المبادرة

الحقيقة أن ما ورد إعلاميا عن مبادرة كمال الهلباوي لم يحمل صورة واضحة عن وجود تفويض من أي من طرفي المشكلة له سواء كانت الحكومة أو قيادة الجماعة ومعظمها في السجون.

لست من هواة إبداء الرأي في قضايا وموضوعات تخص أصحابها ومغلقة عليهم، ولكن في بعض الأحيان تماسَّ هذه القضايا مع عمومية الواقع تفرض علينا مناقشتها وخاصة لو قام أي من أطرافها بطرحها على الرأي العام.

وأيضا لست من هواة ترديد الكلمة المستهلكة: “أنا لست إخوانيا ولكن….”، ورغم ذلك فأنا مضطر لقولها ليس عن نية درء شبهة ليست بشبهة أو عن نية تمهيد وتبرير للانحياز للجماعة، وإنما فرضت العبارة نفسها على مقالي كعنصر مهم لتوضيح المعنى والهدف من المقال.

ما علينا… انشغلت دوائر العمل السياسي في مصر الأيام السابقة بمبادرة القيادي الإخواني السابق والذي كان عضو سابقا بالتنظيم الدولي للجماعة “كمال الهلباوي”، والتي تتعلق بالمصالحة بين القوى السياسية المعارضة والنظام المصري كإطار عام، وكإطار خاص حل مشكلة المعتقلين في السجون وخاصة من جماعة الإخوان وقيادتها.

والحقيقة أن القائم على المبادرة لم يوضح أي ملامح لمبادرته، ولم يوضح نوايا أطراف المبادرة الرئيسيين ومدى رغبتهم للحل، ولم يشر إلى أي تفويض منهم له!!، فقط اكتفى بإعلان عن مبادرة لحل مشكلة بين طرفين وتشكيل مجلس حكماء عام من كل الطوائف المجتمعية لحل المشكلة على غرار مجالس الصلح العرفية!!

أصحاب الصفة

المبادرة ليست كلمة لا تحمل معنى واحدا لغويا وما يعنينا هو معناها السياسي، وفي السياسة تحمل الكلمة معنى حل أو فكرة أو خطة أو تصور لحل مشكلة ما أو لتحقيق هدف ما وتصدر عن مؤسسات رسمية أو غير رسمية أو أفراد، بشرط أن تكون هذه الجهات ممثلة لأصحاب المصلحة في هذه المبادرة أو على الأقل مفوضة عنهم، فعندما تقوم أي مؤسسة حكومية بمبادرة في مجالها فهي تستند إلى التفويض الضمني لها باعتبارها جزءا من المجتمع التي تمثله… وعندما يقوم بالمبادرة جمعية أو نادٍ أو مؤسسة خاصة فهي تمثل أعضاءها وتستمد شرعية وحق قيامها بالمبادرة منهم.

وكذلك مبادرات الأفراد لا بد أن تستند عن تفويض واضح للفرد المبادر من أصحاب المصلحة والشأن المعنيين بالمبادرة.

الحقيقة أن ما ورد إعلاميا عن مبادرة كمال الهلباوي لم يحمل صورة واضحة عن وجود تفويض من أي من طرفي المشكلة له سواء كانت الحكومة أو قيادة الجماعة ومعظمها في السجون.

كلامي لا يعني رفض فكرة البحث عن حل لمشكلة المعتقلين فهذا هدف سامٍ لأي شخص سوي مؤمن بالحرية والعدالة الاجتماعية، وإنما كلامي يعني أنه لا مبادرة في أي مشكلة بعيدا عن أصحابها الأصليين وتتفق مع قناعاتهم وهم فقط أصحاب القرار في تقديم أي تنازل أو التمسك بموقفهم… هذا ما أفهمه وأتفهمه.

حقيقة مهمة ومبدأ رئيسي لا بد أن نتمسك به وهو الدفاع عن المبادئ والثوابت الإنسانية والحقوق هو أمر لا يتعلق ولا يتأثر باختلاف الأيدولوجيات والآراء.

الحرية فوق الأيدلوجية

عندما دافع الفيلسوف الفرنسي “فولتير” عن الحريات المدنية خاصة حرية العقيدة والمساواة وكرامة الإنسان قائلا: “قد أختلف معك في الرأي ولكني مستعد أن أدفع حياتي ثمنا لحقك في التعبير عن رأيك”… لم يكن صاحب أيدلوجية سياسية، ولكن تجاوز حدود الأيدلوجية إلى معيار اسمي وأهم وأقوى من الأيدلوجيات وهو الحرية والكرامة الإنسانية.

لم يختلف العالم كله عن تقدير واحترام موقف نيلسون مانديلا الذي قضى ما يقرب من 30 عاما داخل سجون جنوب أفريقيا لمناهضته سياسة الفصل العنصري، وهذا لا يعني اتفاق العالم مع أيدولوجية أو فكر “مانديلا”… الموقف النضالي والصدق الإنساني نقطة اتفاق بين كل الأطراف تضمن حماية الحريات وتكفلها.

انحني العالم كله أمام الحركة النضالية لشي جيفارا ولم يكن العالم منحازا لأفكار جيفارا الشيوعية بل كان مقدرا لموقفه النضالي الصادق في الدفاع عن حقوق الشعوب في التحرر من التبعية.

مَن مِن المختلفين مع فكر الرئيس السابق محمد مرسي وزملائه لا يثمن ولا يقدر صمودهم داخل السجون وتمسكهم بمواقفهم ومبادئهم حتى لو كنا مختلفين معها، وأنا مختلف معها ولكني أثمن وأقدر صمودهم داخل السجون، وأرفض تقييد حرية أي إنسان وتلفيق التهم له بسبب أرائه وأفكاره!!

نعود للمبادرة… الغرض من كلامي أنه هناك فرق بين السعي والكفاح والنضال والضغط من أجل الضغط على الأنظمة ووقف سياسات البطش والاعتقال والترويع للمعارضين السياسيين، ونشر مبدأ الحرية للجميع، وبين المبادرة التي هي شأن الأطراف المعنية ويقومون بها إما مباشرة أو عبر وسيط يتم تفويضه من أي من الطرفين أو كلا الطرفين.

وفي موضوعنا طرفي المشكلة هم الحكومة المصرية والمعتقلين داخل سجونها، فهم بوضوح تحت يدها وتستطيع الحكومة لو راغبة التفاوض معهم مباشرة فهم أصحاب الشأن، والعكس صحيح يستطيع المعتقلون طرح مبادرتهم على الحكومة مباشرة أو خلال من يختاروه ليمثلهم.

ليس من حق أي شخص القيام بمبادرة لحل مشكلة دون تفويض من أصحاب المشكلة، ولا مفاوضة ولا مناقشة مجدية مع مقيد حريته فالحرية هي الشرط الأساسي الذي لا يمكن التنازل عنه لإجراء أي مفاوضة… من لا يملك حريته لا يملك إرادته.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه