اللاجئون والنازحون العرب واختفاء الإغاثة

من المآسي التي تعيشها الأمة تشريد عشرات الملايين في أكثر من بلد عربي ومسلم لاجئين خارج بلادهم ونازحين هجروا من مدنهم وقراهم بسبب الحروب.. يتبع.

عامر عبد المنعم

بقلم: عامر عبد المنعم
شعوب عربية شردتها الحروب، ملايين يعيشون في الخيام، يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، تهطل عليهم الأمطار فيغرقون في الماء والطين، تشوي الشمس الحارقة جلودهم، تصورهم كاميرات الإعلام الغربي وهم في طوابير يمدون أيديهم يطلبون الغوث، يبحثون عن كسرة خبز أو شربة ماء، يعيشون ذل المسألة، والانكسار أمام الحاجة والطلب، وهم كانوا بالأمس سادة في أوطانهم، وأشراف يعيشون بكرامتهم قبل أن يتغير حالهم وتنقلب أحوالهم.
من المآسي التي تعيشها الأمة اليوم تشريد عشرات الملايين في أكثر من بلد عربي ومسلم كلاجئين خارج بلادهم ونازحين هجروا من مدنهم وقراهم بسبب الحروب التي تشتعل في المنطقة، فيظل غياب أي جهد عربي أو إسلامي لتقديم العون والمساعدات، واختفاء المنظمات الإغاثية الخيرية التي كانت تقوم بمهام مشهودة بالاعتماد على مصادر التمويل غير الحكومية.
بدأت ظاهرة الملايين المشردين منذ بداية الألفية مع الحروب الاستباقية التي أعلنتها إدارة بوش بغزو أفغانستان في 2001 ثم العراق في 2003، فنزح الأفغان داخليا بينما تحول العراق إلى مأساة، حيث أطلق الاحتلال الحقد الطائفي ضد السنة والانحياز للشيعة، فبدأت عمليات التطهير الطائفي بهدف تهجير السنة وطردهم من بغداد ومحيطها، ومن المحافظات ذات الأغلبية الشيعية، فخرج العراقيون الهاربون من القتل المنظم بالملايين إلى دول الجوار خاصة سوريا والأردن ومصر، وانتشر آخرون في محافظات أخرى يعيشون في المدارس والساحات بحثا عن ملاذات آمنة.
وتفاقمت أزمة النازحين السنة داخل العراق مع اتساع المعارك المعارك الجارية بين الحكومة العراقية والمدعومة من إيران ودول التحالف الذي تقوده أمريكا من ناحية ومسلحي “الدولة الإسلامية” من ناحية أخري، حيث يختزل العرق في مواجهة “داعش” دون أي انتباه لمحنة الملايين السنة الذين يعيشون التشرد والنزوح داخل العراق هربا من القصف وحرق الأرض بالصواريخ.
في سوريا تأخذ المأساة منحى مروعا حيث يعيش ملايين السوريين في المناطق المحررة بين الحصار والتجويع من قوات بشار والقتل بالبراميل المتفجرة التي تلقى على المدنيين لمسح البنايات من على وجه الأرض وقتل من بداخلها في أفظع المشاهد دموية في العصر الحديث، وهذه المذابح دفعت الملايين للهروب إلى دول الجوار القليلة التي فتحت أبوابها وتضطر الآن للهروب على المراكب لتموت في البحر بحثا عن مأوى في دول أوربا بعد أن أغلقت دول العرب أبوابها أمام الهاربين من جحيم الأسد.
في اليمن ومع استمرار الانقلاب الحوثي المدعوم من إيران والحرب الدائرة اضطر الكثير من اليمنيين إلى النزوح من مناطق القتال التي تتسع يوما بعد يوم، وانهارت الدولة أمام الميليشيات الطائفية وأصبح الملايين يعيشون مأساة إنسانية لشعب هو في الأصل يعاني اقتصاديا ويعيش في فقر مدقع، ولم تصل المعونات التي تشرف عليها الأمم المتحدة لمعظم المناطق المحاصرة في عدن وتعز والمناطق التي تشهد مقاومة ضد العدوان من الحوثيين وأتباع علي عبد الله صالح، حيث تتسلمها المليشيات وتديرها بشكل طائفي.
وفي ليبيا بدأت ظاهرة النزوح تتسع خاصة في الشرق بسبب العمليات التي تقوم بها القوات التابعة لخليفة حفتر لتوسيع مساحة نفوذها، ومواجهة قوات فجر ليبيا التي تسيطر على الغرب الليبي، ولكن لقلة عدد سكان ليبيا والتماسك القبلي لم تحدث نتائج كارثية كما في العراق وسوريا واليمن.
وهناك محنة اللاجئين من المسلمين في بورما وفي مناطق أخرى من العالم ولكنها لا تحظى بالاهتمام اللازم لبعدها عن بؤر الصراع في قلب العالم العربي، مثل أفغانستان وباكستان والصومال ومالي ونيجيريا، ففي هذه الدول تعيش ملايين في العراء لا يسأل عنهم أحد.
الحجم الكبير للظاهرة يقتضي أن تكون موضع دراسة واهتمام يناسب تضخمها وتأثيرها الحالي والمستقبلي، وهذا يجعلنا نتساءل عن سر اختفاء الجهد العربي الإسلامي وخاصة جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي ولا نعرف سبب تجاهل هذا الملف الذي يمس شعوب الدول الأعضاء في هاتين المنظمتين، وإذا لم تتحرك المنظمتان لبحث سبل إغاثة ودعم الشعوب المنكوبة والتحرك الإنساني لتقديم الغذاء والكساء لملايين المسلمين والعرب فما هو الحدث الجدير بالاهتمام؟
مأساة اللاجئين والنازحين تزداد بسبب إغلاق المنظمات الإسلامية التي كانت تنشط في إغاثة المنكوبين بشكل أسرع وأكفأ من الحكومات والمنظمات الدولية في مقدمتها الأمم المتحدة التي أصبحت اليوم بسياساتها المنحازة للطائفية والخادمة للقوى المهيمنة جزء من أسباب تضخم الظاهرة واتساع تأثيرها السلبي.
لقد توقف العمل الإغاثي العربي والإسلامي بعد أحداث سبتمبر 2001 وتدمير برجي التجارة العالمي، حيث ركزت إدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش على إغلاق المنظمات الإغاثية الإسلامية وتجميد أموالها وطاردت القائمين عليها في كل مكان واستخدمت أساليب متنوعة في تجفيف التمويل بتجريم التبرع وجمع الزكوات للمنظمات الخيرية العاملة في المجالات الخيرية.
ولعب الرئيس المخلوع حسني مبارك دور الشرطي الأمريكي لتجميد العمل الخيري وكان له دور محوري في وأد منظمات الإغاثة في إطار الحملة الدولية لمواجهة ما يسمى بالإرهاب، حيث قام بالمهمة في مصر ومع قادة الدول الخليجية، حيث تم سن القوانين التي تمنع الحركة لمنظمات الإغاثة والعمل الخيري الأهلي، وركز الجهد الأمريكي والدولي على ذبح بعض المنظمات لتكون أمثولة وعبرة مثل مؤسسة الحرمين الخيرية التي جمدوها وصادروا أموالها في 2004 وحبسوا بعض قادتها ومنعوا أعضائها من السفر ثم صدر قررت السلطات الأمريكية مؤخرا براءتها وسقوط الاتهامات التي وجهت لها منذ 10 سنوات. 
الأزمات السياسية التي تعيشها المنطقة تشير إلى أن الحروب تتسع يوما بعد يوم، وتتسبب في مآسي إنسانية ونتائج كارثية تنعكس على المجتمعات والشعوب، وإذا كانت الحكومات عاجزة عن الفعل السياسي الإيجابي، فإن العمل الإنساني لا يجب أن يتوقف، فالشعوب لها حقوق؛ وإلا فالعار يلاحق الجميع، فالإنسان إذا ضاع  في عالمنا اليوم فما هي القيمة التي يدافع عنها العرب.
المطلوب هو الاهتمام بالشعوب المظلومة المشردة وعدم تبرير التخاذل بالأزمات والصراعات السياسية، ونرجو سرعة التحرك لإنقاذ المنكوبين وتقديم العون لهم بدون شروط، وعدم الاستسهال وتقديم الدعم لقوى طائفية مسيطرة كما يحدث في العراق أو تسليم الدعم للمنظمات الدولية الغربية التي تعطيه للميلشيا الانقلابية كما في اليمن؛ فهذا السلوك كمن يقدم العون للسفاحين ليواصلوا القتل والتهجير وليس للضحايا.
 أمنيتنا وإن كانت صعبة التحقق هي إعادة فتح الأبواب للعمل الطوعي وإعادة الاعتبار للمنظمات الخيرية والعمل الإغاثي وإلغاء القوانين التي تجرم الخير، فهذا هو أضعف الإيمان في لحظة تاريخية لم تمر على أمتنا من قبل، فديننا وحضارتنا هي التي علمت العالم كيف يكون العمل الإنساني عبر التاريخ، فالزكاة ركن من أركان الإسلام الخمسة وحدد القرآن مصارفها التي لا تستثني أحدا، كما أن الحث على الصدقات من أكثر ما دعا إليه الدين حتى لا يكون هناك جائع ولا محتاج.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه