الفقر في أوروبا

إحدى الباحثات الفرنسيات اهتمت بظاهرة الفقر في أوساط الطالبات الجامعيات، وقدمت بحثا أشارت فيه إلى أن بعض الطالبات في جامعات إنجليزية، وفرنسية، وألمانية يلجئن إلى الدعارة من أجل توفير تكاليف الدراسة المرتفعة.

صلاح سليمان*

في أوروبا فقراء ومحتاجون، وفي كل المدن الكبيرة مثل ميونيخ وبرلين وباريس ولندن يمكن رؤية المشردين والمتسولين في الطرقات ومحطات المترو.

فأوربا ليست كما يتصور البعض جنة الثراء والرخاء في العالم، بل فيها أيضا من لا يجد قوت يومه، ومن ليس له مأوى يحميه من برد الشتاء القارص.

رغم أن الاتحاد الأوروبي كان قد اعلن أن سنة 2010 هى السنة الأوروبية لمكافحة الفقر، إلا أن الظاهرة ما زالت موجودة بقوة، وتشير تقارير الاتحاد الأوروبي إلى أن معدلات الفقر في دول الاتحاد وصلت إلى 16% ، وهي مرتفعة في الجنوب عنها في الشمال حيث تصل إلى المستوي الأدنى في الدول الاسكندنافية في حين تصل في إسبانيا واليونان إلى 20% ، أما أكثر الفقراء الأوروبيين فهم المجريون و البلغار والرومانيون.

الغريب أن ألمانيا أغني دولة أوروبية بها أيضا معدلات فقر تصل إلى 13% من نسبة عدد السكان، منهم 1.7 مليون طفل لا تتجاوز أعمارهم سن 16 سنة. وهي مشكلة يراها البعض عارا علي ألمانيا قاطرة أوروبا الاقتصادية وأقوى اقتصاد أوروبي .

عالم الاجتماع الألماني كريستوف بوترفيجي أصدر كتابا عن الفقر في ألمانيا أسمه  “الفقر في بلد ثري”، فند فيه مشكلة الفقر في ألمانيا، وأكد أن أسباب المشكلة تكمن في اتساع الهوة بين الفقراء والأغنياء مما يتوجب علي الدولة إعادة هيكلة المجتمع لتقليص الفوارق الاجتماعية، لآن نظام الخصخصة الذي تقوم عليه ألمانيا جعل مجموعة من الأفراد يمتلكون الثروة ويتحكمون في مقومات الدولة مما أدى إلى اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء، ويري المؤلف أن استمرار هذا الوضع وعدم إيجاد حلول فعالة قد يؤدي إلى انهيار المجتمع .

الفقر في ألمانيا له معايير أخرى لا تشبه معايير دول العالم الثالث، حيث لا يجد الإنسان ما يسد به رمقه، فهو يتمثل في أشكال أخرى مثل العزلة الاجتماعية للأشخاص الذين هم دون المستوى من الناحية المظهرية أو التعليمية أو حتي الثقافية، فهم لا يملكون المال الكافي للإنفاق علي مظهرهم أو الحصول علي غذاء صحي يساعد في تكوين بناء جسمي سليم أو الحصول علي تعليم يؤهلهم لاقتحام أسواق العمل .

قبل عدة سنوات ظهر في ألمانيا كتاب فرنسي مترجم إلى الألمانية عنوانه “دراستي المكلفة” يحكي قصة طالبة فرنسية تبلغ من العمر ثمانية عشر عاما تدعي ” لورا ” امتهنت الدعارة حتي تستطيع الإنفاق علي نفسها. رغم أن الكتاب جاء صادما للمجتمعات الأوروبية، إلا أنه كشف النقاب عن جانبا من حياة الطالبات اللواتي لا تجدن المال الكافي للإنفاق علي الدراسة في الجامعات الأوروبية.
 

تقول لورا في الكتاب :إن الدراسة مستحيلة دون المال، وعندما حاولت العمل يجانب الدراسة  لمدة 15 ساعة في الأسبوع لم استطيع توفير أكثر من 450 يورو في الشهر، وهو مبلغ لا يكفي حتي  لدفع إيجار الشقة وتوفير الطعام وشراء الكتب وتذاكر المواصلات وغيرها من تكاليف الحياة اليومية، أما والديها فلم يكن باستطاعتهم مساعدتها خاصة وأنهما يعيشان من راتب قليل ويدعمان أختها الصغري التي لا تزال تحتاج إلى الرعاية، لهذا وجدت لورا أن هذا هو الطريق السهل الذي تستطيع الحصول فيه علي     400  يورو في اليوم الواحد!
 
رغم أن الكتاب حقق نسبة مبيعات عالية في ألمانيا، إلا أنه كان بمثابة صرخة مدوية كشفت عن كيف يمكن للفقر أن يدفع بفتاة جامعية إلى العيش بشخصيتين متناقضتين أحدهما في القمه والأخرى في القاع.

إحدى الباحثات الفرنسيات وتدعي إيفا كلاويت اهتمت بظاهرة الفقر في أوساط الطالبات الجامعيات بعد نشر الكتاب، وقدمت بحثا أشارت فيه إلى أن بعض الطالبات في جامعات إنجليزية وفرنسية وألمانية يلجئن إلى الدعارة من أجل توفير تكاليف الدراسة المرتفعة ، وذكرت في بحثها الكثير من الحقائق حول تلك الظاهرة.. مثلا في فرنسا تعمل 40 ألف طالبة في الدعارة من أصل 2.2مليون طالبه ، في حين أن مصلحة الشرطة نفت ذلك وقدرت عددهن بعشرين ألف فقط .

 من جهة أخرى نبهت الدراسة إلى أن الظاهرة متفشية أيضا في أوساط العديد من الجامعات الأوروبية وقد ارتفعت نسبتها إلى 50% في الفترة من سنة 2000 إلى سنة 2006.

في ألمانيا يعتبر فقيرا كل من يقدر دخله الشهري ب 801 يورو ويرعي طفلا صغيرا، أما الأسرة التي لديها طفلان ودخلها يقل عن 1683 يورو فإنهم يعتبرون من الفقراء. في حين أن مقدار المعونة التي تقدرها الدولة للطفل في ألمانيا في سن 5 سنوات هي 215 يورو، وفي سن المدرسة يحصل علي 251 يورو، أما الأطفال تحت سن 14 سنة يحصلون علي مبلغ 287 يورو كل شهر وهذه المبالغ ليست كافية لتربية الأطفال كما تراها العائلات الألمانية لآنها لا تسمح للأطفال في الاشتراك في الأنشطة الثقافية مثل الذهاب إلى المسرح والسينما والمتاحف،لأنهم يرون أن دعم الأطفال بالمال الكافي يساعدهم في تحديد المستوي العلمي والثقافي لهم مما يمكنهم من الاندماج في المجتمع وتجنب العزلة بسبب الفقر

_________________

*كاتب مصري مقيم في ألمانيا

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه