“العيل الحشرى ابو دارع” فى الصورة

محمد منير*

لا اعتقد ان شخصاً لم يصادف فى طفولته أو شبابه أو كبره هذا “العيل” الذى كان دائما مايفرض نفسه على مشاهد مجموعات تقف امام الكاميرا ليرفع يده عاليا، أو يشب على قدمه ليظهر جزءا من رأسه ، أو ملتصقا بأحد الاشخاص يدفعه ليقف مكانه فى الصورة وهو “فاشخ بقه” مبتسماً وكأنه صاحب المناسبة، وكان غالبا هذا “العيل الحشرى” هو أكثر الموجودين فى الصورة حرصا على الاحتفاظ بها وتداولها بإعتباره الاكثر انتشارا بين المجموعات، وهى مهارة تسويقية يكتسبها منذ نعومة اظافر قدمه الحافية ستدفع به فى المستقبل الى مقدمه المشاهد رغم انعدام مبررات وجوده فى المشهد من الأساس .
هذا “العيل الرذل” لا يعرف مهارة إلا فرض نفسه على المشاهد ودفع الاخرين للوقوف مكانهم امام العدسات .. ولا تستهينوا ياسادة بهذه المهارة فى بلادنا ..فهى طريق المجد والثراء والزعامة.
“العيل الرذل” أصبح زعيما سياسياً بعد أن قفز على المشاهد وشب برقبته فى صور الأحداث وصرخ متحمساً برأيه الذى دائما ما يبرر ويروج لرأى أقوى الاطراف ، مؤكدا صحة هذا الرأى وملائمته وأهميته لانقاذ الأوطان، وربما فى المشهد هذا يستبدل ضحكته التى كان “يفشخ بها بقه”  بعلامات حزن وبكائية من أجل الوطن ، وبعد لقطة أو اثنين تجد “العيل الرذل” مسئولا كبيرا فى الدولة يتحكم فى مصائر أمم وشعوب لاتحمل حيثيات وجوده سوى قدرته على الولوج الى المشاهد وتدليك ذات اصحاب القرار ، وليتحول هو الى صاحب قرار فيما بعد يحمل ذاتاً قابلة للتدليك ، وهكذا تتوالد الزعامة السياسية التى تتحكم فى الاوطان .
“العيل الرذل” أصبح فنانا كبيرا بعد أن استطاع فرض رقبته ويده على صور مشاهير الفنانين وهو يجامل ست الكل نجمة السماء العالية  ويصرخ مسبحاً بعبقرية المخرج ،وتمتد يده الفضولية فى المشهد الى رغبات المنتج لتلبى كل رغباته الانسانية  ..  ولو كانت “عيله  رذلة” فمن الممكن استخدام بعض المهارات الانثوية التى تكشف عن عمقها الأدبى وكنز المهارات الفنية المدفون فى جسدها ، ليصبح “العيل الرذل” فنانا كبيراً صاحب كلمة مسموعة فى المجتمع وربما عضوا فى لجنة الأربعين لوضع دستور البلاد أو نائبا فى البرلمان التشريعى .
“العيل الرذل” فى الصحافة والثقافة يمد يده ورقبته فى المشهد ليقف بجانب أصحاب القرار ورؤوس الاموال حاملا فى يده سيرة ذاتية مكتوبه بإحترافية تكشف عن مجد أدبى وعبقرية ثقافية منذ نعومة اظافره ( واللى مش مصدق يدور ) ، وفى يد اخرى يحمل انتاجه الأدبى والصحفى والذى غالبا ما يكون قص ولزق واعادة انتاج ليس لافكار قديمة وانما لمجرد عبارات سابقة المهم ان توضع بين غلافين وينظم لها مشهد حفل توقيع كبير ليصبح الرذل كاتبا كبيرا يشار له بالبنان .. و”العيل الرذل” فى هذا المجال يمتلك جهازا حساسا تجاه مصالح القائمين على رعاية الوطن وصيانته ، فإذا لمح المسئول وهو يعطس أصبحت العطسة واجب قومى على كل مواطن. ويبدأ “الرذل” فى كتابة المبررات التاريخية والمنطقية والعلمية التى تؤكد خيانة غير العطاس ، و”العيل الرذل” فى الصحافة يمتلك أدوات الكراهية والحب فى آن واحد ولكنه ايضا يمتلك مهارة تحديد توقيت استخدامها فإذا اتجهت عاطفة المسئول الكبير نحو جماعة ، فإن الجماعة هى الحل ، أما إذا نالها شئ من الكراهية فوجودها خيانة وخطر يهدد الأوطان ، وكله بأسم المبادئ ومن أجل الوطن ..
هكذا يا سادة نجد أن “العيل الرذل” اللى فى كل الصور أصبح القائد والمفكر والفنان والمثقف والصحفى بفضل مهارته فى الرذالة و بفضل ذراعة ورقبته الممتدة فى كل المشاهد  ولا عزاء للحرفية والموهبة والصدق

______________

*كاتب وصحفي مصري

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه