العلاقات المصرية التركية آفاق مسدودة وتطبيع مؤجل

في نهاية العام المنصرم فاجأ وزير الخارجية المصري، سامح شكري، الرأي العام بتصريح لجريدة “أخبار اليوم” قال فيه: “لا شك أن هناك الكثير الذي يربط الشعب المصري مع نظيره التركي، فهناك صلات قوية وتمازج ومصاهرة وتراث مشترك، ونأمل أن تعود العلاقة فمصر دائما منفتحة.”

تصريح اعتبره كثيرون مؤشراً قوياً على قرب عودة العلاقات بين البلدين، خاصة في ظل تنامي العلاقات الاقتصادية بينهما، التي سجلت أرقاماً تعكس تعاوناً وثيقاً بين الدولتين رغم القطيعة السياسية منذ الانقلاب على الرئيس محمد مرسي.

ففي يوليو/ تموز الماضي، أعلنت مصر، ارتفاع صادراتها للسوق التركي خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الجاري، بنسبة 52%، لتصل إلى 837 مليونا و200 ألف دولار مقارنةً بــ549 مليونا و400 ألف خلال نفس الفترة من 2016.

كما بلغ حجم التبادل التجاري بين مصر وتركيا نحو 4  مليارات و176 مليون دولار خلال 2016، مقابل 4 مليارات و341 مليون دولار خلال 2015، وفقا لبيانات التجارة والصناعة المصرية.

هيا نصنع معاً

فيما زار وفد من رجال الأعمال المصريين يرافقهم مجموعة من الصحفيين المصريين، أواخر نوفمبر تشرين ثاني الماضي، مدينتي قونيا وإسطنبول، للمشاركة في مؤتمر اقتصادي بعنوان “هيا نصنع معاً” بهدف تشجيع الشراكة بين الشركات التركية والمصرية.

كما كان لافتاً تفرد تركيا بإعلان حداد وطني بعموم البلاد، تضامنا مع ضحايا الهجوم الإرهابي الذي استهدف مسجد الروضة في سيناء، شمال شرقي مصر، آنذاك، وراح ضحيته أكثر من 300 قتيل.

كما أوفدت مصر وفداً رفيع المستوى برئاسة وزير خارجيتها، للمشاركة في قمة منظمة التعاون الإسلامي الطارئة، التي دعت إليها تركيا منتصف ديسمبر كانون أول الماضي، وخُصِّصت لبحث إعلان ترمب القدس عاصمة موحدة لإسرائيل.

إضافة إلى التعاون بين أنقرة والقاهرة في الأمم المتحدة سواء في مجلس الأمن، أو الجمعية العمومية، لاستصدار قرار أممي مضاد لإعلان الرئيس الأمريكي.

هذا الحراك دفع كثيرين إلى القول بإن مسألة عودة العلاقات وتطبيعها بين البلدين الإقليميين الكبيرين مسألة وقت، بل تحدث البعض عن وساطة روسية في هذا الشأن الأمر الذي نفاه سامح شكري لاحقاً.

لكن أحداث الأيام التالية جعلت من حديث التطبيع أملاً مؤجلاً، عقب الزيارة التي قام بها الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان إلى السودان وما تمخض عنها من نتائج واتفاقيات أبرزها تخصيص السودان جزيرة “سواكن” الاستراتيجية في البحر الأحمر لتركيا، وذلك لترميم آثارها العثمانية، وإدارتها كمحطة للمعتمرين الأتراك في طريقهم إلى مكة والمدينة، لكن الحديث عن جزء غير معلن، فتح الباب واسعاً للحديث عن سماح الخرطوم لتركيا بإقامة قواعد عسكرية في الجزيرة ما أشعل حرباً إعلامية مصرية طالت الجانبين السوداني والتركي، وإن كان الأمر في حقيقته أبعد من ذلك.

هل أجلت زيارة أردوغان إلى السودان تطبيع العلاقات مع مصر؟

رغم كثرة الزيارات الخارجية التي قام بها أردوغان عام ٢٠١٧ وخاصة للقارة الأفريقية، فإن زيارته إلى السودان تعد واحدة من أنجح هذه الزيارات على المستويين الرسمي والشعبي، حيث شهدت توقيع أكثر من عشرين اتفاقية بين الجانبين، وحصول تركيا على حق إدارة جزيرة سواكن.

لكن تعامل الإعلام المصري (الذي يدار بواسطة رئيس مكتب السيسي) كان خارجاً عن حدود المنطق والفهم، فتركيا والسودان دولتان ذاتا سيادة ومن حقهما تبادل الزيارات والاتفاقيات، وتركيا – رغم خلافها الحاد مع نظام السيسي- لا يمكن بأي حال، تصنيفها دولة معادية لمصر، كما أن أي وجود عسكري تركي “مفترض” في السودان، لا يمكن اعتباره خصماً من رصيد الأمن القومي المصري ولا تهديداً له، خاصة وأن السيسي خاض معركة شرسة من أجل التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، وهما أكثر أهمية من الناحية الاستراتيجية من سواكن!!

إسرائيل كلمة السر

الملاحظ أيضاً هنا أن الهجوم اشتعلت أحداثه منذ اليوم الأول للزيارة وقبل الإعلان عن الاتفاق الحاصل بشأن “سواكن”، فعلى سبيل خرج مدير تحرير اليوم السابع دندراوي الهواري بمقال يوم الاثنين ٢٥/١٢ (عقب يوم واحد من وصول أردوغان إلى السودان) حمل عنوان “لعنة الفراعنة تثير الرعب في شوارع أنقرة وإسطنبول.. وتصيب أردوغان بالهذيان!” ونال من الرئيس التركي بعبارات يعاقب عليها القانون، إضافة إلى سهرات المساء الفضائية، حيث تم تخصيص البرامج الحوارية حينها لذات الأمر.

الأمر الذي يدفعنا إلى محاولة البحث عن الأسباب الحقيقية وراء ذلك الهجوم، حيث تمثل إسرائيل هنا كلمة السر فيها، فالظهور “المفاجئ” لتركيا في البحر الأحمر يبدو أنه أصاب تل أبيب بانزعاج شديد، في وقت تستعد فيه الدولة العبرية وحلفاؤها من الأنظمة العربية، لوضع الرتوش النهائية على ما عرف بـ “صفقة القرن” فلم يكن من مصلحتها تعزيز الوجود التركي في هذه المنطقة، خاصة بعد نجاح أنقرة في إقامة قواعد عسكرية في الصومال حيث المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، وتصريح وزير خارجية جيبوتي قبل عدة أيام عن ترحيب بلاده بإقامة قواعد عسكرية تركية فيها، هذه التحركات التركية أصابت إسرائيل بقلق واضح دفعها إلى تحريك اللوبي الموالي لها في العالم العربي، لشن هجوم على تركيا، والزعم بأن أردوغان يسعى إلى إعادة “الاحتلال العثماني” إلى العالم العربي مرة أخرى!

الصراع التركي الإسرائيلي في منطقة القرن الأفريقي ليس وليد اليوم بل يعود سنوات ، عندما قررت أنقرة دعم وجودها في القارة في ظل غياب عربي كبير، عبر استراتيجية تعتمد على التبادل الاقتصادي، والمساعدات الإنسانية، وفتح الجامعات التركية أمام الطلاب الأفارقة، الأمر الذي أكسب تركيا مكانة كبيرة خاصة في البلدان التي يوجد فيها المسلمون بشكل كبير.

كما لا ننسى الدور الذي تلعبه الإمارات في الشرق الأفريقي، فيما يسمى بـ “أرض الصومال” الانفصالية وإريتريا، وهو دور تابع لإسرائيل وسياساتها، وبالتالي يزعجها كثيراً التواجد التركي في القارة.

وقد أشار تقرير للغارديان نشرته قبل عام وحمل عنوان ” قادة الشرق الأوسط يعبرون البحر الأحمر لجذب شرق أفريقيا” إلى أن «تناوب العديد من المسؤولين والزعماء من بلدان الشرق الأوسط على زيارة منطقة القرن الأفريقي في الآونة الأخيرة يعدّ مؤشراً لافتاً على وجود تحوّل كبير في معركة تعود لقرون بين القوى الأجنبية المتصارعة على النفوذ، والتجارة، والموارد، والوجود العسكري في منطقة حساسة استراتيجياً على مستوى العالم».

وأشار التقرير حينها إلى تركيا صراحة حيث اعتبرها ” واحدة من اللاعبين الرئيسيين في هذا التدافع الجديد”، وعزا ذلك التوجه إلى “الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي قاد شخصيا هذا الجهد، وجعل الصومال محور تركيزه، حيث زارها ثلاث مرات. وحصل على عقود كبرى للشركات التركية، إضافة إلى علاقة وثيقة مع السياسيين والمسؤولين في الصومال”

تلك السياسة أكملها أردوغان بزيارته إلى السودان، لكن مع غياب اللاعب المصري الواضح عن ذلك الصراع، وانسحاب القاهرة غير المبرر من أفريقيا، يمكننا القول إن الحملة التي انطلقت من مصر ضد تركيا، لعبت القاهرة فيها لصالح تل أبيب وأبو ظبي، اللتين يزعجهما أيما إزعاج ظهور الأتراك في تلك المنطقة وفي هذا التوقيت.

ومن هنا فإن الحديث الآن عن تطبيع سياسي بين الجانبين، سابق لأوانه، لكنه لن يمنع التطبيع الاقتصادي الذي يسير بخطى حثيثة، ولن يقف حجر عثرة أمام لقاءات مسؤولي البلدين على مستوى الوزراء، فمشروعا البلدين من الصعب أن يلتقيا من الآن وحتى إشعار آخر.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه