبع حرية إدارتها. ولا توجد حرية الاحتجاج. ويتم العصف بالمعارضين والتنكيل بهم. وأظن أنك تعرف الكثير والكثير عما سماه الأستاذ عبد الله السناوي على ما اذكر “اغلاق المجال العام”.
اذن لن يمر المحترمون . ولكي يمر غيرهم، فليس هناك وجود سوى باب السلطة بمؤسساتها وأجهزتها الأمنية وغير الأمنية.
هناك نوعان من الأبواب. الأول باب الكفاءة وهذا بالطبع يحتاجه أي ديكتاتور، فهو في النهاية يريدهم لإدارة مختلف شئون الدولة بكفاءة. لكن الكفاءة جزء منها أن تكون أميناً وتقول رأيك المهني، أقصد أنك لا تختلف مع الديكتاتور على الهدف، ولكن تريد أن تحققه له بمهنية وكفاءة. حتى هذا النوع البائس والمسكين، ليس له مكان الآن في مصر. أقصد لن يكون قريباً من السلطة، يمكن أن يكون موجوداً ولكن لن تكون له سطوة ونفوذ النوع الثاني. وهذا الأخير هو الذي ينطبق عليه حرفياً  مواصفات “الأوساخ”، مجرد هجاء وشتام، لا هدف له إلا تشويه وتدمير سمعة المختلفين.
لا أظن أنك تحتاج إلى دليل على انتشار هؤلاء في مناحي المجال العام في مصر. ولا أظنك تحتاج إلى دليل على مدى سطوتهم ونفوذهم، ليس فقط ضد المعارضين، ولكن حتى ضد من لا يعجبون “الرجل الكبير” حتى من مساعديه ووزرائه. وإذا كنت تحتاج إلى دليل فيمكنك عمل “لفه” على المحطات التليفزيونية حكومية وخاصة. ويمكنك عمل “لفه” على المواقع الإخبارية الإلكترونية وعلى الصحف الحكومية والخاصة وحتى الحزبية.
ستجد الأوساخ منتشرين بوفرة، فهم للأسف رجال “السيسي” الذين يشاركونه في بناء دولته الميمونة

________________

كاتب وصحفي مصري* 
    

 

 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه